سماحة السيد .. سوريا هي العنوان

سماحة السيد .. سوريا هي العنوان
الأحد ٢٧ يوليو ٢٠١٤ - ٠٥:١٩ بتوقيت غرينتش

لم يكن مفاجئا ما جاء في خطاب سماحة السيد في يوم القدس العالمي، والذي كانت تنتظره "إسرائيل" على أحر من الجمر وبقلق بالغ، لمعرفة نوايا الحزب في حال تم التصعيد باجتياح غزة وتسبب ذلك بمجازر كبيرة.

هذا هو السؤال المهم، خصوصا بعد أن أصبح خبراء ومحللون عسكريون يعترفون بالهزيمة وإستحالة تحقيق نصر حاسم على المقاومة في غزة، بل يستحيل فرض وقف إطلاق نار بشروط "إسرائيل" المهزومة عسكريا وسياسيا وإعلاميا، وبالتالي، هذه ضربة إستراتيجية من الحجم الثقيل مني بها الكيان الصهيوني بسبب سوء تقديراته، وفشل مخابراته، وتضليل جنرالاته، وكذب ساساته، وتضليل إعلامه.. من هنا يكتسي خطاب سماحته أهمية كبيرة لدى الشارع الصهيوني خصوصا، المتعطش لمعرفة الحقيقة بعد أن تأكد أن قاداته يكذبون عليه ويجرونه للمهلكة.

جواب السيد، والذي سينكب على دراسته الخبراء لدى الأعداء بمن فيهم عربان الزيت، كان بمثابة السم المدسوس في الدسم.. من يقرر في غزة هي المقاومة في الميدان بإنجازاتها، وصمود شعبها وثبات قاداتها عند حدود سقفها الذي يرسمه اليوم دم الشهداء، والمقاومة في غزة هي من تقدر المراحل وتحدد بالنهاية الوقت الذي ستوقف فيه النار على ضوء المكتسبات الميدانية والسياسية التي ستنتزعها بضمانات دولية لحقوقها المشروعة.

غير أن مثل هذه الحقوق الأساسية التي تحولت إلى حلم صعب المنال، لن تقبل بها "إسرائيل" وداعميها، لأن رفع الحصار عن غزة يعني السماح للمقاومة بتجديد ترسانتها وتطويرها لما قد يكون أسوء. خصوصا بعد إنضمام حماس لحكومة وحدة وطنية ستمكنها من الإستفادة من عائدات الغاز الكبيرة بشواطىء غزة.

ووفق هذا المعطى، التسوية السياسية تبدو مستحيلة إلا في حال تدخل المجتمع الدولي لنزع سلاح المقاومة وضمان أمن "إسرائيل" وفرض رقابة أممية على المعابر.. وهو ما ترفضه المقاومة شكلا ومضمونا وتعتبره ركوعا وإستسلاما من موقع المنتصر.

وهو المرجح، لأن رفع الحصار من دون نزع سلاح المقاومة لن تقبل به تل أبيب، فحينها، المقاومة هي من ستطلب المساعدة التي تحتاجها، وإيران وسوريا كما حزب الله يقدمون لها الدعم المادي المالي والعسكري واللوجستي والفني والتدريب والدعم المعنوي، كل حسب قدرته وإستطاعته، في غياب أي دعم عربي للمقاومة، بل معظم الدول العربية متامرة عليها وداعمة "لإسرائيل"، في مفارقة لم يعرف تاريخ الأمة نظيرا لها.

إطمئنان سماحة السيد لإنتصار المقاومة وصمودها هو شهادة من رجل يعتبره شرفاء الأمة "إمام المقاومة" في هذا الزمن العربي الرديء، وبالتالي، هذه شهادة ستقدرها "إسرائيل" حق قدرها، لأنها رسالة تقول "إن غزة لن تسقط وقادرة على الصمود وصنع الإنتصارات". وهو ما يؤكد حكما، أن لا خوف على مخزون الصواريخ والسلاح لدى المقاومة ولا من يحزنون، بعد أن أصبح لغزة صناعة عسكرية متطورة تسمح لها بإنتاج كل ما تحتاجه من صواريخ وأسلحة.

وما يؤكد هذا المعطى الإستراتيجي، هو تصريح السيد "لاريجاني" رئيس مجلس الشورى الإيراني لقناة "العالم" الخميس الذي قال فيه: "ايران زودت المقاتلين في غزة بتكنولوجيا صنع الاسلحة والصواريخ". وهذا فصل الخطاب بالنسبة للذين يتساءلون إلى متى سيصمد مخزون الصواريخ في غزة؟.. ويخلق ربك ما لا تعلمون.

وبالتالي، في هذه المرحلة تحديدا، الأمر لا يستدعي القلق على المقاومة في غزة، بقدر ما يستدعي التضامن لنصرتها كل حسب قدرته وإستطاعته.. خصوصا يقول "شلومو غازيت" رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الأسبق: "يجب التعاطي مع حماس كدولة تمكنت من بناء جيش منظم بشكل ممتاز، لديها جيش يملك هيئة أركان حرب ذات قدرة مركزية فاعلة وقيادة عسكرية استعدت للحرب بشكل مناسب، وبذلت جهدا عظيما، وجندت كل قواها، لتكسب الحرب، بتدشين ترسانة هائلة من الصورايخ، ذات مستويات مدى متعددة، تتمكن من الوصول إلى أي بقعة في (إسرائيل) استنادا لقدراتها الذاتية في التصنيع، وتخطيط عمليات عسكرية ذات طابع هجومي وتنفيذها". وعلى ضوء هذا التقويم الموضوعي لمعطيات الميدان، نصح "شلومو غازيت" الحكومة الصهيونية بالتفاوض مع حماس على هدنة طويلة الأمد مقابل رفع الحصار وتحسين الأوضاع الاقتصادية في غزة.

وفي هذا السياق، موقف الحزب وكما عبر عنه سماحة السيد، بعث بإشارة مرموزة إلى "إسرائيل" مفادها، أن المقاومة في غزة ليست بحاجة لتدخل حزب الله بإمكاناته "المتواضعة" لإنقاذها وهي منتصرة، وأنه في حال تطورت الأمور، فإن سوريا هي العنوان، لا لبنان.
 
لأن صمود سوريا وإنتصار الثورة الإيرانية وتبنيهما للمقاومة ساهما في بقاء القضية الفلسطينية حتى اليوم، ولأنه بفضل المقاومة أفشلت الأمة عديد المشاريع التي كانت تستهدف تصفية قضيتها وتفتيت شعوبها وإعادة تقسيم جغرافيتها.. سورية، وكما أكد سماحته، هي "الجدار المتين وستتبقى الجدار المتين في مواجهة المشروع الصهيوني، وكانت الحصن القوي للمقاومة والقضية الفلسطينية"، وبالتالي، فسوريا هي من تقرر متى تفجر معركة الوجود والمصير، وأن المطلوب الآن هو مزيد من التصعيد في الضفة الغربية لنصرة غزة هاشم.

وبهذا المعنى، فالعدوان المبيت على غزة لا يمكن فصله عن المؤامرة التي تعرضت لها سوريا والعراق ولبنان من قبل.. لكن الأخطر هو ما يلوح في الأفق القريب، ويتمثل في جانبين، الجانب السوري والجانب الفلسطيني الذي تمثل "القدس" و"المسجد الأقصى" رمزيته وقداسته.

ففي الجانب السوري، وبعد إعلان الرئيس الأسد مطلع عام 2013 قرار فتح جبهة الجولان للمقاومة، لم يكن الأمر مجرد مناورة سياسية للضغط على "إسرائيل" كي لا تتدخل في الأزمة السورية، بل كان قرارا إستراتيجيا مدروسا، انكب حزب الله اللبناني بمعية إخوة السلاح في إيران بالتحضير له من كل الجوانب البشرية والتقنية والتكنولوجية والتسليح والتدريب واللوجيستيك وخلافه، ووضعت الخطط الإستراتيجية والتكتيكية ورزمانة المفاجآت.. وقبل فترة قصيرة، أعلن عن قيام "حزب الله السوري" ومعه كتائب المقاومة العربية والإسلامية، والكل جاهز في إنتظار أن يعطي قائد القاومة العربية في دمشق "أمر العمليات" ليبدأ رقص الصهاينة على ضربات المقاومة حتى تحرير الجولان.

وحزب الله، كما شرفاء المقاومة يعلمون أن إصدار مثل هذا الأمر يحتاج لمبرر قوي وخطير يسمح لسوريا بتمزيق ورقة وقف إطلاق النار التي وقعت مع الصهيوني سنة 1974، برغم خرق هذا الأخير أكثر من مرة للهدنة وقيامه بغارات عدوانية على مواقع داخل التراب السيادي السوري، مستغلا في ذلك إنشغال الجيش العربي السوري وقيادته في الحرب الكونية على الإرهاب، ما جعل الأسد يعلن أكثر من مرة أن "الرد سيكون في المكان والزمن المناسبين".

اليوم يبدو أن هذا المكان هو "الجولان" والوقت سيكون خلال هذا الصيف أو الخريف المقبل على أقصى تقدير.. لأن قرار الحكومة الصهيونية الترخيص لشركة أميركية ببدء عمليات التنقيب عن النفط في 10 مواقع مختلفة، تتبعها عمليات تنقيب أخرى أكثر عمقا بعد شهرين أو 4 أشهر، من شأنه أن يفجر حربا طاحنة بين المقاومة والكيان المحتل، سترد عليها "إسرائيل" بضرب سوريا.

وتجدر الإشارة، إلى أن شركة "أفـــك"، برئاسة الوزير الصهيوني السابق أفي إيتام، هي شركة تابعة لشركة "جيني إنيرجي" الأميركية، التي يديرها رجل الاعمال اليهودي الأميركي هوارد جونس، ومن بين مساهميها الكبار، نائب الرئيس الأميركي السابق ديك تشيني، ورجلا الأعمال روبرت مردوخ وهلورد روتشيلد. وتعتزم الحكومة الصهيونية بعد بدأ التنقيب وتحديد الكميات الجوفية من النفط والغاز، منح الشركة المذكورة حق التصرف بها طوال 40 سنة.

أما في الجانب الفلسطيني، فوفق تقدير سماحة السيد، الذي ربط ما يحدث اليوم في فلسطين بما يعد للمنطقة من وخصوصا في العراق بعد الفشل في سوريا، حيث يتأكد يوما بعد يوم أن "داعش" هي عبارة عن أداة وضيعة، تنفذ مخططا خطيرا يخدم حروب النفط والغاز الأميركية في المنطقة بتقسيم العراق عموديا لعزله عن إيران ومد خط أنابيب الغاز القطري والخليجي نحو تركيا فأوروبا لتعويضها عن الغاز الروسي. وفي نفس الوقت تبدو خطة تدمير المساجد والكنائس والأضرحة ومراقد الأنبياء والأولياء مبررا لتقوم "الدولة اليهودية النقية" بتدمير "المسجد الأقصى" وبناء "هيكل سليمان" مكانه، ما دام أحد من المسلمين لم ينتفض ضد ما تقوم به "داعش" بل تتلقى الدعم على ذلك لأنها تحارب "الشرك"، والقدس لم تعد قبلة للمسلمين بعد أن أمرهم الله بالتوجه تجاه الكعبة.

هذه المخاوف جدية وقائمة منذ زمن بعيد، لكن حديث سماحة السيد عنها اليوم يؤشر إلى أن الرجل يشعر عن بصيرة نافذة أن الوقت قد إقترب، وأن الأمة مطالبة بالإستعداد للمعركة الكبرى التي سيكون عنوانها "تحرير القدس"، والتي يعد لها محور المقاومة ما يلزم من قوة ومخططات.

قد يكون شهر آب/أغسطس القادم شهر الجحيم في المنطقة، أو قد يتأخر الأمر بضعة أشهر، لكن هذا العام سيكون بداية الحرب الكبرى لإقتلاع هذا السرطان المسمى "إسرائيل"، كما حث على ذلك الإمام خامنئي الخميس، وطالب بتسليح الفلسطينيين في الضفة الغربية، لأن هذا العدو لا يفهم إلا لغة القوة، ولأن الحرب داخل فلسطين المحتلة، ستشل قدرة الطيران على الحسم حتى لو تدخل الغرب لنصرة "إسرائيل"، وهو أمر مستبعد بسبب وعي الشعوب الغربية ورفضها الترخيص لحكوماتها للذهاب إلى حرب إبادة ضد الفلسطينيين نصرة لـ "دولة" إرهابية عنصرية بجيش جبان يعتبر قتل الأطفال والنساء والشيوخ والمرضى في المستشفيات والتلاميذ في المدارس إنجازات عسكرية، في حين يعتبرها القانون الدولي جرائم إبادة ضد الإنسانية.

وحيث أن المجتمع الدولي لا يرغب في معاقبة "إسرائيل"، فإن رجال الله في المقاومة هم من أوكلهم الله بهذه المهمة، لتحقيق العدل في الأرض التي سيرثها عباده الشرفاء فينتهي عصر الخونة والعملاء.. هذا وعد السماء.

الاردن العربي - أحمد الشرقاوي