ائتلاف أم تجنيد إجباري؟

ائتلاف أم تجنيد إجباري؟
الثلاثاء ١٦ سبتمبر ٢٠١٤ - ٠٩:٥٨ بتوقيت غرينتش

شيء في غاية الغرابة هو الائتلاف الدولي الذي تم تشكيله برعاية امريكية لمحاربة "داعش" والتنظيمات التكفيرية الاخرى في العراق وسورية ، ووجه الغرابة هو في انضواء دول كانت ومازالت من اهم مصادر قوة "داعش" والتنظيمات التكفيرية الاخرى ، بل وبدون هذه الدول لما ظهرت "داعش" ولا اخواتها للوجود.

الملفت ان في مقدمة الدول التي سارعت للانضمام الى هذا الائتلاف واخذت تدق طبول الحرب ضد "داعش" وجندت امبراطورياتها الاعلامية ، للظهور بمظهر الدولة السابقة في مكافحة الارهاب ، هي السعودية ، التي استضافت في جدة اول مؤتمر لمكافحة "داعش" حتى قبل الاعلان الرسمي عن تشكيل هذا الائتلاف.

السعودية هذه كانت ومازالت اول بلد في العالم يرفض أي حلول سياسية للازمة في سورية، واول بلد في العالم اكد وما زال على الحسم العسكري لاسقاط النظام في سورية ، واول بلد مد للتنظيمات التكفيرية بمختلف انواعها بالمال، واول بلد قدم السلاح الى كل راغب في مقاتلة النظام في سورية ، واول بلد جند كل امكانياته الاعلامية والسياسية والدبلوماسية لصالح المجاميع المسلحة لاسيما التكفيرية منها ، واول بلد جند كل دعاته من مشايخ الوهابية للتحريض على النظام السوري عبر الشحن الطائفي والمذهبي وعبر نشر الكراهية.

هذا الدور السعودي في سورية تكثف وبشكل لافت عندما تولى الامير بندر بن سلطان الملف السوري بالتنسيق مع امريكا و"اسرائيل" اللتين كانتا تتصوران ان سياسة بندر هذه ستعجل في اسقاط النظام في سورية ، الا ان امير الظلام هذا فشل في مهمته فشلا ذريعا الا من تفخيخ سورية بالزمر التكفيرية من امثال "داعش" و "النصرة" واخواتهما ، وهو ما دفع السلطات السعودية لتنحيته من منصبه تحت ضغط امريكا ، التي رات ان بندر تمادي كثيرا في تقوية شوكة الزمر التكفيرية.

جانب من مؤتمر باريس


ليس خافيا ان "الغزوات" و "الفتوحات" التي "سطرتها" "داعش" في العراق وسورية ، ادخلت الفرحة الى قلوب النظام السعودي ومشايخ الوهابية ، بسبب الكوارث التي نزلت على "الروافض" في العراق و "النصيرية" في سورية ، الا ان هذه الفرحة لم تدم طويلا ، لتغول "داعش" وخروجها عن سيطرة امير الظلام واسياده من الامريكان، فكان لابد من اعادة صياغة موقف سعودي جديد ينسجم مع تطلعات واشنطن التي ارتأت تأديب "الابن المشاغب" قبل ان ينتحر او يقتل بيد الغير ، وتذهب كل الجهود التي بذلت في تربيته ادراج الرياح.

اكبر منافسي السعودية في مجال دعم الزمر التكفيرية في سورية والعراق ، هي تركيا ، التي ما زالت متلكئة في الانخراط في الائتلاف ضد "داعش" ، ولم تتحمس كما تحمست السعودية ، فأنقرة تتفهم الاسباب التي دفعت السعودية للانخراط بهذه السرعة في الائتلاف المناهض ل"داعش" وفي مقدمتها ابعاد تهمة دعم الارهاب والزمر التكفيرية عنها ، وهي تهمة اخذت تتردد كثيرا في واشنطن والعواصم الغربية ،  الا ان تركيا ، وان كانت تتخوف من ان تتهم بدعم التكفيريين مثل السعودية ، الا انها تخشى من ردات فعل "داعش" الانتقامية ، بعد ان تورطت انقرة بشكل كبير في التنسيق مع هذا التنظيم التكفيري ، الذي يمكنه ان يوجه ضربات قوية لتركيا عبر استهداف امنها واقتصادها.

لا نعتقد ان الخوف التركي من انتقام"داعش" ، سيقاوم كثيرا امام الضغط الامريكي باتجاه دفع تركيا للانخراط في هذا الائتلاف ، ويبدو ان الضغوط التي تتعرض لها قطر، العضو الاخر في الائتلاف الامريكي والممول الكبير للتنظيمات التكفيرية في العراق وسورية ، والتي ساهمت في تراجع هذا البلد في العديد من الملفات ، وفي مقدمته ملف الاخوان المسلمين ، سيساهم في دفع تركيا الى اتخاذ موقف قريب من الموقفين السعودي والقطري.

من مجمل ما تقدم يتبين لنا ان الدول العربية والاسلامية التي تشارك في الائتلاف الدولي ضد "داعش" ، دُفعت دفعا للانخراط في هذا الائتلاف،  كالتجنيد الاجباري ، دون ان تمتلك ارادة حقيقة في محاربة "داعش" التي تعتبر نتيجة لتظافر ارادات هذه الدول ، التي تُساق اليوم ، نحو الجهة التي تريد واشنطن ان تُساق اليها ، لخدمة اجندات امريكية ، ليس لهذه الدول فيها ناقة ولا جملا.

نبيل لطيف - شفقنا