قرار أنصار الله.. لن يكون اليمن حديقة خلفية

قرار أنصار الله.. لن يكون اليمن حديقة خلفية
الثلاثاء ٣٠ سبتمبر ٢٠١٤ - ٠٦:١٦ بتوقيت غرينتش

لا نبالغ ان قلنا ان اليمن كان سيغرق في بحر من الدماء ، لو كان فصيل سياسي آخر غير "انصار الله" ، هو من تصدى للحركة التصحيحية المعقدة لمسار الثورة اليمنية ، التي انحرفت كثيرا عن اهدافها بسبب المبادرة الخليجية ، التي افرغت الثورة من محتواها وحصرت التغيير في قمة هرم السلطة وابقت الاوضاع على حالها في شتى مناحي الحياة وكأن شيئا لم يكن.

ان التصرف الحضاري والوطني المسؤول لانصار الله خلال قيادتهم الاحتجاجات الشعبية التي أتت على رموز الفساد والطائفية ، وأسقطت كل الاجراءات السياسية والاقتصادية التي ضيقت الخناق على المواطن اليمني المعدم ، دون ممارسات انتقامية او طائفية او متطرفة ، دون رفع شعارات فئوية او مذهبية او مناطقية او قبلية ضيقة ، دون التعرض للممتلكات العامة ، دون مظاهر السلب والنهب ، دون التعرض للقصر الجمهوري او شخص رئيس الجمهورية ، دون الدعوة لاقصاء الآخرين ، بل على العكس مد انصار الله ايديهم للجميع ومن بينهم حزب الاصلاح ، كل هذه المواقف وغيرها الكثير ، رسمت صورة مشرقة ومشرفة لانصار الله ولقيادة هذه الحركة اليمنية الوطنية ، داخل وخارج اليمن ، هذه التصرفات المنضبطة والحكيمة ، افشلت الحرب الطائفية والنفسية الظالمة التي شُنت على انصار الله منذ سنوات ، من قبل الاعلام السعودي والاعلام الخليجي والاعلام اليمني الممول سعوديا ، الذي استخدم كل ما في جعبته من حقد وطائفية ، لاظهار انصار الله على انهم مجموعة من "الطائفيين" و"المتمردين" و"المأتمرين بأوامر ايران" و"الرافضة" و.. الى آخر القائمة المعروفة والمملة.

الادارة الحكيمة للسيد عبد الملك الحوثي للثورة اليمنية ، وقيادته للاحتجاجات الشعبية ، اثبتت للعالم اجمع انه مازال هناك في اليمن رجال قادة يضعون مصلحة اليمن فوق كل مصلحة ، ويثبتون ذلك بالفعل لا بالقول ولا بالشعارات ولا بالخطابات الرنانة ، هذه القيادة الفذة التي أخذت بيد الشعب اليمني الى بر الامان من دون ان يشهد اليمن ما يعكر على الناس صفو حياتهم ، حركت الاحقاد والضغائن لدى ضعاف النفوس من الذين مسختهم الوهابية ودولارات النفط  ، فبدأوا بشن حرب إعلامية جندوا فيها كل امكانياتهم ، لاظهار ما حدث في اليمن على انه "انقلاب" و "حملة تستهدف اهل السنة" و "محاولة لتاسيس دولة شيعية " و "بيع اليمن لايران" و "مسعى ايراني لمحاصرة السعودية" و "دخول لليمن في نفق الفوضى" والى آخر هذه الترهات التي لا وجود لها على ارض الواقع الا في داخل العقول المريضة والمغرضة للمجموعات الوهابية وعبدة الدولار النفطي.

جانب من مظاهرات الشعب اليمني

الجهات التي تقف وراء هذه الهجمة الاعلامية التي تستهدف ثورة الشعب اليمني ، تعرف جيدا ان هذا الخطاب لم يعد ينطلي على الشعب اليمني الذي وقف على التصرف الراقي والحضاري والوطني والاسلامي الاصيل لانصار الله ، وهي حقيقة لا يمكن ان تحجب بغربال الوهابية والمجموعات الطائفية ، التي يرتكب من يشاطرها افكارها التكفيرية في سوريا والعراق ولبنان وليبيا وتونس والصومال وافغانستان ، ابشع الجرائم وافظعها بحق المسلمين وغيرهم ، ولا تقف امام نزعتها الدموية اي خطوط حمراء انسانية او دينية او اخلاقية ، لذلك بدأت الجهات التي تقف وراء هذه الهجمة الطائفية ، بالعمل على تجنيد زمر تكفيرية للقيام بعمليات انتحارية ضد ابناء الشعب اليمني لادخال اليمن في نفق من الفوضى ، بهدف اظهار السلطات اليمنية بمظهر العاجز، ولفتح المشهد اليمني على اكثر من  سيناريو، واحد هذه السيناريوهات هو تمهيد الارضية لاعادة نظام الرئيس المخلوع على عبدالله صالح بشخص ابنه احمد الذي يشغل منصب سفير لليمن في ابوظبي حاليا ، عبر دفعه للمشاركة في الانتخابات الرئاسية.

المتتبع للاعلام السعودي يرى اهتماما غير عادي بالعميد احمد نجل الرئيس اليمني المخلوع على عبدالله صالح ، حيث يقوم هذا الاعلام بمناسبة او بدونها بتسويق الرجل على انه رجل عسكري حازم وسياسي حاذق وانسان نظيف اليد ، ويرصد كل حركاته وسكناته ، ويظهره بمظهر المنقذ لليمن والرجل المناسب في الزمن المناسب ، وعلى النقيض تماما بدا هذا الاعلام بشن حملة شعواء ضد الرئيس الانتقالي لليمن عبد ربه منصور هادي بعد توقيعه على اتفاق السلم والشراكة الوطنية مع انصار الله والمتحالفين معهم تحت رعاية الامم المتحدة ، لان الرياض ترى ان الاتفاق قبر والى الابد المبادرة الخليجية ، و قوض كل ما خططت له خلال السنوات الماضية لاعادة الاوضاع في اليمن الى ما قبل عام 2011.

صحيح ان اتفاق السلم والشراكة الوطنية بين الرئيس اليمني وانصار الله ، يضع اليمن على سكة غير السكة التي وضعته عليه المبادرة الخليجية ، التي كانت عملية تجميل ظاهرية  للاوضاع الصعبة التي يعيشها الشعب اليمني ، الا ان الفرس الذي راهنت عليه السعودية وهو نجل الرئيس المخلوع على عبدالله صالح ، هو فرس خاسر ، فالرجل تثار حول الكثير من الشبهات ، منها طريقة تنحيه عن قيادة الحرس الجمهوري الذي حله الرئيس منصورهادي ضمن خطة اعادة هيكلية الجيش ، واختفاء كميات كبيرة من الاسلحة كانت بحوزته ، وقيل انه نقلها الى مسقط رأس ابيه ، وهذه القضية مازالت توتر العلاقة بينه وبين الرئيس هادي منصور الذي قيل انه يعتزم اقالته من منصبه كسفير لليمن في ابو ظبي في حال لم يعيد هذه الاسلحة الى الحكومة.

وتورط احمد العلي في الكثير من قضايا الفساد المالي عندما اشرف على الدعم المالي لمجلس التعاون الخليجي بهدف التحضير لدخول اليمن الى هذا المجلس ، وهي قضايا موزعة بين تاسيس شركات و وضع اليد دون حق على مساحات كبيرة من الاراضي.

كما ان هناك حالة من التذمر ظهرت بين قيادات الجيش اليمني عندما حاول ابوه طرحه كوريث له ، وفقا لما كشفته ويكيلكس، حيث جاء في احدى وثائقها إن "أحمد علي شخصية ضعيفة وغير جاهز بعد لتسلم السلطة ناهيك عن تذمر قيادات في الجيش من طرح اسمه كوريث".
اما منظمة هيومن رايتس ووتش فإنها جمعت وثائق وادلة على تورط القوات الخاضعة لقيادة أحمد علي ، في ممارسات تنتهك حقوق الانسان منها الاعتداءات على المتظاهرين والاعتقال التعسفي والتعذيب وأعمال الاختفاء القسري.

الضربة القاضية التي وجهت لمساعي السعودية لتوريث احمد عرش ابيه علي جاءت من مخرجات الحوار الوطني التي سدت الباب نهائيا امام ترشح احمد لمنصب رئاسة الجمهورية ، بعد ان اشترطت لمرشح الرئاسة ألا يكون منتسبا للمؤسسة العسكرية أو الأمنية، ما لم يكن قد ترك عمله في المؤسستين قبل فترة لا تقل عن 10 أعوام.

ان التطورات التي تشهدها اليمن هذه الايام تؤكد حقيقة واحدة وهي: ان انصار الله قرروا الا يكون اليمن بعد اليوم حديقة خلفية لاي كان ، وعلى الاخرين يتركوا اهله يقررون مصيرهم بانفسهم ، عسى ان تعود البسمة الى وجوه اليمنيين ، الذين كانوا يوما ما اسعد شعوب الارض.

ماجد حاتمي – الوقت