عندما تفضح تونس اكذوبة "الفتنة السنية الشيعية"

عندما تفضح تونس اكذوبة
الإثنين ٢٩ يوليو ٢٠١٣ - ١٠:٠٢ بتوقيت غرينتش

الاحداث التي شهدتها تونس منذ انتصار ثورتها وحتى اليوم ، جاءت لتؤكد حقيقة في غاية الاهمية ، لطالما أكد عليها مفكرو الامة ، ومفادها ان ما يجري في ديار العرب والمسلمين ليس فتنة سنية شيعية ، فمثل هذه الفتنة لاتوجد الا في عقول مروجيها ، وان ما نشاهده اليوم على الارض ليس سوى مؤامرة حيكت خيوطها بليل لضرب المسلمين بعضهم ببعض.

السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو ، كيف يمكن لاحداث تونس ان تؤكد هذه الحقيقة ، في الوقت الذي لا اثر لاي صراع من هذا النوع في هذا البلد؟.
للجواب على هذا السؤال نقول، ان حقيقة عدم وجود مثل هذه الفتنة في ديار المسلمين يمكن اثباتها عبر تلمس ما جرى ويجري في تونس ، فالذرائع التي تروجها الجهات، التي تدعم المجموعات المتطرفة من الوهابية والسلفية في مجتمعات مثل العراق وسوريا وباكستان وافغانستان والبحرين والسعودية ومصر وغيرها ، لتبرير جرائم هذه المجموعات ، هي وجود الشيعة من "الروافض" و "احفاد ابن العلقمي" و " الانجاس" و "المجوس" و "اذناب ايران" و الى اخر القائمة المعروفة ، في هذه البلدان ، والا ، من وجهة نظر هذه الجهات ، فان الوهابية والسلفية مجموعات مسالمة لاتؤذي احدا !!!.

السلفية: أنا اقتل اذن انا موجود 

رغم انه بات واضحا للجميع ان السلفية المنبثقة عن الوهابية تحمل في داخلها جينات تدفع حاملها الى التطرف والعنف ونفي الاخر ، مهما ادعى الموضوعية والعلمية ،  لذلك وجدت في المسلمين الشيعة بغيتها في التنفيس عن ذاتها المتطرفة . وللاسف الشديد هناك من صدق رواية الجهات التي تقف وراء السلفية ، من ان الشيعة يستحقون كل الذي يجري لهم ، لذلك وقف يتفرج على الجرائم التي ترتكب بحقهم في البلدان التي اشرنا اليهم دون ان يحرك ساكنا ، ولكن هذا البعض اخذ يعيد النظر في موقفه هذا لاحقا عندما اخذت تتكثف امامه سلوكيات السلفية في مجتمعات ليس فيها للشيعة المسلمين اي وجود يذكر ، فاذا هي نفس السلوكيات حيث التكفير والقتل والتفخيخ والتفجير والذبح من الوريد الى الوريد ، وكأن شعار السلفية أنا اقتل اذن انا موجود ، كما يحدث الان في تونس وليبيا.
 
لماذا تقتل السلفية في تونس وليس هناك شيعة!!

بعد الثورات العربية وفضاءات الحرية التي اوجدتها ، لاسيما في تونس ، انكشفت السلفية على حقيقتها عارية ، فهي متطرفة متعطشة للدماء. هذه الحالة الشاذة ومن اجل ديمومتها لابد ان تعيش في اجواء شاذة تضمن ذلك ، وهي اجواء الفتنة والشقاق والتناحر ، على حساب امن واستقرار المجتمعات التي تسللت اليها .

وعندما كانت بحاجة الى ضحايا لتعيش ، فلم تجد امامها ضحيتها التقليدية وهي الشيعة في تونس ، فاختلقت لها ضحايا اخرين في هذا البلد المنكوب بها ، وبما انهم استاذة في ايجاد التبريرات "الشريعة" المعلبة في تكفيركل المسلمين هكذا وبكل بساطة ، ليكونوا طعما للوحش الكاسر الذي يستبطنها ، فكفرت جميع الاحزاب العلمانية والقومية وحتى الاسلامية ، ومن ثم التهمت رموزا وطنية لطالما قارعت الدكتاتورية في عهدي الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي ، ودخلت السجون ولاقت صنوف التعذيب، فقط لكون هذه الرموز لاتشاطرها رأيها و وجهة نظرها للحياة والانسان ، وهي وجهة نظر اقل ما يقال عنها انها مشبوهة اذا لم تكن صهيونية للعظم ، وكيف لا وهي تطبق بالحرف الواحد مايتمناه الصهاينة ان تكون عليه حال العرب والمسلمين ، هذا اذا تغاضينا عن وصف افكارهم بانها متخلفة ومتعفنة وخارج التاريخ اصلا.

بأي ذنب قتل بلعيد والبراهمي واخرون 

في اقل من ستة اشهر اغتالت السلفية رمزين وطنيين من رموز تونس هما الأمين العام لحركة الوطنيين الديمقراطيين  شكري بلعيد ، والمنسق العام لحزب التيار الشعبي محمد البراهمي ، بنفس الطريقة وبذات السلاح كما اعلن ذلك وزير الداخلية التونسي.

والمعروف عن بلعيد و البراهمي ، وهما اعضاء في المجلس الوطنى التاسيسي الذي انتخب بعد الثورة من قبل الشعب للاشراف على كتابة الدستور والمرحلة الانتقالية في تونس ، انهما حذرا وفي وقت مبكر جدا التونسيين من خطر السلفية على المجتمع التونسي المتسامح والمنفتح. فبعد الرسالة التي وجهها زعيم القاعدة ايمن الظواهري الى التونسيين اعلن بلعيد انه "حذر من أن تنظيم القاعدة يسعى إلى وضع يده على تونس وهو ما بدى واضحا في الرسالة التي وجهها الإرهابي أيمن الظواهري والذي دعا فيها التونسيين للتقاتل". وكان الظواهري قد دعا في تلك الرسالة التونسيين الى نصرة شريعتهم.

أما محمد البراهمي وفي تصريح لافت له بعد اغتيال بلعيد قال بالحرف الواحد "ان اغتيال شكري بلعيد يوضع في مرحلة متقدمة من الفوضى.. المستهدف هو السلم الاجتماعي.. وأنا اعول على حنكة القوى السياسية وتبصرها لاحباط هذه المؤامرة" .. وحمل البراهمي المسؤولية لحركة النهضة التي اعتبرها "أطلقت العنان أمام المحرضين على قتل شخص شكري بلعيد الى جانب وزارة الداخلية التي تعلم بوجود مخط اغتيالات ولم تتخذ اي اجراء تجاه ذلك.." المشكل في نظره "لا تعدو أن تكون تصفية حسابات من قبل مجموعات بغاية البؤس والسخافة" . الرجل استشعر وبوعي سياسي عال خطورة المجموعات السلفية التي تركت طليقة لتنهش بالتونسيين.

قيمة المرأة التونسية عند السلفيين .. سندويتش!!

ومن اجل الحصول على وقود لدوران عجلتها الفتنوية الجهنمية العبثية ، في مجتمع ليس فيه للمسلمين الشيعة حضور لافت كالمجتمع التونسي ، نرى هذه العجلة  اقتربت كثيرا من المرأة التونسية ، التي صبوا عليها جام غضبهم و وصفوها باقذع الاوصاف ، وانزلوها من علياء منزلتها التي انزلها الاسلام ، الى درك افكارهم المنحطة والغبية والظلامية.حتى وصل استهزاء السلفية بالمرأة الى ان قال احد رموزها وهو الداعية السلفي خميس الماجور وبوقاحة معهودة عند السلفيين : "ان بالامكان شراء المرأة التونسية بسندويتش"!!.

ترى ماذا يمكن ان نستخلص من هذه العبارة المريضة والسخيفة بحق الام والاخت والبنت والزوجة وبشكل عام بحق نصف المجتمع ؟، الا يتبادر الى الاذهان فورا ان هؤلاء الناس لاهدف لهم في الحياة بالمرة ، وان مهمتهم محصورة في جلب الخراب والدمار الى المجتمعات العربية والاسلامية ؟،  الا يؤكد ذلك ان هؤلاء الناس لايمكنهم  العيش الا في اجواء الفتنة عبر القتل والتكفير واهانة المقدسات والاعتداء على الحرمات والاستخفاف بالكرامة الانسانية ؟ ، فاذا لم تكن هناك شيعة فهناك مسيحيون ، واذا لم يكن هناك مسيحيون فهناك اقليات مذهبية وقومية اخرى ، واذا لم تكن هناك قوميات ومذاهب اخرى ، فهناك حتما احزاب قومية وعلمانية ويسارية ، واذا لم تكن هناك احزاب فبالتاكيد هناك نساء ، وفي حال تمكنوا من ادخال النساء الى بيت طاعتهم الظلامي، عندها لايبقى الا ان يأكل بعضهم بعضا ويفتي بعضهم بكفر بعض كما حصل ويحصل في افغانستان والصومال ، المهم ان يأكلوا ويلتهموا شيئا ما ، ليهدأ الوحش الذي يستوطنهم.  

السلفية آفة المجتمعات الاسلامية

نقلت وسائل الاعلام المؤتمر الصحفي لاسرة الفقيد محمد البراهمي ، حيث اتفق المتحدثون على ان السلفية هي الصهيونية . بدوري توقفت كثيرا عند هذا الوصف لاسرة الفقيد للسلفية ، وتساءلت عن هدف كل الذي جري ويجري في تونس ولماذا ترفض السلفية الديمقراطية والانتخابات اذا كانت تعتقد ان الحق معها وان لديها خطابا يمكن ان يسمعه الاخرون؟ ترى لماذا اختارت هذه الخطاب التكفيري الذي يعكر صفو وانسجام المجتمع؟ لماذا اختارت التصفية الجسدية لرموز وطنية  لا سلاح لها الا الكلمة ؟ لماذا كل هذه الجرائم ضد رجال الامن والجنود والمثقفين والعمال والصحفيين وطلبة الجامعات ؟ كيف يمكن ان تجد لها موقع قدم في المجتمع وهي تطعن بشرف المراة التونسية ؟ ترى كيف ان يمكن تصور حال المجتمع التونسي واي مجتمع اخر ، تصل فيه مثل هذه العقول الى سدة الحكم ؟ وكيف سيكون حال المجتمع في حال تركت السلفية تفعل فعلها بالناس دون حسيب او رقيب ؟.

عندما تتكشف اكذوبة الفتنة "السنية الشيعية"

  الضجة الاعلامية الضخمة التي رافقت جرائم السلفيين التكفيريين في العراق وسوريا ولبنان وافغانستان وباكستان ومصر والبحرين ، والتي اثارتها وسائل اعلامية ممولة بدولارات النفط ، لتبرير ما يحدث من فضائع يشيب لها الولدان ، وانها حرب سنية شيعية ، اقول ان هذه التبريرات وان كانت تلامس غرائز بعض السذج من المسلمين ، الا انها وبرحمة وفضل من الله سبحانه وتعالى ، لم تنجح في تجميل التشوه الخلقي للسلفيين ، بسبب افاعيلهم  في تونس وليبيا ومالي والصومال ضد البشر والشجر والحجر ، وتم فضح هذه الكذبة الخبيثة للداني والقاضي ، وتبين لكل ذي عين ، ان السلفية جعلت من الشيعة عدوا ،  في المجتمعات التي تضم مسلمين شيعة ، خدمة للمشروع الصهيوامريكي ،  وفي حال تعذر وجود شعية ، تبدأ بتكفير باقي عباد الله ، واذا تعذر ذلك فتعلن الحرب على القبور والاضرحة كما في ليبيا مالي والصومال ، المهم خلق فتنة وضرب استقرار المجتمعات العربية والاسلامية خدمة لاسيادهم الصهاينة ، الذين يضحكون الان بملء شدقيهم على الخراب الذي حل بالعرب والمسلمين على يد ربيبتهم السلفية ، التي لولاها لما تمكنوا من الحاق كل هذا الخراب والدمار.

نقول ورغم ان الالم يعتصرنا لما يلاقيه اهل تونس وباقي الدول العربية والاسلامية على يد السلفية ، الا ان هذه الجرائم  كشفت وبشكل واضح ان كل ماقيل ويقال عن وجود فتنة "سنية شيعية" ما هو الا كذبة روجتها وتروجها جهات مشبوهة ، ارادت ان تتحول هذه الكذبة الى حقيقة يقتنع بها الناس ولكن "يمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين.
 

* نجم الدين نجيب