سوريا بوابة النظام العالمي الجديد!

سوريا بوابة النظام العالمي الجديد!
الإثنين ١٤ أبريل ٢٠١٤ - ٠٦:١٠ بتوقيت غرينتش

منذ انهيار الاتحاد السوفييتي، تحاول أمريكا إعادة تركيب النظام العالمي على نحو تحفظ فيه هيمنتها على العالم وتطيل عمر امبراطوريتها، على رغم إصابتها بالشيخوخة الباكرة على يد ‘أبناء ديرتنا ‘ …. !

وفي هذا السياق، لجأت في العقد الماضي إلى السيطرة مباشرةً على منابع النفط والغاز في العالم العربي، وسعت إلى إنهاء الأزمات فيه عبر واجهة وعنوان ‘عملية السلام ‘ وأعادت تركيب أوروبا الشرقية بما يضمن وصول الأطلسي إلى بوابات موسكو كما حلمت!

ـ مع إطلالة الألفية الجديدة، بدا أنّ محاولاتها لم تؤتِ أكلَها. قوى كثيرة منافسة لها ظهرت على الساحة الدولية تريد أن تحجز لنفسها دوراً في صناعة مستقبل العالم: الصين، الهند، البرازيل، روسيا، فنزويلا، الجمهورية الاسلامية الايرانية ، قوى غير مصنفة دولا مثل حزب الله اللبناني.

ـ زاد الطين بلّة سقوط الأنظمة الحليفة في أمريكا اللاتينية ‘الحديقة الخلفية’ لأمريكا وارتفاع أسعار النفط والارتدادات السلبية للعولمة ما اجبر الغرب العودة الى السياسات الحمائية .
ـ كانت أحداث 11 أيلول/ سبتمبر، ومعها المحاولة الجديدة لتعزيز الهيمنة، عبر إطاحة الأنظمة ‘المارقة’ في المنطقة، سوريا وإيران والعراق، ومحاولة نقل أنظمتها من ضفة إلى أخرى، و’غربنة’ سائر الدول الحليفة في المنطقة أكثر فأكثر.

ـ أطيح بنظام صدام عام 2003، ومعه بدأت المعركة الكونية التي لا نزال نشهد فصولها، أدواتها العسكر والمنظمات غير الحكومية والحروب الناعمة والضغوط الاقتصادية وكل اشكال الحروب النفسية والاستخبارية التقليدية والمتجددة .

ـ خسرت واشنطن حروبها الخاصة كلّها بإعادة إحياء الامبراطورية الأمريكية وإنقاذها من شيخوختها المبكرة في زمن بوش الابن من افغانستان الى ليلة سوريا والتي كانت آخر محطاتها ليلة الثالث من ايلول/ سبتمبر الماضي اي ليلة اضطرار تجرع اوباما لكأس السم عندما اجبر على التراجع عن العدوان على سوريا.

ـ لجأ أوباما الى أسلوب جديد، غزل لإيران باعتبارها نظاماً إقليمياً ‘جدّياً’ غير انتحاريّ، ويفكر على نحو براغماتي أو عملاني ويفكر استراتيجيا بطريقة الربح والخسارة ولذلك لجأ الى خيار الحوار معنا ، مثلما يصف ساكن البيت الأبيض ايران في مقابلته الشهيرة مع مجلة ‘ذي اتلانتيك’ في مقابلة قبل اسابيع ، ورعاية ‘ثورات عربية’ كانت قد اجتاحت المنطقة، فاذا به في نهاية المطاف يقف على أبواب سوريا وتحديداً عند عرين الأسد جاثيا على ركبتيه ويضطر لقبول بقاء الاسد على المسرح الدولي لاعبا مفروضا كما ابلغ سلطات الرياض وعمان وعددا من العواصم التي اما زارها او ارسل مبعوثين اليها لهذا الغرض ….!

ـ اتّضح سريعاً لكلّ من يعنيه الأمر في العالم أن ما يحصل ليس انتفاضات شعوب إنما استعادة لأهداف بوش بالإمساك بالمنطقة ولكن بأساليب جديدة قد يكون من بينها استعادة هيبة واشنطن وانتزاع ما لم تحصل عليه واشنطن بالحرب عبر نافذة السياسة ….!

ـ في هذه الاثناء كانت سرعان ما تحوّلت سوريا إلى ميدان اختبار تسعى فيه القوى العالمية الجديدة إلى تكريس موقع لها على الساحة الدولية، انطلاقاً من سقف كانت دمشق هي من تحدّده باستمرار، تتقدّمها روسيا.

ـ هذه القوى التي أدركت عجز أمريكا عن خوض معارك كبرى، ونزعتها إلى الانكفاء التي تجعلها تسرع الخطوات لترتيب أوضاعها في بؤر التوتر في العالم، خصوصاً مع الاكتشافات النفطية في الداخل الأمريكي التي غيّرت أولويات واشنطن. ومع انتقال الاهتمام إلى الشرق الأقصى حيث الحرب اقتصادية لا عسكرية، كانت خطواتها الثلاث:

1 ـ الانكفاء وإعادة تموضع القوات والصعود إلى السفن بعد خسارة ثلاث معارك أساسية معنا في البرّ عام 2000، والجوّ عام 2006، والبحر عام 2013، يوم أُكره أوباما بعد فشله الذريع في اختراق عرين الأسد وضرب بواباته أن يتجرّع كأس السم الأخطر في حياته ليلة الثالث من أيلول/سبتمبر الفائت.

2 ـ الشروع في حروب الفتن المتنقلة بالوكالة من خلال تحويل سوريا إلى منطقة نفايات ‘القاعدة’ وأرض تجارب للصراع مع القوى الدولية والإقليمية المزاحمة والمنافسة.

3 ـ تقليص وحدات الجيش الأميركي إلى ما قبل الحرب العالمية الثانية لعدم الحاجة إليه في مناطق انتشار النفوذ. وتحوّل الدول التابعة إلى مشغّلين وخدم وأُجَراء للسياسات الأمريكية، يدفعون هم الثمن لأسيادهم كي يستعبدوهم.

ـ وهكذا ظلّت سوريا عقدة شدّ الحبال بين قوى صاعدة واخرى آفلة ، تُشَنّ عليها حروب بالوكالة بين الدول الكبرى، أمريكا وروسيا من جهة، وصراع بين مشروعين أحدهما يجعل ‘إسرائيل’ العدو والآخر يضع إيران العدو. حرب لو انتصرت فيها أمريكا لظهرت بمثابة الزعيم العالمي الأوحد، وذاك ما لم ولن يحصل.

وآخر يشدد كما كان دوما بان اسرائيل هي العدو وهذا هو الذي بدأ رحلة النصر عمليا مذ هزم المشروع الامريكي على سوريا وهو ما سيكرس روسيا وإيران قوتين موازيتين لامريكا لهما مناطق نفوذهما، وحق النقض على مستوى العالم، وبداية ظهور تعدّدية قطبية بعد حرب عالمية باردة جديدة بين موسكو وواشنطن لن يكون المنتصر فيها إلاّ مَنْ تحالف مع المشهد الدمشقي المشهور، الذي أطلّ يوماً من قصر الشعب السوري ولسان حاله يقول: الشام خطّنا الأحمر ومعراجنا إلى السماء.

ـ ما حصل في أوكرانيا خير دليل اذ ارادت واشنطن منه ما يلي :
1 ـ الاقتراب من قلب القيصر الطامح بالرصاص الحيّ.
2 ـ الاحتواء المزدوج لكل من روسيا وأوروبا.
3 ـ استخدام أوكرانيا ورقة للمقايضة مع سوريا.

لكن ذلك القرار المستعجل وغير المدروس والمتخبط جعل روسيا هي من تقدم هذه المرة على تغيير خريطة اوروبا بدلا من الغرب كما كان حصل في يوغسلافيا السابقة وابرز معالم هذا الحدث ولادة دولة القرم بشهادة ميلاد سورية …. بعد معارك القلمون الكبرى تحديدا ….!
وهكذا أضحت سوريا هي الولادة التي من مخاضها سيتبلور نظام عالميّ جديد كما يعتقد الكثير من الخبراء والمحللين، مطبوعٌ بعبق ياسمين الشام !

* محمد صادق الحسيني/ القدس العربي