أردوغان و"الكيميائي"... وما بينهما

أردوغان و
الثلاثاء ١٥ أبريل ٢٠١٤ - ٠٧:٣٩ بتوقيت غرينتش

ارتبط اسم العديد من القادة العراقيين السابقين في عهد صدام بصفة "الكيميائي"، ولا سيما وزير الدفاع "حسين الكيميائي" الذي استخدم السلاح الكيميائي ضد المعارضين، من أكراد وشيعة.

بعد مقالة سايمور هيرش الأخيرة حول مجزرة الغوطة الكيميائية في صحيفة " لندن ريفيو اوف بوكس" الانكليزية، بعنوان "الخط الأحمر والخط السري"، واتهامه رئيس الحكومة التركية رجب طيب اردوغان بالتورط فيها، بدأت تعلو أصوات وكتابات مشيرة، أو محذرة، من أن تكون هناك محاولات لربط اسم اردوغان بصفة "الكيميائي". لكن ما هي ملابسات هذا الموضوع، وأبعاد إثارته الآن، وتأثيراته في اردوغان وفي تركيا عموما؟

تطرح مسألة اتهام أنقرة بالتورط في مجزرة الغوطة الكيميائية علاقة تركيا:
أولا، بسوريا والأزمة السورية، حيث ان الخط الدائم للسياسة التركية تجاه دمشق هو العداء المطلق للنظام، ولكل من يسانده في الداخل والخارج. والهدف التركي منذ بداية الأزمة هو إسقاط النظام بأي طريقة، سلمية أو عسكرية.

وفي هذا الصدد سخرت كل إمكانياتها وطاقاتها السياسية والعسكرية لدعم المعارضة من خلال إنشاء هياكل سياسية وعسكرية للمعارضة، وفتح أراضيها لكل المسلحين من كل العالم، وإدخالهم إلى سوريا.

ثانيا، بتنظيم "القاعدة"، حيث ان تركيا تساند كل فصيل معارض، ولا تستغني عنه تحت أي ظرف ما دام يحارب النظام من جهة وقوات "حزب الاتحاد الديموقراطي" الكردي في منطقة شمال سوريا من جهة أخرى. وكل الدلائل كانت تشير إلى دعم تركي لفصيلي "القاعدة"، وهما "جبهة النصرة" و"الدولة الإسلامية في العراق والشام" (داعش).

ثالثا، بغاز السارين الذي استخدم في "مجزرة" الغوطة في 21 آب العام 2013. إذ ان القضاء التركي كان أوقف مجموعة من الأشخاص، وعلى رأسهم السوري هيثم القصاب و11 شخصا من التابعية التركية في مدينة أضنة وبحوزتهم كيلوغرامان من غاز السارين المحظور.
وفي 16 أيلول، أكد المدعي العام لأضنة في مطالعته الاتهامية، المؤلفة من 130 صفحة، أن الموقوفين كانوا ينتمون إلى "النصرة". ولدى بدء المحاكمة، نهاية تشرين الأول العام 2013، كان الجميع باستثناء القصاب قد أطلق سراحهم. لكن ضغوط الحكومة التركية أدت إلى إطلاق سراح القصاب فور انتهاء الجلسة الأولى، على اعتبار انه ليس مواطنا تركيا ولم يرتكب أي جرم على الأراضي التركية!.
ودائما كان المسؤولون الأتراك يكررون أن "جبهة النصرة" ليست ارهابية كما تنظيم "داعش"، بل هما نتاج سياسات النظام السوري المسؤول الأول عن العنف.
اتهامات هيرش لأردوغان طرحت تساؤلات كثيرة، أهمها عن الأدلة التي استند اليها، وتوقيت اطلاق هذه التهم.

مصداقية هيرش السابقة في تحقيقاته الكثيرة، والتي نال عليها جائزة "بوليتزر" العالمية، تدفع الى التوقف بجدية كبيرة عند مقالته الأخيرة عن "مجزرة" الغوطة، لكن من دون أن تحسم الخيط الأبيض من الخيط الأسود، قبل ظهور دلائل أخرى، عبر تحقيق رسمي او دولي. غير ان التفاصيل الدقيقة جدا التي نقلها عن وقائع الاجتماع السداسي بين الرئيس الأميركي باراك اوباما ووزير خارجيته جون كيري والمستشار السابق للأمن القومي طوم دونيلون مع اردوغان ووزير الخارجية احمد داود اوغلو ورئيس الاستخبارات حقان فيدان، لا تترك مجالا للشك في ان مصدر الخبر هو من داخل البيت الأبيض، عبر مسؤول استخبارات نقل عنه هيرش المقالة.

وجاء اتهام هيرش اردوغان بارتكاب "المجزرة"، لتوريط واشنطن وضرب النظام السوري لإنقاذ الفشل التركي في سوريا، مباشرة بعد وقت قليل على إفشاء محضر الاجتماع السري الرباعي في وزارة الخارجية التركية، أواخر آذار الماضي، بين داود اوغلو وفيدان والمدير العام للخارجية ومسؤول في رئاسة أركان الجيش، والذي تبين خلاله ان فيدان اقترح ارسال 4 اشخاص الى سوريا يطلقون منها ثمانية صواريخ على الأراضي التركية، فتتخذه أنقرة ذريعة لضرب سوريا بحجة حماية قبر سليمان شاه جد عثمان مؤسس الدولة العثمانية.

هذا التزامن التقريبي بين اجتماع أنقرة ومقالة هيرش يعكس ثابتة في السياسة الخارجية التركية، وهي فبركة وقائع واختلاق ذرائع، وبالتالي جعل اتهامات هيرش ذات جدية عالية.
وهنا اذا كان "إخبار" هيرش صحيحا، فهو يطرح تداعيات خطيرة جدا، ليس أقلها دعوى لسَوق اردوغان الى المحكمة الدولية في لاهاي بتهمة ارتكاب جريمة ضد الانسانية، وجعل اي هجوم جديد بالاسلحة الكيميائية في سوريا موضع شكوك، وليس دافعا لشن حرب على دمشق.

وترى اوساط صحافية تركية ان الولايات المتحدة، منذ ان اكتشفت التورط التركي، بدأت مباشرة بعدها التخطيط لإسقاط اردوغان، لأنه كاد يورطها في حرب لا تعرف نتائجها الخطيرة على الغرب وامن "اسرائيل"، وكل ذلك من أجل تحقيق منافع شخصية لأردوغان تتمثل بالتخلص من الرئيس السوري بشار الأسد شخصيا. 

وفي هذا الاطار اندرج التوتر الأميركي - التركي في الشهور الأخيرة، حيث نصبت واشنطن لأردوغان الكثير من الأفخاخ، بالتعاون مع جماعة فتح الله غولين، ومنها فضيحة الفساد، وحيث كانت واشنطن تأمل بتراجع شعبية أردوغان في الانتخابات البلدية. غير ان انتصار اردوغان في هذه الانتخابات خيب آمال واشنطن، فاستأنفت الحرب النفسية عليه من خلال تجديد السفير الأميركي في أنقرة فرنسيس ريكارديوني اتهام تركيا بفتح حدودها لإرهابيي "القاعدة"، ثم من خلال مقالة هيرش واتهام اردوغان بـ"مجزرة" الغوطة.

أما إذا كان اتهام هيرش غير صحيح، فإنه كتب بدافع جهات عليا في الإدارة الأميركية لتركيب ملف لأردوغان يهدف إلى الاستمرار في محاولات إضعافه، وإبعاد تركيا عن ان يكون لها اي دور في رسم خرائط الشرق الأوسط، وليس فقط عن سوريا، وهو ما تذهب اليه الباحثة التركية دينيز أولكه آري بوغان، المقربة من اردوغان، وهي رغبة موجودة أيضا لدى السعودية وبعض دول الخليج (الفارسي) ومصر.

ويدرج هؤلاء أيضا مقالة روبرت فيسك الأخيرة في صحيفة "الاندبندنت" في اطار المحاولات الأميركية لمزيد من عزل اردوغان، وتشويه صورته، اذ وصف فيسك اردوغان بأنه ديكتاتور صغير، تماما مثل صدام حسين، وأن مسلحي "جبهة النصرة"، الذين سيطروا على كسب وعلى المعبر الحدودي مع تركيا لم يأتوا من الأردن والعراق بل من تركيا. وتنقل صحيفة "جمهورييت"، المعارضة لأردوغان، عن أوساط في "حزب العدالة والتنمية" غضبه من ربط اسمه بصدام حسين الذي يفتح على صفتين: السلاح الكيميائي، والديكتاتورية.

وترى أوساط "العدالة والتنمية" أن فتح الملف الأرمني لتركيا، سواء في الكونغرس الأميركي أو الدعوة لتحقيقات حول تدخل أنقرة في معارك كسب وتهجير الأرمن منها في هذا الوقت بالذات، مرتبط بالحملة الأميركية والغربية للتخلص من اردوغان، بعدما بات عبئا على الغرب وسياساته، وعاجزا عن أن يكون مفيدا لها بسبب العزلة التي باتت تركيا فيها.
لا يبدو أن مسألة اتهام اردوغان بالتورط بـ"مجزرة" الغوطة الكيميائية ستنتهي هنا، إذ ان "حزب الشعب الجمهوري" تقدم باستجواب للحكومة أمام البرلمان، انطلاقا من مقالة هيرش، ومن التحقيقات السابقة بضبط غاز السارين في أضنة.

وجاء في الاستجواب، الذي قدمه نائب رئيس الحزب فاروق لوغ اوغلو، انه إذا كانت اتهامات هيرش غير صحيحة، فهل تملك الحكومة دلائل على من ارتكب "مجزرة" الغوطة، وما هي هذه الدلائل؟.

أما النائب عن الحزب نفسه خورشيد غونيش، والذي تابع ملف غاز السارين في اضنة منذ بدايتها، فوصف اتهامات هيرش بأنها خطيرة جدا. وقال إن "على تركيا أن تنسحب بالكامل من المستنقع السوري، وانه إذا لم تثبت الحكومة بالأدلة الدامغة عدم صحة اتهامات هيرش حول تورط اردوغان بمجزرة الغوطة، فإن الشبهات ستتواصل".

*محمد نور الدين - السفير