التكفير أسوأ من الكفر

التكفير أسوأ من الكفر
السبت ٠٨ فبراير ٢٠١٤ - ٠٦:١٩ بتوقيت غرينتش

يحارب التكفيريون "حزب الله" في عقر داره عبر عمليات انتحارية تستهدف البيئة الحاضنة له. هذا ولا يبدو ان خطر هؤلاء الذي ضرب، حتى الآن، في الضاحية والهرمل الى تراجع أو انحسار.

واذا كان استهداف التكفيريين ما زال مقتصراً على أماكن وجود الحزب ونفوذه، فإن لبنان برمته مرشح للاستهداف من قبل جماعات تنظيم "القاعدة" وأخواته من "النصرة" و"داعش" و"كتائب عزام".. فالتحذير من الخطر التكفيري الزاحف الى لبنان، لا يندرج في سياق المبالغة أوالتهويل بل هو حكم تفرضه التجربة التكفيرية المستمدة من واقعيات حية ووقائع مشهودة.
ولعل أخطر ما في الفعل التكفيري عبثيته في التخطيط وعدم تمييزه بين الأداة والغاية. فالقتل بما هو وسيلة لدى الآخرين هو عندهم "طقس مقدس"، على خلفية "اصدع بما أمرت" في اجراء الحدود الشرعية وتطبيق القصاص. العبثية هنا تعني الاصرار على الفعل الارهابي بمعزل عن نتائجه والتحول الى هدفية القتل على الطريقة العراقية والسورية والأفغانية. في العراق، الذي خرجت اميركا منه، ما زال "المجاهدون" المقاومون للاحتلال يقتلون الناس في الاسواق والمساجد. أيضا "الثوار" العاملون في سوريا على اسقاط النظام، بات التقاتل بينهم وقتلهم الناس هما الحدث الطاغي على المشهد. ولا يمنع انشغال مجاهدي "طالبان" في افغانستان بمواجهة الاحتلال الاميركي من إقامتهم "الحد" على رجل حليق اللحية أو امرأة خرجت من بيتها من دون محرمها.
يتسع الارهاب التكفيري باستهدافاته على طريقة انتشار بقعة الزيت. المعركة المفتوحة، التي يخوضها التكفيريون، ضد "حزب الله" وبيئته الحاضنة تضع لبنان برمته أمام افق مفتوح ومضاعف من المخاطر. الفعل التكفيري في بلاد الأرز، لن يتأخر قبل أن يكون له ايقاعه اللبناني الخاص المنفصل عن ايقاع الأزمة السورية والمتصل بها، في آن واحد، هذا مع غض النظر عن مآلات هذه الأزمة. عندها، سيتحول هذا الفعل الى خطر دائم ومقيم على أساس القتل دونما تمييز في الاستهداف بين "رافضي كافر" أو سني "فاسق" أو "صليبي مشرك".

ولعل ليس من المبالغة القول ان "حزب الله"، على المديين المتوسط والبعيد، سيكون أقل المتضررين من تغلغل الجماعات التكفيرية الى الداخل اللبناني، ذلك ان الحزب بما لديه من امكانات أمنية وخبرات سيستطيع الحد من الخطر التكفيري على ناسه وأماكن وجوده. في المقابل، لا شيء يضمن عدم انكشاف المناطق الاخرى أمام هذه الجماعات رغم ما يمتلكه الجيش من مصداقية في مواجهتها وفعالية في الحد من مخاطرها.
خصوم الحزب في لبنان اتخذوا من التواجد التكفيري رافعة لمشروعهم السياسي الآخذ في الانحدار. هؤلاء، بادروا في البداية الى لعب دور المحامي عن تنظيم "القاعدة" بنفي أن يكون متواجداً في لبنان. ثم هم أنفسهم اليوم ينظرون بطريقة مضمرة للنشاط التكفيري في الداخل اللبناني عبر خلق بيئة تبريرية لهذا الفعل من خلال وضعه في سياق ردة الفعل على تدخل "حزب الله" العسكري في سوريا. وبالتالي، اظهار القتل التكفيري خارج عبثيته وربطه وظيفيا في اطار الضغط على الحزب لاجباره على الانسحاب من سوريا.
يعلم الجميع ان الفعل الانتحاري الذي يستهدف جمهور المقاومة ليس سوى فعل كيدي لن يؤدي الى مكاسب أو منجزات يحققها الفاعلون، كما لن يدفع حزب المقاومة الى مراجعة خياراته في سوريا أو غيرها. وفي كل الأحوال لن يؤدي ذلك الى الاخلال بالتوازنات القائمة في لبنان أو الى تغيير مجريات المعركة في سوريا.
التكفير أسوأ من الكفر نفسه. والذين يبررون للفعل التكفيري ممارساته، هم على شفا حفرة من التكفير.

حبيب فياض - السفير