المعزولون في الحوار الامريكي ـ الايراني

المعزولون في الحوار الامريكي ـ الايراني
الإثنين ٢١ أكتوبر ٢٠١٣ - ٠٨:٠٤ بتوقيت غرينتش

لاول مرة يصف البيت الابيض حواراته مع ايران في جنيف بالجادة والصريحة خاصة فيما يتعلق ببرنامج ايران النووي والذي تستعمله ايران حاليا لانهاء الحصار الاقتصادي اولا واعادتها الى الساحة الدولية كدولة فاعلة معترف بها كقوة اقليمية بعد ان اثبتت للمجتمع الدولي ان دورها في الشرق الاوسط لا يمكن ان يظل رهينا خاصة في المناطق التي استطاعت ان تخترقها كالعراق وسوريا ولبنان لارادة القوى الاخرى المنافسة.

وبهذا تكون ايران بعد جلوسها على طاولة الحوار المباشر مع الولايات المتحدة وحلفائها في الغرب قد احرزت تقدما بل نصرا لدبلوماسية لم يكتب لها النجاح الا بعد ان ارتبطت بقوة ومناورات على الارض مباشرة.

لقد اعتبر هذا النصر استفزازا لحلفاء الولايات المتحدة في المنطقة العربية وخاصة السعودية وجاراتها الخليجية بالاضافة الى "اسرائيل" والتي هي ايضا كانت تصر على مشروعية المواجهة المباشرة العسكرية مع ايران.

واتضحت بشكل صريح جبهة المعزولين عن هذا الحوار او غير المتقبلين لما سيسفرعنه من نتائج في المستقبل فكثرت تحذيرات نتنياهو في المحافل الاعلامية من خطر الانجراف وراء غزل الرئيس الايراني وطاقم المفاوضات والتشكيك بجدوى التفاوض مع الثعلب الايراني وهكذا فعلت الصحافة السعودية خاصة وان هناك شعورا قويا بان مثل هذه المفاوضات الامريكية ـ الايرانية لا بد ان تكون على حساب مصالح المنطقة العربية التي تطمح السعودية لقيادتها وحشدها خلف مشروع الهيمنة السعودية والتي بدأت تتآكل منذ فترة خاصة وانها فشلت في حل معضلات عربية كان آخرها الموقف السعودي من الثورات والتي أصرت السعودية على إخمادها إما بالتدخل العسكري المباشر او المواربة ودعم القوى المضادة للثورة.

وقد ظهرت ملامح التراجع السعودي على الساحة العربية في تقرير استطلع الرأي العربي في دول ومناطق معينة حيث انخفضت نسبة التقييم الايجابي للدور السعودي بين عام 2007 ـ 2013 فحسب استطلاع ‘بو العالمي’ انحدرت نسبة المؤيدين للسياسة السعودية ودورها في المنطقة في كل من تونس ومصر وتركيا ولبنان وبقيت نسبة المؤيدين لهذا الدور على ما هي عليه في الاردن وماليزيا واندونيسيا.

ويعزي التقرير انخفاض نسبة المؤيدين للدور السعودي بشكل ايجابي الى موضوع تدني الحريات والحقوق في السعودية نفسها مما انعكس بشكل سلبي واضح على تقييم الدور السعودي اقليميا وعالميا.

ومن هنا اتضحت الصلة بين الداخل السعودي والرأي العام الذي مسحه التقرير في بعض المناطق العربية والآسيوية حيث لا تستطيع أي دولة مهما كانت معطياتها الاقتصادية ضخمة ان تتواصل مع الرأي العالمي خاصة وهي لا تفرز نموذجا للحكم الراشد وقد أثر هذا بشكل واضح على تقييم الدور السعودي شعبيا.

أما في مساحات الدبلوماسية العالمية حيث ربما لا تؤثر مثل هذه المعايير على تعامل الدول بعضها مع بعض اذ ان المصالح وحدها تحدد مدارات التقييم والتعامل مع الدول الاخرى نجد ان عزلة السعودية رغم ثقلها الاقتصادي واهميتها الاستراتيجية والنفطية لم تحصنها من التجاوز المفاجئ الذي جمع بين ايران والولايات المتحدة على طاولة المفاوضات متجاوزا بذلك الرغبة السعودية في عزل ايران على المدى القريب والبعيد، الا ان الدبلوماسية السعودية نفسها ادت الى عزل السعودية بالاضافة الى "اسرائيل" ووضعتهما في خانة المترقب لما ستنتج عنه هذه الحوارات دون ان يكون لاي طرف القدرة على تحديد المسار او الخوض في التفاصيل.


ونستطيع ان نجزم ان السياسة السعودية الخارجية قد فشلت عندما استعدت الشعوب العربية ذاتها خاصة في مرحلة مخاضها العسير الذي بدأ منذ 3 سنوات فكان تدخلها السافر الى جانب الانظمة القديمة معيارا مهما خسرت على خلفيته القدرة على التعاطف مع الشعوب واعتقدت السعودية ان أمنها القومي يظل مرتبطا بالحفاظ على المنظومة العربية القديمة تحت حكم الديكتاتوريات السابقة وبذلت جهدها من اجل اعادة عقارب الساعة الى الخلف وهي بذلك فشلت في تقييم المرحلة الحرجة كمرحلة انتقال من منظومة فاشلة الى منظومة جديدة تستطيع ان تستوعب آمال وطموحات المجتمعات العربية فارتبط اسم السعودية بمفهوم الثورة المضادة في الوعي العربي الجديد الذي تبلور تحت ضغط عملية التغيير الشعبية التي شهدتها الساحات العربية مما أفقد السعودية سمعتها في المنطقة ونتج عنه ترد في تقييم الموقف السعودي والذي انعكس ايجابيا على القوة الاقليمية المنافسة للدور السعودي في العالم العربي.

وجاء التباعد الامريكي ـ السعودي خاصة في مصر لمصلحة ايران التي حصدت ثمرة التوجس الامريكي من الموقف السعودي على الساحة المصرية وان كان الموقف الامريكي هو نفسه متذبذبا تجاه الاحداث في مصر خلال الاشهر الماضية الا ان الاختلاف في المواقف كان واضحا رغم الميوعة الدبلوماسية الامريكية والضبابية في التعامل مع افرازات الساحة المصرية.

وبدأ التقارب في المواقف تجاه هذه الافرازات يعكس مفارقة عجيبة حيث تجتمع السعودية و"اسرائيل" في الموقف تجاه احداث مصر بالاضافة من التقارب في الموقف تجاه ابقاء ايران معزولة ومنفية من المجتمع الدولي. وكلما زاد التقارب في السياسة الخارجية السعودية والاسرائيلية لا بد أن ينعكس ذلك سلبيا على السعودية وايجابيا على "اسرائيل".

فالاولى تخسر الكثير جراء تبني سياسة تتناسق مع الموقف الاسرائيلي وتربح الثانية الكثير من توحد سياستها مع اهم الدول العربية اقتصاديا وسياسيا كالسعودية خاصة وأنها تطمح الى تطبيع كامل ليس فقط مع السعودية بل مع جاراتها الخليجية لما في ذلك من منفعة تتجاوز السياسة الى تعاون اقتصادي او عسكري او تقني في المستقبل.

وان كانت السعودية تطمح لان تلعب دورا مهما في المنطقة فعليها ان تكسر عزلتها الحالية واول خطوة بهذا الاتجاه يجب عليها اعتمادها ان تفصل بين مصالحها العربية ومصالح "اسرائيل" لما في ذلك من نتائج سلبية ستترتب على ذلك في المستقبل القريب والبعيد.

وقد تكون السعودية حاليا معزولة عن الحوار الامريكي ـ الايراني الا ان تبقى سياستها في خانة واحدة مع "اسرائيل" يشكل خطرا مستقبليا لن تستطيع السعودية ان تتجاوزه بسهولة وسيضر ذلك بموقفها دوليا خاصة على الساحة العربية بل سيؤدي الى تداعيات وخيمة على ساحتها الداخلية نفسها خاصة وان هذه الساحة اصبحت اليوم اكثر وعيا وانفتاحا وتجاوبا مع احداث المنطقة الاقليمية بشكل ملحوظ.

ولن تستطيع السعودية ان تمتص هذا الانفتاح عن طريق تبني سياسة طائفية محدودة حيث تصور صراعها مع الآخر الايراني كصراع أزلي عقدي قد يؤدي الى صراع مجتمعي خطير يفلت من اي محاولة لاحتوائه. والدول الفعالة اقليميا او عالميا عليها اولا ان تتصرف بمنطق الدولة وليس الفئة الضيقة حتى تثبت للعالم ان السياسة مصالح مشتركة وليس فئوية تعتمد على التجييش ومعاداة الآخرين على خلفية عقائدهم وانتماءاتهم الدينية.

هذا بالاضافة الى المصالحة مع المجتمع داخليا وتقبل تعدديته ورغبته في اصلاح سياسي حقيقي بعدها فقط تستطيع دولة كالسعودية فرض نفسها على الساحة الاقليمية دبلوماسيا دون الحاجة الى استعراض العضلات او شراء الولاءات باموال النفط.

فالنجم السعودي لا يمكن ان يسطع والسعودية ذاتها لا تزال متخلفة عن بقية الدول في مجالات النهضة السياسية وحقوق الانسان والتمثيل الشعبي خاصة في هذه المرحلة الجديدة من التاريخ العربي المعاصر والعزلة التي فرضت عليها مؤخرا بعد ان بدأت المفاوضات الامريكية ـ الايرانية المباشرة هي نتيجة تراكم السلبيات السعودية على المستوى الداخلي والخارجي.

وان كانت السعودية جادة في رغبتها الملحة لان يسطع نجمها على الساحة العربية ومن ثم الدولية عليها اولا واخيرا ان تبدأ من ساحتها الداخلية وان لم تفعل ذلك كضرورة ملحة ستظل هذه العزلة قائمة بل ربما ستزداد خاصة وان المؤشرات تبدو انها لا تصب في مصلحتها.

وما على النظام السعودي الا ان يخرج من عزلته ليس عن طريق تلميع الصورة والعلاقات العامة بل عن طريق نهضة سياسية داخلية لا بد لها ان تنعكس ايجابيا على سياستها الخارجية.

* د. مضاوي الرشيد/ القدس العربي