ملحمة الانتخابات الايرانية .. والحرث الامريكي للبحر

ملحمة الانتخابات الايرانية .. والحرث الامريكي للبحر
السبت ١٥ يونيو ٢٠١٣ - ١٢:٢١ بتوقيت غرينتش

"الميزان هو صوت الشعب" ، مقولة خالدة اطلقها الامام الخميني (رضوان الله تعالى عليه) بُعيد انتصار الثورة الاسلامية في ايران ، فكانت حقا الميزان الذي يقاس به شرعية كل شىء ، بدءا من منصب الولى الفقيه وانتهاء بالمجالس البلدية.

لاصوت في ظل نظام الجمهورية الاسلامية يعلو في ايران على صوت الشعب ، فهو صاحب الكلمة الفصل التي لاتقبل التأويل والتشكيك . عندما تخرج من صناديق الاقتراع ، فهي مهيمنة على غيرها ، فكانت الانتخابات عنوانا كبيرا للحياة السياسية في ايران ، والشعب الايراني لايخرج من انتخابات حتى يدخل في اخراها.
آخر هذه الانتخابات ، هي الانتخابات الرئاسية الحادية عشرة التي شهدتها ايران يوم امس الجمعة الرابع عشر من شهر حزيران يونيو ، والتي فاجأت الاصدقاء قبل الاعداء ، بعد ان سجلت نسبة مشاركة شعبية فاقت كل التوقعات . وسجلت تلونا في اطياف المرشحين وسلاسة في تنفيذها ، وهو ما فاق كل توقعات الاصدقاء تفاؤلا . وجاءت في الوقت نفسه صادمة للاعداء الذين راهنوا على الحظر الظالم الذي فرضوه على الشعب الايراني ، وما كانوا يعتقدونه من حصول هوة بين هذا الشعب وبين نظامه الاسلامي .
مهما تكن نتائج الانتخابات الرئاسية الحالية فان الفائز الاول والاخير فيها هو الشعب الايراني ، الذي نجح وبذكائه الفطري ، في تحصين ايران امام كل المخاطر التي تتهددها ومن كل ما يحاط بها من فتن ، والتي نشهد جانبا منها في العديد من بلدان المنطقة ، التي دخلت في دوامة من الفوضى والتشتت تحت ذرائع شتى وفي مقدمتها تصدير الديمقراطية وحقوق الانسان!.
المضحك المبكي ان المخططين لهذه الديمقراطية هما امريكا و"اسرائيل" ، وممولوها الانظمة العربية القبلية ، وطلائعها هم التكفيريون والذباحون ونباشو القبور . اما تطبيقاتها فالتهجير والقتل على الهوية والتكفير والفتن المذهبية والطائفية . ونتائجها ، فالخراب والدمار ، ومحصلتها فهو خروج "اسرائيل" منتصرة قوية.
الانتخابات الايرانية ، التي تعتبر تجسيدا للسيادة الشعبية الدينية ، ربيع تعيشه ايران منذ اكثر من ثلاثين عاما ، تهب نسائمه مع كل انتخابات ، والتي تجاوز عددها اكثر من ثلاثين عملية انتخابية ، اي بمعدل انتخابات واحدة في كل عام .  
الإنتخابات في ايران تترواح بين انتخابات رئاسية وتجرى كل اربع سنوات وتشريعية تجرى ايضا كل اربع سنوات وانتخابات مجلس خبراء‌ القيادة وتجرى كل ثماني سنوات وانتخابات المجالس البلدية تجرى كل اربع سنوات.
الإنتخابات التي دشنت فيها الجمهورية الإسلامية في ايران عهدها الجديد كان الإستفتاء ‌الذي جرى يومي 30 و31 آذار/ مارس 1979 لتغيير النظام الملكي الى الجمهوري، ولم يمر على انتصار الثورة سوى شهرين . استفتاء آذار حدد طبيعة الثورة الإسلامية وافكار قادتها ، كما كان علامة فارقة بين هذه الثورة والثورات الاخرى التي شهدها العالم منذ انتصار الثورة الفرنسية عام 1789.
الفرز الذي تم في استفتاء آذار بين الثورة الإسلامية في ايران والثورات الأخرى كان بفضل ارادة قادتها وفي مقدمتهم مؤسس الجمهورية الإسلامية الإيرانية الإمام الخميني (‌رض)‌.
المعروف في منطق الثورات التي عرفتها الشعوب انها تنتهي عادة بتأسيس انظمة دكتاتورية تحكم بقرارات تصدرها مجالس قيادات هذه الثورات او في افضل الحالات تنتهي بدساتير مؤقتة ، الا ان الثورة الإسلامية في ايران ورغم الشعبية العالية للإمام الخميني (رض) بين ابناء الشعب الايراني، الا ان سماحته ابى ان يؤسس الجمهورية الإسلامية على عواطف المواطنين رغم صدقيتها، فما كان سماحته الا ان دعى الى اجراء استفتاء يشارك فيه كل ابناء الشعب بإرادة حرة وبعيداً عن اي ضغوط من اي جهة كانت . فكان الإستفتاء، حيث صوتت الاغلبية الساحقة للشعب الإيراني بنسبة 2/98% ( ثمانية وتسعين فاصل اثنين بالمائة ) على تغيير النظام الملكي بالجمهوري ، فتحول الإستفتاء الى اساس وقاعدة انطلقت منها كل الإنتخابات التي شهدتها ايران الإسلام فيما بعد والتي ميزت الديمقراطية الإيرانية او السيادة الشعبية الدينية.
يتفق اغلب المفكرين في العالم، من شتى المشارب والمذاهب، على ان الديمقراطية وسيلة يمكن من خلالها الوصول الى تقليص الاخطاء ‌والحد من استغلال الافراد للسلطة من اجل تحقيق مآرب شخصية او فئوية، وذلك عبر تقسيم السلطات وايجاد آليات تكفل الحد الاعلى للمشاركة الشعبية في تقرير مصير البلاد.
وفي المقابل يتفق هؤلاء المفكرون ايضا على ان مثل هذه الوسيلة تختلف من مكان لآخر رغم وجود نقاط تشترك فيها مختلف هذه الديمقراطيات.
هناك نقطتان تعتبران من اهم النقاط التي تدخل ضمن القواسم المشتركة لمختلف الديمقراطيات في العالم، الاولى هي وجود دستور دائم يكفل الحريات ويحدد الواجبات ويعيش الافراد في كنفه حياة كريمة لا مجال فيها للتجاوز والعدوان، تحت اي ذريعة كانت. والثانية المشاركة الشعبية، والتي تأتي الإنتخابات في طليعتها، حيث تكفل وبشكل كبير مساحة واسعة لصياغة السياسات العامة لأي مجتمع من المجتمعات.
فاذا نظرنا نظرة سريعة الى التجربة الإيرانية في الديمقراطية او السيادة الشعبية الدينية، من خلال هذين العاملين ، يمكننا حينها ان نصل الى رسم صورة يمكن من خلالها تقويم هذه التجربة بموضوعية بعيدا عن اي اغراض .
ان الانتخابات الرئاسية التي عاشتها ايران امس الجمعة والتي حولها الشعب الايراني الى ملحمة سياسية كبرى ، تعتبرا تطبيقا عمليا ناجحا للتجربة الايرانية في السيادة الشعبية الدينية ، كما تعتبر درسا قاسيا لامريكا لتتوقف عن التدخل في الشؤون الداخلية لايران وتكف عن حرث البحر!.  

بقلم/ ماجد حاتمي