الإستراتيجية السعودية الجديدة : من “الإرهاب” إلى “الجهاد”

الإستراتيجية السعودية الجديدة : من “الإرهاب” إلى “الجهاد”
الإثنين ٢٥ نوفمبر ٢٠١٣ - ٠١:٠٨ بتوقيت غرينتش

منذ نجاح الثورة الإيرانية سنة 1979 وإلى ما قبل “الربيع العربي” سنة 2011، كانت منطقة الشرق الأوسط تعيش على صفيح صراع سياسي ساخن ذو طابع إديولوجي، يشتد حينا وينفرج أحيانا، بين المحور السعودي “الوهابي” و المحور الإيراني المقاوم.

ومعلوم أن هذا الأخير، تعرض لأبشع مؤامرة من قبل التحالف الأمريكي – الصهيوني – الوهابي، من حرب الخليج "الفارسي" الأولى التي شنها صدام حسين على إيران بتحريض من الغرب ودعم من مشيخات الخليج وبعض الدول العربية (28 دولة) ودامت 8 سنوات، إلى حصار إقتصادي أمريكي – غربي – عربي لا يزال قائما إلى اليوم، إلى تصعيد مذهبي وتحريض مسعور ضد إيران المقاومة الإسلامية تحت مسمى “الحرب على الشيعة” من خلال تكفيرهم و وصفهم بـ”المجوس” و “الرافضة”، واتهام إيران بمحاولة تصدير الثورة الإسلامية على أساس مذهبي للتمدد في المنطقة العربية.

فشلت كل الحروب الظاهرة والخفية لضرب الثورة الإيرانية وإسقاطها، لأن إيران كانت لها أولوية أخرى تتمثل في بناء مقومات القدرة من خلال المعرفة والتقدم العلمي والتكنولوجي الكفيل وحده بإنتاج “القوة المادية” المساعدة على الصمود والإنتصار، ما مكنها من الوصول إلى مستويات جد متقدمة في هذا المجال بفضل العقلية الإيرانية الجبّارة المْنتجة، والقيادة الواعية المْتبصّرة التي تعمل من خلال رؤية إستراتيجية بعيدة المدى.. يشهد على ذلك ما حققته من نجاحات في كل ميادين التنمية، وخصوصا في مجال الصناعة العسكرية المتطورة، من أسلحة تقليدية بمختلف انواعها، إلى الطائرات والبوارج والغواصات والصواريخ العابرة للحدود والقارات (تملك إيران اليوم أكثر من مليون صاروخ)، إلى التحكم في الدورة النووية الكاملة، إلى النانوتكنولوجي في مجالات الطب والزراعة والبحث العلمي، إلى غزو الفضاء بالأقمار الصناعية والرحلات العلمية الإستكشافية، إلى مجال تكنولوجيا الإتصالات والمعلوماتية في المجال المدني والعسكري…إلخ…

وبموازات هذا التقدم العلمي الكبير، كانت إيران تنسج تحالفات سياسية إستراتيجية تقوم على ثلاث ركائز: مواجهة الهيمنة الأمريكية على دول المنطقة.. محاربة الكيان الصهيوني المغتصب لأرض فلسطين باعتباره غذة سرطانية خبيثة زرعت في جسد الأمة من خلال دعم حركات المقاومة في المنطقة.. نصرة المستضعفين ضد الأنظمة الرجعية العميلة والفاسدة المستبدة.. ما مكنها من التمدّد من أفغانستان إلى لبنان مرورا بالعراق وسورية واليمن والبحرين ولبنان وغزة بل والسعودية والكويت والإمارات من خلال التواجد الشيعي الوازن بهذه المشيخات الرجعية… ولم تكن الجمهورية العربية الإسلامية تقيم تحالفاتها على أساس مذهبي أو تْفرّق في دعمها للمقاومة بين “شيعي” و “سني”، بل تعتمد خطابا جامعا يدعو إلى الوحدة الإسلامية في مواجهة المخاطر المحدقة بالأمة، وتعتبر أمريكا الشيطان الأكبر الذي يقف في وجه نهضة الأمة الإسلامية وتقدمها وانعتاقها، بسبب دعم الإمبريالية الصهيونية للديكتاتوريات العميلة الفاسدة الجاثمة على صدور الشعوب المستضعفة. بدليل أن إيران لم تحول “السنة” في إيران أو سورية أو لبنان أو غيرها من البلدان إلى “شيعة”، وظلت تحترم حقوق الأقليات وتضمن أمنهم الروحي وسلمهم الأهلي.

الحلف الصهيوأمريكي والأطلسي كان يراقب هذا التطور الكبير والمدهش في التقدم العلمي كما في التمدد السياسي بقلق متزايد، خصوصا بعد أن أدرك أن حصاره الظالم اللا شرعي واللا أخلاقي، فشل في إعاقة الجمهورية الإسلامية عن التقدم في حقول ومجالات كان يعتبرها الغرب حكرا عليه دون سواه، كما وصل إلى نتيجة حاسمة مفادها، أن النظام السعودي الرجعي فشل فشلا ذريعا في محاصرة إيران من خلال تأليب الرأي العام “السني” ضدها وتحويلها إلى عدو للعرب بدل إسرائيل التي تحولت إلى صديق وحليف لدول وازنة بالمنطقة.
حلف جديد ولد ميتا..

لكن سنة 2011، ومع انطلاق إنتفاضات الشعوب، نجحت الإدارة الأمريكية في ركوب ما سمي بـ “الثورات العربية” وإدخال محور جديد لساحة الصراع من خلال ما عرف بـ “الإسلام السياسي” الذي تولى السلطة في مصر على وجه الخصوص، ممثلا بجماعة “الإخوان المسلمين”. وكان الهدف من هذه المقاربة الإستراتيجية الجديدة، وضع المنطقة تحت قبضة الهيمنة الإديولوجية التركية باعتبارها دولة أطلسية تابعة للمعسكر الغربي من جهة، وبحكم أن رئيس الوزراء ‘طيب رجب أردوغان’ كان يتصدر الزعامة السياسية للتنظيم الدولي للإخوان المسلمين، وفي نفس الوقت يعتبر حليفا قويّا لإسرائيل من جهة أخرى. فأوعزت إدارة ‘أوباما’ لقطر بأن تكرّس كامل جهدها السياسي ودعمها المالي وعملها الإعلامي في هذا الإتجاه.

وهو ما استغلّته أمريكا وحلفائها شر إستغلال، وكانت تصبوا بذلك إلى تفكيك محور المقاومة من خلال تدمير سورية وتسليم الحكم فيها للإخوان المسلمين في أفق إعلان الحرب على حزب الله لإجتثاته من جنوب لبنان، تمهيدا لشن عدوان على إيران من خلال تحالف دولي أمريكي – أطلسي – صهيوني – عربي. وبذلك تصبح المنطقة بكاملها تحت الهيمنة الأمريكية والوصاية التركية الإسرائيلية الأطلسية.

لكن السعودية التي استشعرت في هذا الوافد الجديد (الإخوان المسلمين) خطرا محدقا يهدد دورها بل ووجودها في المنطقة، عملت على الإطاحة به في مصر من خلال إنقلاب عسكري مدروس ومموّه في شكل ثورة شعبية بالتحالف مع حركة “تمرد” (30-6-2013)، وقبل ذلك وبعده ضخ جيوش من التكفيريين الوهابيين إلى سورية لضرب الإخوان المسلمين وإفقادهم السيطرة على الأرض، وفي نفس الوقت القضاء على “الجيش الحر” حتى لا يبقى لتركيا وقطر من تواجد في الميدان.. وكانت آخر المعارك تلك التي خاضتها “داعش” ضد “جبهة النصرة” و “الجيش الحر” معا، كامتداد للصراع السعودي ضد النفوذ التركي المدعوم قطريا. وختمت صولاتها بإقامة تحالف “الجربا” للسيطرة على “المعرضة” السياسية السورية لتستعملها كورقة ضغط بديلا عن النظام القائم في سورية.

وهذا هو سبب الخلاف بين السعودية من جهة وقطر تركيا من جهة أخرى، والذي وصل حد التهديد باجتياح مشيخة قطر الصغيرة، ما دفع بإدارة الرئيس ‘أوباما’ إلى إقالة “الحمدين” وإستبدالهما بولي العهد “الشيخ تميم” خوفا من أن تخربط السعودية كل أوراق اللعبة في المنطقة.

دخول حزب الله الحرب على التكفيريين في سورية، شكل انقلابا دراماتيكيا في المشهد السوري، لأنه جاء من منطلق رؤية جيوستراتيجية لوقف المد الإرهابي التكفيري الذي كان يتربص بمحور المقاومة شرا مستطيرا خدمة لإسرائيل وتأبيدا للهيمة الأمريكية على المنطقة. فتغيرت موازين القوى على الأرض بسقوط مدينة “القصير” وما تلاها من معارك حاسمة على انتداد الجغرافية السورية، وبدأ العد العكسي للتراجع السعودي على الأرض، ما أفشل المشروع برمته.

سقط إذن ما كان يروج له تحت عنوان “الشرق الأوسط الجديد”.. خصوصا بعد سقوط المحور “الإخواني الجديد” في مصر وسورية، وسقوط خيار العدوان العسكري على سورية، وفشل السعودية في إسقاط النظام في دمشق من خلال الإرهاب، بفضل صمود وانتصارات الجيش العربي السوري مدعوما بالمقاومة الإسلامية، وقرب إعلانهما الإنتصار الكبير على الوهابية التكفيرية.

وهو ما جعل الأمريكي يعيد حساباته الخاسرة ويقبل مرغما بالإتفاق الروسي لتقسيم النفوذ في المنطقة من مدخل الكيماوي السوري، مرورا بالنووي الإيراني، وانتهاءا بالإعتراف بدور إيران المحوري وتسليمها ملف “الأمن الإقليمي”، حفاظا على مصالحه بالتشارك والتعاون مع روسيا، القطب الجديد الصاعد في المنطقة والعالم بفضل انجازات محور المقاومة في سورية والمنطقة.

لكن السعودية التي رأت في الإتفاق الروسي الأمريكي والأمريكي الإيراني خطرا كبيرا على دورها ووجودها، تحالفت مع الكيان الصهيوني، وقررت إعتماد سياسة التصعيد لخربطة أي حل سياسي يتم في المنطقة على حسابها وحساب الإسرائيلي الذي تقاطعت مصالحه مع مصالح مملكة الشر الوهابية، بعد أن بدأ يدرك أن أمريكا تركته لقدره، بعد أن خسر الحرب على حزب الله سنة 2006 وخسر الحرب على غزة سنة 2008/2009 وفقد بالتالي دوره، بحيث لم يعد يمثل القلعة المتقدمة للغرب ودراعه العسكرية القوية في الشرق الأوسط، بل أن تحول إلى عبء ثقيل ومكلف على الأمريكي سبب له في خسارة سياسية وإقتصادية ضخمة كادت تدخل الإقتصاد الأمريكي إلى غرفة الإنعاش قبل أسابيع، ولا يزال خطر الإفلاس قائما لم ينتهي بعد.
نهاية لعبة الأمم و بداية لعبة أمراء الوهابية..

عندما كتب الصحفي البريطاني ‘ديفيد هيرتس’ نهاية هذا الأسبوع في صحيفة ‘الغرديان’ مقالا بعنوان “الصراع السعودي الداخلي على السلطة يرسل بارتداداته عبر الحدود الدولية”، فإنه استند في خلاصاته على ما ذكره الكاتب والصحفي السعودي الواصل في صحيفة ‘الحياة’، ‘جمال خاشقجي’ في مقالة له بعنوان “نهاية لعبة الأمم”، وكان واضحا أنه يهاجم فيها الأمير ‘بندر بن سلطان’ و وزير الخارجية ‘سعود الفيصل’ فيما أصبح يعرف بصراع الأجنحة على خلافة الملك، الذي بدأ يطفو بشكل واضح على السطح خلال الفترة الماضية.

غير أن ما أورده الكاتب البريطاني عن صراع الأجنحة في السعودية ليس جديدا، وقد أسال هذا الموضوع مدادا كثيرا منذ أن بدأ الحديث عن تدهور صحة الملك ‘عبد الله بن عبد العزيز’. إلا أن ما جاء في مقالة “نهاية لعبة الأمم” لـ’جمال خاشقجي’ المقرب من وزير الداخلية، يوحي بأن هناك توجها سياسيا جديدا بدأ يروج له الجناح المعارض لجناح ‘بندر بن سلطان’ و ‘سعود الفيصل’، يعتمد مقاربة مختلفة عن تلك التي اعتمدها عراب الإرهاب الدولي في سورية، ونقصد بذلك إرهاب “القاعدة” الذي أثار جدلا واسعا في الشرق والغرب وبدأ الحديث عن إستراتيجية دولية لمحاربته في الفترة المقبلة يتم التوافق بشأن خطواتها العملية في مؤتمر “جنيف 2″، خصوصا بعد الإتفاق الروسي الأمريكي الأخير الذي اتخذ من محاربة الإرهاب عنوان المرحلة.. وهذا بالضبط هو ما يقلق أمراء المملكة الوهابية بمن فيهم الملك ‘عبد الله بن عبد العزيز’ المتورط شخصيا في كل ما يحصل في سورية والمنطقة.

يْفهم من مقال ‘خاشقجي’ أن هناك قرارا سعوديا سيصدر قريبا بإقالة ‘بندر بن سلطان’ و ‘سعود الفيصل’ لتحميلهما نتيجة الفشل في سورية.. والمسألة من وجهة نظر سياسية تبدو كنوع من تقديم أوراق إعتماد من قبل جناح ولي العهد وجناح وزير الداخلية للإدارة الأمريكية لخطب ودها ونيل رضاها وفق رؤية مغايرة لتلك التي فشل في تحقيق أهدافها الأمير الأزرق ‘بندر بوش’. وتْسوّق هذه الرؤية لمفهوم جديد للسلطة يأخذ بالإعتبار نوع من المشاركة الشعبية بحدود معينة، ومنهجية جديدة لتغيير الأنظمة والمنظمات المارقة في المنطقة (إيران، العراق، سورية، اليمن، لبنان)، تحت مسمى “الجهاد”، كتلك التي خبرتها أمريكا في أفغانستان وأعطت نتائج باهرة أدت إلى إنهيار الإتحاد السوفييتي سابقا، مع محاولة الكاتب تجميل وجه التدخل العنيف في سورية بوصفه وفق المقاربة الجديدة “جهادا” لا “إرهابا”، كالذي اعتمده ‘بندر بن سلطان’ من خلال دعم “القاعدة” التي انحرفت عن الصراط الوهابي المستقيم وأسائت لسمعة “الجهاد المْتعيّن”، أي الواجب على كل مسلم باعتباره فرض عين لنصرة الشعب السوري المظلوم ضد الطاغية “النصيري” ‘بشار الأسد’ وأنصاره “المجوس” الذين يقتلون أهل السنة في سورية والمنطقة.

يقول ‘جمال خاشقجي’ في مقالته “نهاية لعبة الأمم”: “رجال الاستخبارات المحليين والدوليين لم يعودوا قادرين على تغيير التاريخ ولا على إقامة الدول أو صناعة الزعماء الجدد”. هذا كلام مباشر فهم منه القراء أنه يقصد به ‘بندر بن سلطان’ كما أشار إلى ذلك ‘ديفيد هيرس’.

وختم الكاتب السعودي مقالته بالقول: “من الخطأ معاندة قوة التاريخ بوهم أن الأقوياء يستطيعون عقد الصفقات وتخطيط المستقبل بعيداً من الشعوب التي سمحت انقساماتها وقلة خبرتها بالديمقراطية في أن تعبث بها القوة المتماسكة محلياً وإقليمياً ودولياً، إلا أنها لا تزال في حال سيولة وغليان أحياناً. إنها تعرف ما تريد، ولكنها مرتبكة حياله، ولن تقبل بالتأكيد بفاتح يأتيها على حصان أبيض، يقودها نحو فجر مشرق جديد… لقد انتهى عصر الرجل الواحد”. وهذه إشارة أيضا إلى أن المقصود بـ”الفاتح” و “الرجل الواحد” هو ‘بندر بن سلطان’ الذي يسعى للإنتصار في سورية من خلال الإرهاب ليقدم نفسه للأمريكي كفارس مغوار استطاع فتح بلاد الشام، وجاء يمتطي فرسا أبيضا كـ”زعيم أوحد” لإستلام السلطة في الرياض.

لكن هذا الطرح وإن كان يمثل وجهة نظر وزير الداخلية السعودي، إلا أنه يلقى معارضة شرشة من الملك ‘عبد الله’ الذي يصر على بقاء الأمير ‘بندر بن سلطان’ على رأس المخابرات السعودية، نظرا لعالاقاته الواسعة مع المحافظين الجدد في الولايات المتحدة من جهة، وعلاقاته الحميمية مع المخابرات الصهيونية من جهة أخرى، وهو يعمل بالتنسيق معهم ضدا في سياسة إدارة الرئيس ‘باراك أوباما’. بل وصل الحد بالملك ‘عبد الله’ أن رفض مقترحا لوزير الخارجية الأمريكي ‘جون كيري’ تقدم به خلال زيارته الأخيرة للملكة يقضي بعزل الأمير ‘بندر’، خصوصا بعد أن قررت المخابرات الأمريكية عدم التعامل معه مستقبلا. لكن الملك السعودي رفض الإنصياع للنصيحة الأمريكية، ويعلق أوهاما جساما على ما يمكن أن يحققه الأمير ‘بندر’ في سورية وضد إيارن وحزب الله في المرحلة المقبلة.
مؤشرات العرقلة و التصعيد..

هذا يعني من الناحية السياسية أن المقال هو رسالة من وزير الداخلية إلى كل من يهمه الأمر، مفادها أن رئيس الإستخبارات السعودية و وزير الخارجية يتحملان نتيجة فشل سياساتهما في سورية والمنطقة، وخصوصا ضد إيران، لأن الحرب بالمحصلة هي مع إيران “المجوسية” وفق التوصيف الوهابي الجديد، ووفي هذا يتفق الجميع على من هو العدو لكنهم يختلفون في المقاربات وفي من هو مؤهل للنجاح أكثر من الآخر. وبالتالي، فلا يبدو أن الأمور ستتغير في السعودية قبل رحيل الملك ‘عبد الله’.. ويتبين ذلك من خلال أربع مؤشرات دالة:

الأول: إدانة الرياض لتفجيرات السفارة الإيرانية في لبنان من غير ذكرها بالإسم والإكتفاء بالتباكي على الضحايا المدنيين ووصف العملية الإرهابية بـ”الجبانة”. يدل على أن الجناح المعارض لـ’بندر بن سلطان’ في السعودية يريد أن ينأى بنفسه عن “الإرهاب”. وهو ما فهم منه بشكل ضمني أن ‘بندر بن سلطان’ وحده يتحمل مسؤولية “غزوة إيران” في لبنان إنطلاقا من الأردن وفق ما تشير العديد من المعطيات.. هذا لعب من وراء ظهر الملك العجوز.

الثاني: إنقلاب الملك ‘عبد الله بن عبد العزيز’ على الرئيس ‘بوتين’ وإعلان الرياض رسميا عدم موافقتها على التسوية السياسية في سورية من خلال مؤتمر “جنيف 2″ إلا بشرط رحيل الأسد. ويتماها مع الموقف السعودي هذا، دعوة “الجربا” الأمين العام للأمم المتحدة لتأجيل تاريخ عقد المؤتمر إلى وقت غير معلوم، وذلك بغية الحصول على توافقات دولية أوسع، حول محددات جنيف -2، والغاية منه، والقرارات التي من الممكن أن تصدر عنه، وآليه تنفيذها. كما رفض ‘الجربا’ الذهاب إلى موسكو بدعوة من وزير الخارجية ‘لافروف’ لمناقشة المرحلة المقبلة في سورية مع ممثلي النظام في دمشق، حيث برر رفضه هذا، بأنه لم يستلم دعوة من الرئيس ‘بوتين’.. بمعنى أنه اليوم أصبح يعتبر نفسه رئيسا لدولة وهمية عظمى، ولا يقبل بالجلوس إلا إلى طاولة ‘بوتين’ أو ‘أوباما’.

الثالث: نجاح ‘بندر ين سلطان’ في توحيد أكبر الفصائل المقاتلة في سوريا في إطار جيش إسلامي موحد، حيث ذكرت “تنسيقية أحرار حمص والحولة” أن مجاهدي الشام قد قرروا الإنصهار في أضخم جيش إسلامي في سوريا. ويضم الجيش الإسلامي الجديد “حركة أحرار الشام الإسلامية، وجيش الإسلام المؤلف من حوالي 60 فصيلاً عسكريًا، ولواء التوحيد، وألوية صقور الشام، وعدد كبير من الفصائل الأخرى”.

وأكد الشيخ عبد الرحمن النصار، صاحب حملة “دعم أبطال الشام وأبطال دماج ضد المجوس″ نبأ اتحاد أكبر الفصائل العسكرية .. تحت اسم “الجبهة الإسلامية”، موضحًا أن هذه الفصائل هي (أحرار الشام – صقور الشام – لواء التوحيد – لواءالحق – جيش الإسلام – أنصار الشام) لمواجهة الجيش العربي السوري والقاعدة معا، لتقديم أنفسهم باعتبارهم “مجاهدين” لا “إرهابيين”.

وواضح أن السعودية من خلال هذه الإستراتيجية الجديدة تريد إسقاط ما نجح الرئيس ‘بشار الأسد’ في تسويقه للعالم من أن الحرب في سورية هي حرب على “الإرهاب”، لتسوق إلى عنوان جديد يقول أن الحرب في سورية هي حرب “مجاهدين سنة” ضد “الإحتلال الشيعي” ولإسقاط ديكتاتور دموي “نصيري” يقتل أهل السنة في سورية.. هذا عنوان مْضلّل لحرب أهلية مفتعلة.

وفي هذا الإطار، تفيد معلومات استخباراتية أن السعودية تعتزم إطلاق حملة عربية ودولية لتجييش الجهاديين للقتال في سورية تحت مسمى “الجهاد” بعيدا عن مضلة القاعدة وأخواتها باعتبار أن ما تقوم به هذه المجموعات الأخيرة يعتبر إرهابا، وهي محاولة من المملكة للنأي بنفسها من نار الحرب على الإرهاب التي اتفق الروسي والأمريكي على أن تكون عنوان المرحلة المقبلة، والقول أن ما تقوم به السعودية في سورية هو “جهاد شرعي” متحكم فيه وليس له إرتدادات بعدية على المنطقة والعالم مثل الإرهاب. ويبدو أن فرنسا وإسرائيل تدعمان بقوة هذا التوجه الجديد.
الرابع: قرار مملكة الشر الوهابية إنشاء جيش من 250 ألف مقاتل “مجاهد” لإسقاط النظام في سورية وحزب الله في لبنان ومواجهة إيران، ما سيساهم في تخفيض البطالة بين الشباب في مصر والعالم العربي بعد أن استبدلت باكستان بأرض الكنانة واختير الأردن ليكون مقرا لتدريب “جيش محمد بن عبد الوهاب” الجديد. بالإضافة إلى تمويل جماعات متطرفة في باكستان لزعزة الإستقرار في إيران، ما دفع بطهران إلى إعتماد مشروع ضخم لبناء جدار أمني على طول حدودها مع باكستان وتجهيزه بمجسات إلكترونية ومواقع مراقبة متقدمة.

الخامس: تهديد السعودية وإسرائيل بشن عدوان ضد المفاعلات النووية الإيرانية في حال فشلت أمريكا والغرب في وقف النشاط النووي الإيراني في إجتماعات جنيف، وهذا معناه أن الإتفاق إذا لم يتضمن شرط وقف أنشطة التخصيب في إيران فإن الحرب هي من ستتكفل بذلك. هذا أمر لم يعد سرّيّا، والتحالف السعودي الإسرائيلي أصبح علنيا، وكل الإستعدادات العسكرية قد تمت بالتنسيق بين الجانبين لإنجاز هذه المهمة القذرة، على أن تقوم فرنسا بإفشال إتفاق جنيف، ويبدو أن بريطانيا بدورها انضمت اليوم السبت لهذا الخيار، ما عقد الأمور وأصبح يهدد المحادثات بالإنهيارـ وفي حال عدم تدخل الأمريكي لحسم الأمر فقد تتطور الأمور لإنفجار في المنطقة لا يعلم أحد إلى أين ستصل نيرانه.
من ‘الإرهاب’ إلى ‘الجهاد’..

وما يؤكد ما ذهبنا إليه بالتحليل، هو ما نشرته اليوم السبت، صحيفة ‘الحياة’ السعودية عن الموضوع، حيث كتب الصحفي السعودي ‘جمال ‘خاشقجي’ تحت عنوان: ” لا بد من عنوان آخر و أمن للراغبين بالجهاد في سورية”. والمقال في مجمله هو عبارة عن محاولة استباقية من قبل جناح ولي العهد و وزير الداخلية بدعم من الملك شخصيا، لتقديم رؤية إستراتيجية لقلب موازين القوى في سورية والمنطقة من خلال إستبدال “الإرهاب” بمقاربة جديدة تعتمد “الجهاد” بضمانات توفر الأمن للراغبين باللقتال في سورية حتى لا يتم التعامل معهم كإرهابيين، وهو ما يعني، استدعاء التجربة الأفغانية زمن الإحتلال السوفياتي بحذافيرها، لأن المملكة تعتبر سورية محتلة اليوم من قبل إيران وحلفائها الشيعة كما سبق القول.

لن نخوض هنا في المبررات الدينية التي أشار إلى بعضها الكاتب في مقاله، ولا الأسباب الثقافية والإجتماعية والإقتصادية التي تدفع بشباب في عمر الورود إلى الإنخراط في ما يسمى بـ”الجهاد” ضد المسلمين في سورية بدل الجهاد ضد الكيان الصهيوني المغتصب في فلسطين.. ولا لماذا تعتبر الإديولوجية الوهابية التكفيرية المسلمين في إيران “مجوس”، والمقاومة الإسلامية في سورية إحتلال، فتلغي بذلك دين محمد بن عبد الله لفائدة دين محمد بن عبد الوهاب الذي ما أنزل الله به من سلطان، لأن الوهابية تلغي التاريخ الإسلامي وكل المذاهب السنية التي عرفها المسلمون، وتعترف فقط بدين ‘محمد بن عبد الوهاب’ بديلا عن كل الأديان والمذاهب والمدارس الإسلامية القديمة والحديثة والتي معظم مؤسسيها كانو من الفرس لا من العرب.. فهل يعقل أن نكفرهم ونعتبرهم مجوسا؟… نستغفر الله العظيم من هذا الجهل الذي ما بعده جهل.

و وفق ‘الخشقجي’، فإن “هذا المشروع الضخم والطموح لا يتطلب الإعلان عنه، ولا يحتاج إلى تمويل (بقصد تمويل رسمي حكومي)، فهو قادر على تمويل نفسه (من قبل أمراء الوهابية)، وتكفي رعايته من بعد (من قبل المخابرات السعودية والصهيونية والأردنية والفرنسية وغيرها) وغضّ الطرف عنه (من قبل أمريكا والحكومات الغربية والعربية)، ثم مراقبته مثلما فعلنا في أفغانستان، ولا يقولن أحد هذه «أفغنة» لسورية، فـ «الأفغنة» حصلت وقطعت شوطاً بعيداً فيها.. نعم إنها فكرة مجنونة، ولكن: أليس كل ما يحصل في سورية مجنون؟”.. هكذا تفكر الوهابية التكفيرية الجديدة في السعودية.

وعليه، فمن الواضح اليوم أن المنطقة ستدخل في أثون فتنة مذهبية طاحنة قد لا تبقى ولا تذر، وتهدد بإحراق الشرق الأوسط، وتفتيت المسلمين، والقضاء على ما تبقى من الإسلام السمح الجميل الذي لا زال ينبض في قلوب المؤمنين فينير عقول المتنورين من الأمة، وهذا لعمري هو الهدف الأساس من التحالف الصهيوني – الوهابي – الفرنسي الجديد، بعد أن قررت أمريكا النأي بنفسها عن مشاكل المنطقة وصراعاتها الدائمة التي لا تنتهي. عملا بمقولة “ليذبح العرب والمسلمون بعضهم بعضا”.
سيناريوهات المرحلة المقبلة..

وأمام هذا الواقع المظلم الذي يطل برأسه على الشعوب العربية والإسلامية، هناك ثلاث سيناريوهات لا رابع لهما بالنسبة للمرحلة المقبلة:

الأول: أن تقوم الإدارة الأمريكية في إطار الإتفاق الذي تم مع الروسي، بإيقاف مملكة الشر الوهابية عند حدودها لما تمثله مثل هذه المغامرة الطائشة من مخاطر على الأمن القومي الأمريكي والعالمي، السياسي والإقتصادي والسلم المجتمعي، فتْجري تغييرات جوهرية على النظام، بحيث تستبدل كل الوجوه الكالحة، وتغير إسم الدولة، وتفك الإرتباط بين الديني والسياسي، وتمكن الشعب السعودي وشعوب الخليج من المشاركة السياسية الديمقراطية التي تعيد لهم السيادة والإرادة لتقرير مصيرهم ومستقبل عيالهم، وذلك في إطار إستراتيجية الحرب على الإرهاب التي تعني تجفيف منابعه والقضاء على داعميه ومموليه ومغذيه بالفكر التكفيري المتطرف. ومسرح هذه الحرب هي السعودية حصريا باعتبارها معقل هذا الفكر الوهابي التكفيري الإرهابي.

الثاني: في حال تركت أمريكا المنطقة لقدرها وفضلت عدم التدخل للجم السعودية، الإستعداد لمواجهة الفتنة المذهبية الوهابية ضد المسلمين من قبل كل الأحرار، لأن السنة براء مما يروج له هذا المعتقد التكفيري الظلامي، والذي في حال نجاحه في مشروعه الجديد، فيشعل المنطقة برمتها، ويأدي إلى حرب ضروس لن تبقي لمملكة الشر الوهابية وحلفائها من وجود ولا لوحدة المسلمين من أمل. وهذا شر مستطير لا قبل لأحد بتداعياته الكارثية على الأمة وعلى العالم أجمع. لكن هذا أمر يكاد يكون مستحيلا بسبب الجهل المتفشي في العقول وحملات التضليل الإعلامية التي تقوم بها قنوات الزيت الخليجية لغسل أدمغة الشباب التي لم تصل بعد طور النضوج للتفكير بمنطق وعقلانية.

الثالث، أن يْفشل محور المقاومة هذا المخطط الجهنمي الخطير بإعلان الحرب على إسرائيل لإقتلاعها من جذورها وتحرير فلسطين، ما سيخلط الأوراق في المنطقة ويحول بوصلة الجهاد الوجهة الصحيحة التي يجب أن يسلكها، وبذلك يفشل التحالف الصهيو – وهابي في تحقيق أهدافه الخبيثة، ما سيشعل ثورة شعبية عارمة في السعودية ومشيخات الخليج الرجعية العميلة للصهيوني والمتآمرة على الأمة، ويْرغم أمريكا والغرب بالتدخل لوقف الحرب وإجراء تغييرات جذرية تعيد رسم خرائط المنطقة من جديد بعد أن سقطت حدود ‘سايس بيكو’ القديمة، وأصبحت خطوط التماس متداخلية بين دول المنطقة بشكل يستحيل معه ضبطها.

وإذا كانت المؤامرات والدسائس السعودية تحاك ضد الأمة في الماضي داخل الدهاليز المظلمة ويلفها الكتمان الشديد، فإن الواقع قد تغير اليوم، وأصبحت المجاهرة بها أمرا عاديا يتم في وضح النهار من خلال التصريحات الكاشفة والمقالات الفاضحة، ما يتوجب التصدي له والتركيز على خطورة أهدافه وأبعاده الكارثية من قبل كل شرفاء هذه الأمة، كل بالوسيلة التي يْتقنها، ليكون شاهدا على عصره وأمته قبل أن يْشهد الله عليه الناس والملائكة يوم القيامة.

يمكرون و يمكر الله و الله خير الماكرين…
* أحمد الشرقاوي - بانوراما الشرق الاوسط