زلزال اليمين المتطرف الأوروبي ... هل سيعجل بانهيار الاتحاد الأوروبي؟

زلزال اليمين المتطرف الأوروبي ... هل سيعجل بانهيار الاتحاد الأوروبي؟
الأربعاء ٢٨ مايو ٢٠١٤ - ٠١:٥٣ بتوقيت غرينتش

عقد رؤساء دول وحكومات الاتحاد الأوروبي بالعاصمة البلجيكية، أمس، قمة طارئة فرضها الصعود القوي لأحزاب اليمين المتطرف في انتخابات البرلمان الأوروبي. وعاشت مختلف عواصم الدول الأعضاء في الاتحاد صدمة سياسية حقيقية لم تكن تتوقعها ولكنها كانت بمثابة ناقوس خطر بالنسبة لها على خلفية انعكاسها على تجانس المجتمعات الأوروبية وخاصة الجاليات الأجنبية المقيمة فيها.

وكانت فرنسا من أكبر الدول تأثرا بعد أن تمكنت الجبهة الوطنية اليمينية المتطرفة من قلب ميزان المعادلة السياسية الفرنسية بعد حصولها على أكثر من 25 بالمئة من الأصوات في أعلى نسبة يحققها حزب مارين لوبان متقدما على الأحزاب التقليدية الفرنسية، الحزب الاشتراكي والاتحاد من أجل الجمهورية، لتحقق بذلك حلم والدها مؤسس الحزب الذي لم يفلح طيلة الأربعين سنة الماضية من التموقع في المشهد السياسي الفرنسي كما هو متموقع اليوم مع ابنته ووريثته الأيديولوجية مارين لوبان .
وإذا كانت القمة مخصصة للبحث عن بدائل قادرة على الرد على التحول في التوجهات السياسية للناخبين الأوروبيين فإن التساؤل يطرح حول الحل السحري الذي يتعين انتهاجه من أجل تفادي تكرار تجربة هذه الانتخابات التي أثارت ردود فعل متشائمة في كل دول الاتحاد وشكلت تحذيرا حقيقيا لحكوماتها؟.
ويمكن القول أن الدول الأوروبية ما كانت لتدعو إلى عقد مثل هذه القمة وإضافة درجة التهويل لوصول أحزاب اليمين المتطرف إلى الهيئة النيابية الأوروبية على اعتبار أن تشخيص الموقف لا يستدعي ذلك مادامت سياسات هذه الدول هي التي شجعت هذا العداء للأجنبي وعمقت الهوة بين الأحزاب اليمينية والأحزاب الاشتراكية أو أحزاب يمين الوسط المتربعة على رأس الحكومات الأوروبية الحالية.
وهي القناعة التي أكد عليها الرئيس الفرنسي، فرانسوا هولاند، الذي أكد بأن الوقت قد حان لتغيير السياسات الأوروبية” بكيفية تسمح بتقليص نسبة البطالة ووضع سياسة موحدة  لمسألة الهجرة وهما ورقتان اعتمدتهما الأحزاب اليمينية من أجل الترويج لأفكارها المتطرفة واضعة الأجنبي كبش فداء هذه السياسات المتعثرة في ظل أزمة اقتصادية عالمية حادة أوشكت بسببها بلدان أوروبية على إفلاس أكيد لو لم تتحرك دول الاتحاد مجتمعة من أجل تفادي إعلان عدم قدرتها على الدفع.
ولكن سياسة التقشف الحادة التي فرضتها مختلف الحكومات الأوروبية والحد من حجم الإنفاق الحكومي الذي اثر على الاستثمار العمومي أدى في النهاية الى حالة تذمر وسخط عام في أوساط الشعوب الأوروبية التي وجدت في انتخابات اليومين الأخيرين فرصة للانتقام وراحت تصوت لصالح الأحزاب اليمينية التي عرفت كيف تستغل الشرخ بين عموم الناخبين وحكوماتهم من خلال حملات دعائية كانت نتيجتها صعودها اللافت في انتخابات تبقى بمثابة مقياس حقيقي للمواعيد الانتخابية في كل دولة أوروبية على حدة .
وإذا كانت المستشارة الألمانية انجيلا ميركل عرفت هي الأخرى تشخيص الداء الحقيقي وأكدت على ضرورة انتهاج سياسة تنافسية تحقق نموا اقتصاديا كفيلا باستحداث مناصب شغل جديدة إلا أنها لم تقدم الحل السحري لازمة أعمق.
فإذا كانت ألمانيا باقتصادها المزدهر أوروبيا وعالميا استطاعت تجاوز صدمة الاقتصاد الرأسمالي فإن المشكلة مطروحة على كل الدول الأخرى التي تعاني من تبعات أزمة اقتصادية حادة أفقدتها توازناتها الاقتصادية الكبرى وجعلتها على حافة الانهيار الاقتصادي.
ومهما كان الحل الذي سيتفق بشأنه الرؤساء الأوروبيون لتسوية هذه الإشكالية فإن المؤكد أن الأجانب سيدفعون ثمن هذه الانتخابات بداعي أنهم السبب المباشر في هذه العلاقة على اعتبار أنهم الحلقة الأضعف التي ستدفع ثمن أخطاء الحكومات الأوروبية نفسها ومن أجل شراء السلم الاجتماعي الذي بات أكثر هشاشة من  ذي قبل خاصة وأنه تبين للرأي العام الفرنسي والأوروبي على حد سواء أن الاتحاد الأوروبي أنشىء لأهداف جيوسياسية وليس لتيسير أمورهم المعيشيةـ الأمر الذي دفع بكثير من الخبراء بالتحذير من أن يقبر الاتحاد الأوروبي على يد كتل اليمين المتطرف داخل البرلمان الأوروبي الذي لن يدخر جهدا في نسف هذا الاتحاد في أي لحظة.
شوقي أمين/ مراسل العالم في باريس