الیمن.. صراع التدویل والتوطین

الیمن.. صراع التدویل والتوطین
الأربعاء ٠٣ سبتمبر ٢٠١٤ - ٠٨:١٥ بتوقيت غرينتش

لم یشهد الیمن منذ نهایة حراکه الشعبي خلال ثورات ما سمي بالربیع العربي، مثل هذا الحراك القائم حالیا علی جمیع المستویات السیاسیة والعسکریة والدولیة.

الحراك الذي يسعى طرف فيه وهو الحكومة الى تدويل الصراع السياسي واضفاء مسحة عسكرية عليه من اجل تسهيل وتوفير مبررات قمعه داخلياً ودولياً، فيما يسعى الطرف الاخر وهم انصار الله (الحوثيون) الى توطينه وخلق جبهة عريضة في مواجهة النظام تضم جميع القوى المتضررة من حكم الاصلاح ونظام المبادرة الخليجية، وقد نجحوا في هذا.


ومع فشل او بتعبير ادق افشال المفاوضات السابقة بين الحكومة وانصار الله من قبل الحكومة التي اضحت تنفذ ما يتقرر في الرياض دون ملاحظة مصالح اليمنيين، ودعوة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي الى العصيان المدني واسقاط الحكومة بالطرق السلمية، ومن ثم الحديث عن عودة الوفد الحكومي الى صعدة للتفاوض، يتبادر السؤال عن اسباب الازمة الحالية في اليمن واسباب التصعيد القائمة حاليا ومن هي الاطراف المشاركة فيها؟

اما الاسباب المؤدية للازمة فهي كثيرة، لكن بشكل عام يمكن تقسيمها الى قسمين اساسيين، هما: الاسباب الداخلية والاسباب الخارجية.
فيما يتعلق بالاسباب الداخلية فأن مخرجات ماسمي بالحوار الوطني والذي قسم اليمن الى ستة ولايات غير مرضية لاهم الاطراف الرئيسة في الساحة اليمنية وحصل في اجواء ضغوطات دولية واقليمية وارهابية، بحيث جرى اغتيال اثنين من اعضاء الوفد المفاوض لانصار الله خلال فترة الحوار، يضاف الى ذلك تشبث الرئيس منصور عبد ربه هادي بالسلطة التي كان من المقرر ان تكون انتقالية ولاتتجاوز السنتين وفق المبادرة الخليجية التي تبنتها الامم المتحدة، في حين انها الان في عامها الرابع!


ثم جاءت الجرعة المشؤومة لتصب الزيت على نار اليمن الذي فارقته السعادة منذ ان اضحى حديقة خلفية للدولة الوهابية ودخلته جيوش الدعاة الوهابيين لتغيير دين اهله وشعبه، هذه النقطة الاخيرة لاتزال تشكل احد القضايا التي يكافح اليمنيون الاصلاء للخلاص منها، لكن مصالح بعض رؤساء القبائل ومنافعهم المادية مع السعودية تحول دون ذلك.. هذه الجرعة التي تقف وراءها اجندات تجعل من الفقراء وهم الغالبية من الشعب اكثر فقرا ومن الاغنياء على قلتهم اكثر غنى، ما يعني الاستقطاب الطبقي وبالتالي تحول اليمن الى منطقة نفوذ واملاءات لمن يقدم المعونات والمساعدات، والى انتشار الفكر الارهابي الدموي بين جميع ابناءه.

وبالنسبة للاسباب الخارجية، فهي على قسمين: اسباب اقليمية تتعلق بواحدة من دول الجوار وهي السعودية، واسباب دولية ترتبط بدعوى الولايات المتحدة بمكافحة الارهاب والقاعدة.

فالمشكلة السعودية في اليمن هي ان المملكة الوهابية تشعر بالضعف والقلق من كل البلدان المحيطة بها، لانها من الناحية العقدية (الرسمية) جسم غريب، لذلك تحاول ان تشكل لنفسها طوق حماية من البلدان والشعوب الاخرى، رغم انها محمية من اميركا والغرب وفق اتفاقات سرية ومعلنة، لكن هاجس الضعف لايفارقها.
ومن هذا المنطلق كان اليمن ساحة للتدخل السعودي على نطاقين الثقافي والعقدي من خلال محاولاتها القضاء على المذهب والتراث الزيدي وحتى الشافعي المتداخل مع الفكر الزيدي، والاخر سياسي يقوم على ربط النخب العسكرية والعشائرية من خلال مصالح اقتصادية وعطايا مالية بها وباجنداتها.. في حين ان اليمن لم تكن لها اية مشاكل مع جيرانها الاخرين، حتى التدخل القطري في الشأن اليمني فيأتي من مدخلية: أخوانية حزب الاصلاح الذي تشعر قطر بابوة تجاهه وتجاه كل الاحزاب الاخوانية ولاسباب تتعلق بمشاكسة النفوذ السعودي في اليمن.

وبعد الصحوة الزيدية في اليمن خلال العقود الثلاثة الماضية وتحرك الحوثيين في صعدة والجوف وعمران وحجة وغيرها بتبني شعارات مناهضة للهيمنة الغربية والصهيونية، اصبح للسعودية هاجس جديد ومخيف في الوقت ذاته، وهو نفوذ الثورة الاسلامية في ايران باليمن.. ولان الحراك الحوثي والزيدي تركز على:
1. مكافحة النفوذ الاجنبي وخاصة الغربي في اليمن.
2. الدعوة الى جعل فلسطين قضية المسلمين الرئيسية.
3. مكافحة الفساد والمطالبة بحق الجماهير والمعدمين.
4. مواجهة الاعتداءات الوهابية على التراث الزيدي واتباعه.
5. الدعوة الى مشاركة سياسية تجمع كل ابناء اليمن بعيداً عن الاجندات الخارجية.

فقد اعتبر التحرك الزيدي من وجهة نظر السعودية نفوذاً ايرانياً (ايران ما بعد الثورة الاسلامية وليس ايران الشاه حليف اميركا واسرائيل والرجعية العربية).
وعلى اساس ذلك شنت على الحوثيين والزيود ستة حروب دخلت في اخرها السعودية مباشرة بطيرانها ودباباتها وقوات النخبة لديها، لكنها فشلت في المواجهة بعد ان سيطر الحوثيون على عشرات القرى والمواقع داخل الاراضي السعودية التي استقطعها السعوديون من ارض اليمن، واسروا العشرات من قوات "خادم الحرمين" الذين تحدثت بعض التقارير عن استعانتهم بقوات من الاردن والمغرب وباكستان!

وبعد الثورة اليمنية الاخيرة في 2011 وسقوط حكم علي عبد الله صالح استطاع الحوثيون السيطرة على بعض مناطقهم وتطهيرها من السلفيين التكفيريين كما حصل مع مرتزقة "دماج" و"دار الحديث" التي زرعها الوهابيون في قلب صعدة.

لذلك فأن السعودية تتحرك من منطلق الخوف والقلق من الحصار الوهمي الذي فرضته ايران عليها، وهي تعلل كل حدث داخلي ضمن رؤيتها للصراع الاقليمي.

اما النفوذ والتدخل الدولي وخاصة الاميركي والذي يتخذ من مكافحة الارهاب ذريعة لتواجده ولطائراته التي تجوب سماء اليمن وتقصف من تشاء وحيث تشاء، فهو في الحقيقة والى جانب استهدافه للارادة الوطنية والقرار الوطني اليمني، يسعى الى تحقيق غايات اقليمية ودولية من خلال السيطرة على باب المندب وبالتالي بسط نفوذه في منطقة القرن الافريقي وجنوب الجزيرة العربية وغرب الخليج الفارسي.

ان ما يدور في اليمن اليوم وعلى ارض العاصمة صنعاء بالتحديد، هو صراع بين التدويل والتوطين، تدويل في انتماء الحكومة الخاضعة لاملاءات السعودية والممثل الاممي بن عمر، وفي الاستقواء بقرارات مجلس الامن لكبح الحراك الشعبي ومصادرة القرار الوطني.. وتوطين في القرار والمعالجات من قبل انصار الله وطيف القوى الوطنية الواسع الذي يقف بجانبه والذي يمتد من ساحل بحر العرب وخليج عدن في الجنوب حتى قمم صعدة الشامخة وحدود جازان.
ورغم ان حكومة هادي حصلت على جرعة دعم من اجتماع جدة الاخير وقبله الامم المتحدة، لكنها ستكون عاجزة عن استخدامه وتوظيفه على ارض الواقع لضعفها وضعف القوى الموالية لها بالاساس، في مواجهة الارادة الجماهيرية واحقية مطالبات انصار الله والقوى المساندة له.
كما ان الذهاب الى الحل العسكري لن ينتج عنه شئ لان انصار الله الذي استطاع مواجهة جيوش ال الاحمر والسعودية وحلفاءها في صعدة خلال الحرب السادسة وخمسة حروب قبلها، بامكانه اليوم ان يذيقهم اكثر من مرارة الهزيمة! مع استبعاد تدخل غربي خوفا من ان يتحول الوضع في اليمن الى مستنقع يغوص فيه الجميع اوكرة نار قد تتدحرج في اكثر من اتجاه، وهو ما يخاف منه السعوديون الذين يفضلون دائما وجود من ينوب عنهم في الحرب!

ولعله، لايوجد امام الرئيس اليمني المؤقت "منصور عبد ربه هادي" سوى طريق واحد، وهو القبول بمطالب الشعب وانصاف اهله ناسه وكبح عطش ال الاحمر في الهيمنة على السلطة وعدم الاغترار بالدعم الخليجي، لانه اذل من اغتر به من قبل في اليمن وغيرها!

علاء الرضائي