باحث مغربي يرصد حقيقة التداخل الثقافي العربي - الفارسي

باحث مغربي يرصد حقيقة التداخل الثقافي العربي - الفارسي
الإثنين ٢١ أبريل ٢٠١٤ - ٠٩:٠٨ بتوقيت غرينتش

صدر أخيراً كتاب "التداخل الثقافي العربي – الفارسي من القرن الأول إلى القرن العاشر الهجري" عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، للباحث المغربي رشيد يلوح، وهو في 271 صفحة من القطع الكبير.

وقد حاول مؤلف الكتاب وهو متخصص في الدراسات الإيرانية أن يسلط الضوء على الحدث التداخلي الذي ربط بين الثقافتين العربية والفارسية باعتباره طفرة ثقافية تبادلية وتشاركية غير مسبوقة في تاريخ الثقافة الإنسانية، وذلك بالنظر إلى خصائصها ومواصفاتها ونتائجها.
وأشار الباحث رشيد يلوح إلى أن كتابه هو مساهمة في تأسيس مقدمة نظرية جامعة بين الثقافتين العربية والفارسية.ذلك أن معظم الدراسات المتوفرة حتى الآن في مجال الدراسات العربية الفارسية إكتفت بالعمل ضمن دائرة الأدب المقارن.
وقد فرض هذا الهدف على الباحث النظر في كم كبير من نصوص التراث العربي والفارسي، ثم البحث بين ثناياه عن العناصر التداخلية الكامنة، ثم استخلاص نتائج تحاول تفسير حقيقة التداخل الثقافي العربي الفارسي، وقد اعتمد في مهمته بالأساس على منهج الدراسات الثقافية.
وقسم المؤلف كتابه إلى ثلاثة فصول رئيسة تتخللها مجموعة من المباحث والمحاور الفرعية، حيث حاول معالجة عدد من الإشكاليات الجزئية والرئيسة المرتبطة بأسئلة وفرضيات دراسته، والختام خلص إلى عشر نتائج رئيسة نذكر منها أن العلاقات العربية الفارسية قبل الإسلام لم تكن دائماً علاقة بين طرفين متكافئين لذلك لم تكن مؤهلة لبلورة تداخل ثقافي عميق، بينما شكل الإسلام المحفز الأكثر تأثيراً في التداخل العربي الفارسي، وهو الذي ميز بوضوح بين ما قبله وما بعده في مسار العلاقات الثقافية العربية الفارسية، وقد مثلت فترة الرسالة النبوية مرحلة نضج المنهاج النبوي في معالجة الحياة الإنسانية ما أعطى للعرب قابلية للانفتاح على الشعوب الأخرى والتفاعل معها.
وقد لاحظ الباحث أن عموم مسار التداخل الثقافي العربي الفارسي بعد الإسلام كان محكوماً بثلاثة نواظم رئيسة هي: الناظم الديني، الناظم الجغرافي، الناظم الزمني.
ثم وأثبت في الشق التطبيقي من دراسته أن أنشطة عملية التداخل الثقافي العربي الفارسي كانت تنمو في الغالب تحت تأثير النواظم الثلاثة معاً، أو ناظمين على الأقل، وكمثال على ذلك ذكر المؤلف أمثلة كثيرة، من أبرزها دور أبناء بلاد فارس في خدمة العلوم الإسلامية وكان ذلك بتأثير الناظم الديني، ونموذج الرحالة المغربي إبن بطوطة الذي جمع في تجربته بين تأثيرات النواظم الثلاث.
وبعد أن استعرض رشيد يلوح جانباً من النقاش المعاصر حول التداخل الثقافي العربي الفارسي بين ثلاثة أسماء عربية وفارسية هي: المفكر المغربي محمد عابد الجابري، والمفكران الإيرانيان عبد الحسين زرين كوب، ومرتضى مطهري، خلص إلى أن كلا من الجابري وزرين كوب دافع عن موقف سلبي من التداخل الثقافي العربي الفارسي، في حين حاول مطهري أن يكون وسطيا في موقفه.
واستنتج الكاتب أن موقف المثقف المعاصر سواء في الضفة العربية أو الفارسية لم يتحرر بعد من سلطة الأسطورة التاريخية ومن إكراه الإيديولوجيا.
وأثبت أن التداخل الثقافي العربي الفارسي كان عملية واعية إذ ميز معظم الفاعلين الفرس والعرب في هذا المسار بين انتمائهم لمشروع ثقافي تداخلي عالمي، وانتمائهم للخصوصية المحلية، وقد لاحظ أيضاً أنه كلما تحرر المنتج التداخلي العربي الفارسي من قيد التعصب للخصوصية الذاتية، كلما عبر بصدق عن المشترك الإنساني.
وتوصل الباحث أيضاً إلى أن التاريخ العربي الإسلامي لا يبرز الشخصية الفارسية إلا في أدوارها السلبية، بينما لا يذكر كثيراً هذه الشخصية عندما تكون مساهماتها إيجابية في البناء المعرفي والعلمي- وهو كثير ولافت للنظر- ما رسخ في العقل العربي صورة سيئة للفرس.
وتشكل هذه النظرة السلبية إحدى الدلائل التي يسوقها الخطاب القومي الإيراني المتطرف اليوم، ليؤكد تحيز العرب ونكرانهم لجهود الفرس وفضلهم على الحضارة الإسلامية.
ويرى المؤلف أن التعصب الطائفي والإيديولوجي كان من أهم الوسائل التي استخدمت في تقويض التداخل الثقافي العربي الفارسي، إذ كانت رغبة الصفويين -ذوو الأصول التركية السنية- في الحصول على مشروعية تاريخية ودينية لحكمهم، سبباً في توظيفهم للمذهب الشيعي الإثناعشري، والقومية الفارسية في الحرب على العثمانيين الذين حملهم الباحث قسطاً من المسؤولية في تعميق الانكسار التاريخي للمسلمين.
ويعتقد الباحث أن كل محاولات الفصل التي استهدفت التداخل العربي الفارسي منذ قرون قد باءت بالفشل سواء في الضفة الفارسية أو نظيرتها العربية، ذلك أن حضور الطرفين في تكوين بعضهما بعضاً جوهري، فإذ قمنا الآن بتفكيك العناصر الثقافية والاجتماعية والذهنية والعرقية في كلا الضفتين نجدها مشتركة ومتمازجة على الرغم من كل الخصومات والانفصالات السياسية والإيديولوجية والطائفية الحاصلة.
وهكذا يرى الباحث أنه من شبه المستحيل الحديث عن نهضة حضارية عربية دون استصحاب الطرف الإيراني، والأمر أيضاً ينطبق على الطرف الإيراني الذي لن يستطيع تحقيق ذاته حضارياً إلا من خلال اسئتاف مساره التداخلي مع العرب.
وعلى هذا الأساس يشكل التداخل الثقافي العربي الفارسي رأس مال حضاري ثمين وخطير ينبغي للطرفين العربي والإيراني استثماره للحفاظ على وجودهما الحضاري وأمن ورفاهية شعوبهما. وذلك بعيداً عن إكراهات الصراع الاستراتيجي القائمة حالياً بين الطرفين، وهذه في الحقيقة هي مهمة الباحثين والخبراء والعلماء المنصفين في كلا الضفتين، إذ ينبغي للجميع التخلص من عقد التاريخ وأغلاله وحساباته، والتفكير في المستقبل.