نص كلمة السيد عبدالملك الحوثي في ذكرى عيد الغدير

نص كلمة السيد عبدالملك الحوثي في ذكرى عيد الغدير
الإثنين ١٣ أكتوبر ٢٠١٤ - ٠٥:٥١ بتوقيت غرينتش

أكد قائد حركة أنصار الله اليمنية السيد عبد الملك الحوثي أن اليمن بحاجة إلى إرادة سياسية جادة للوقوف بوجه الأخطار الأمنية، مشيراً إلى أن هناك من يتآمر من خارج البلاد على الجنوب والشمال في اليمن.

وقال السيد عبد الملك الحوثي في كلمة له بمناسبة عيد الغدير الأغر إن هناك من يريد أن يبقى الشعب اليمني غير مستقر، مشيراً إلى وجود من يتآمر من خارج البلاد على الجنوب والشمال في اليمن.

وأوضح أن الظروف مهيئة لحل المشكلة الجنوبية في اليمن حلاً عادلاً، داعياً الجنوبيين إلى أن لا يثقوا بالخارج لحل القضية الجنوبية، مشيراً إلى أن "الخارج لا يتعاطى مع القضية الجنوبية في اليمن بصدق وعلى أساس مصلحة الجنوبيين". 

وإليكم نص كلمة السيد الحوثي: 

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله الله الملك الحق المبين، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله خاتم النبيين، صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله الطاهرين، ورضي الله عن صحبه المنتجبين.
أيها الإخوة المؤمنون
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
نبارك لكم بهذه المناسبة التي يحتفل بها شعبنا اليمني اليوم في كثير من المناطق، هذه المناسبة التي حافظ شعبنا اليمني على إحيائها منذ مدة قديمة وعبر الأجيال كمناسبة دينية متميزة ذات أهمية كبيرة.
شعبنا اليمني العظيم الذي تميّز بحفاظة الكبير على مبادئة، وقيمه، وأخلاقه، وارتباطه الحميم والوثيق والعزيز بالإسلام منهجاً، وبالإسلام مبادئاً، وقيماً، وأخلاقاً، وبرموز وأعلام الإسلام ابتداء بالرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم).
شعبنا اليمني العظيم الذي له خصوصية في علاقته الحميمية بالإمام علي عليه السلام، الإمام علي عليه السلام الذي اختاره الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) ليكون مبعوثه إلى اليمن لدعوة أهل اليمن على الإسلام كمهمة خاصة - إختار النبي فيها تلميذه العظيم والمتميّز، وجندي الإسلام العظيم، هذا الرجل العظيم (الإمام علي عليه السلام) ليكون هو بالتحديد كمهمة إستثنائية - مبعوثه إلى اليمن إعزازاً لأهل اليمن، وأملاً في أهل اليمن، وإكراماً بأهل اليمن، وأملاً عظيماً في أهل اليمن - أن يكون لهم دورٌ متميزٌ وعظيمٌ في نصرة الإسلام، وإعلاء قيم الإسلام، والتمسك بالإسلام، وكان لخروج الإمام علي (عليه السلام) إلى اليمن، وإسلام أهل اليمن على يديه، وبجهوده برسالة النبي (صلوات الله عليه وعلى آله) التي بلّغها فيهم، وبما كان عليه هو (عليه السلام) من مؤهلات إيمانية، وأخلاقية، ومعرفية مؤثرة جسّد فيها قيم الإسلام على أرقى مستوى، فرأى اليمنيون آنذاك في الإمام علي (عليه السلام) في أخلاقه، في قيمه، في قدرته على التبليغ للرسالة الإلهية وهو يدعو إليها - مبعوثاً من النبي صلوات الله عليه وعلى آله، مبعوثاً من خاتم الأنبياء وسيد الرسل محمد بن عبدالله (صلوات الله عليه وعلى آله). رأى أهل اليمن في الإمام علي (عليه السلام) قيم الإسلام، وأخلاق الإسلام، ومبادئ الإسلام، ورأوا فيه أيضاً وسمعوا منه معارف الإسلام نقية أصيلة - فكان أن عظُم ارتباطهم بالإسلام، وبالنبي، وبالقرآن، وبالإمام علي عليه السلام، وبقي هذا الإرتباط الوثيق والصادق بالإسلام رسالة ومنهجاً ونبياً، وبتلميذ الرسول الأكرم (الإمام علي عليه السلام) بقي ثابتاً وأصيلاً تتوارثه الأجيال في بلدنا اليمن جيلاً إثر جيل، لم تستطع أي عوامل، أو مؤثرات خارجية أو طارئة أن تُمحي من الوسط اليمني هذا الإرتباط المبدأي، والفكري، والثقافي، والقيمي، والأخلاقي بالإسلام العظيم، وبرموزه العظماء، وبالنبي الخاتم محمد(صلى الله عليه وآله وسلم). ولهذا كان لليمنيين دورٌ متميّز عبر التاريخ، وكان لهذا الإرتباط المبدأي، والثقافي، والفكري، والوجداني أثراً عظيماً وطيباً في نفوس أهل اليمن في أخلاقهم - في قيمهم - في ثباتهم على المبادئ، وكان له أثره الكبير في وفائهم لهذه المبادئ ولهذه القيم.
نحتفل اليوم في كثير من المناطق في بلدنا اليمن - كما يحتفل البعض أيضاً في مناطق أخرى من العالم، ومن حقنا أن نحتفل بهذه المناسبة الدينية العزيزة علينا، والتي لها حالةٌ إستثنائية، ولها أيضاً موقعٌ عزيزٌ في مبادئنا، وقيمنا، وثقافتنا، وفكرنا، والآخرون الذين يشنّعون علينا، أو يعترضون، أو ينتقدون، أو يتحاملون، أو يستاءون..لا مبرر لهم أبداً.
نحن نلحظ أنه في الآونة الأخيرة - يتزامن مع هذه المناسبة إطلاق حملات دعائية ومشوّهة تعتمد إلى حد كبير على الأكاذيب والإفتراءات والتقوُّل علينا بما لا نقول، ولا نعتقد، ومحاولةً لتشويه هذه المناسبة العزيزة والمهمة. ومن العجيب أن كثيراً من الكتابات والمقالات تنطلق من بعض الكتّاب اليساريين أو الحداثيين الذين يعتبرون أنفسهم يتبنّون الديمقراطية، وحرية الكلمة، وحرية الرأي! ثم لا نرى هذه الحرية لديهم، ولا ديمقراطيتهم أمام مثل هذه المناسبات التي لا يطيقونها، ولا يتحمّلونها - بل يهاجمونها ويشنّعون، ويحرضون.. إلى غير ذلك! كذلك البعض الذين دائماً - بلجهة طائفية مقيتة - يحاولون التصدي لمثل هذه المناسبة، وهي مناسبة دينية مشروعة تستند إلى أصل ثابت، وتتحدث عن مناسبة عظيمة، عن مقام عظيم.
هذه المناسبة أيها الإخوة الأعزاء: هي أولاً شهادةٌ للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ببلاغه التاريخي العظيم الذي حينما بلّغه قال أمام الملأ جميعاً (ألا هل بلّغتُ..اللهم فاشهد). إننا ونحن نحيي هذه المناسبة، وعبر الأجيال - إنما نشهد للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه بلّغ ذلك البلاغ الذي أُمر بتبليغه.
هذه المناسبة أيها الإخوة الأعزاء: هي أيضاً تخليد لذلك البلاغ الذي أراد له الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) أن يبقى في أمته عبر الأجيال - تعرف به الأمة جيلاً بعد جيل - لأن بلاغات الرسول وتوجيهات الرسول التي أطلقها عامةً في أوساط أمته، وأوساط المؤمنين والمؤمنات هي للأمة كلها عبر الأجيال، جيلاً بعد جيل، وخصوصاً ما يتعلق بالثوابت والأسس، والقضايا المهمة والرئيسية التي ليست وقْتِيَّة، ولا ظرفية - إنما هي للأمة كلها جيلاً بعد جيل. فهذه المناسبة هي تخليد، وهي إحياء، وهي أيضاً حفاظٌ على ذلك النص المهم الذي أقرّت به كل المدارس الفكرية والثقافية - الدينية في أوساط المسلمين، كل المذاهب في مدارسها وفي كتبها الحديثية المهمة أقرّت، وأكدت، ونقلَت واقعة الغدير وبلاغ الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) في يوم الولاية؛ ذلك البلاغ التاريخي العظيم، وذات الأهمية الكبيرة للأمة؛ فنحن نحافظ على نص نبوي مهم يبقى متوارثاً بين أوساط الأمة - معنى ذلك أننا نحيي سنة رسول الله، وأننا نحافظ بحق على سنة رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) وبلاغاته المهمة التي وجهها إلى أمته، والتي يترتب عليها أمورٌ مهمة جداً في واقعها وحياتها سنتحدث عنها في سياق حديثنا في هذه الكلمة.
أيضاً من ما يناسب أو من أهمية ما في هذه المناسبة أنها مناسبةٌ لترسيخ مبدإ قرآني، إسلامي، نبوي، إيماني - من أهم المبادئ وهو مبدأُ الولاية، ومبدأُ الولاية ليس مبدأً يعبّر فقط عن طائفة ابتكرته، أو مذهب اخترعه، أو مدرسة فكرية أنتجته، أو متقِّول تقوّل به.. لا!.. إنه نصٌ من الله العظيم، إنها آيات القرآن التي تتلى في كتاب الله في (سورة المائدة) وإنه البلاغ التاريخي العظيم المتواتر بين الأمة والذي نقلته كل مدارسها، ومذاهبها؛ هذا البلاغ الذي على لسان الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) في "يوم الغدير".
إن مبدأ الولاية هو مبدأٌ من أهم المبادئ في الإسلام، والطريقة والنص القرآني الذي تضمن هذا المبدأ، وقدم له المفهوم الواضح والبيّن - قدّمه بما يدلل على أهميته القصوى. إن الله سبحانه وتعالى قال في كتابه الكريم {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ}المائدة آية55- 56. هكذا يقدم الله لنا فيما قاله هو سبحانه وتعالى، وليس فيما رجّحه مفكّر، أو نطق به كاتب، أو قدمه شخص آخر كفرضية يريد أن يفرضها على الناس.. لا!.. إنما قدم الله سبحانه وتعالى لنا هذا المبدأ كمبدأ عظيم نحتاج إلى أن نستوعبه جيداً، وأن نتفهمه جيداً، وبعيداً عن الحساسيات المذهبية، وبعيداً عن التقوّلات التي تستهدف التشويه - التشويه للفكرة، التشويه للمبدأ، التشويه للثقافة. يعتاد الآخرون أن يتقوّلوا ويرسموا من عندهم هم صورةً سلبية؛ ثم يجعلون منها هي هدفاً لكلامهم، لمقولاتهم، لتعليقاتهم، لانتقاداتهم، لتشنيعاتهم.. إلى غير ذلك؛ إلى ما هو أكثر من ذلك! إلى تحريضهم - إلى عدائهم.. إلى غير ذلك؛ ولكن نأتي لنتناول الموضوع في جو النص القرآني - في جو كتاب الله كمسلمين - كمؤمنين بعيداً عن أطروحات الآخرين، وعن تفكريهم - كمؤمنين بكتاب الله - بآيات الله - برسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) كمتمسكين بمنهج الله؛ ما هي ولاية الله سبحانه وتعالى؟ {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ} إن الحساسية لدى البعض تجعلهم في موقف سلبي جداً بعيداً عن مسألة من أهم المسائل في الإسلام {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ} سبحانه وتعالى. الله جل شأنه تحدث عن ولايته في القرآن الكريم كثيراً وكثيراً.
إن ولاية الله والتولي لله هي علاقةٌ إيمانيةٌ، وعروةٌ وثيقةٌ يرتبط بها الإنسان المؤمن مع الله سبحانه وتعالى، ولاية الله سبحانه وتعالى وهو الرب، وهو الملك، وهو الإله، وهو الهادي، وهو المدبّر، ولايته لعباده المؤمنين يتولى هو رعايتهم، وهدايتهم، ونصرهم، ومعونتهم؛ إن هذه الولاية تعبّر عن طبيعية العلاقة الإيمانية، والارتباط الوثيق بين المؤمن وبين الله - المؤمن الذي يتولى الله - يعتمد على الله - يلتجئُ إلى الله - يستعين بالله - يستنصر بالله، وهو أيضاً يسير في واقع حياته على ضوء توجيهات الله، وتعليمات الله، وهداية الله سبحانه وتعالى. هذه الولاية التي قال عنها جل شأنه {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ}البقرة 257. هكذا هي الولاية الإلهية، ولاية هداية ونور ونصر { ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ} سورة محمد(11) {وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ}آل عمران(68). {وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ} الجاثية(19). آيات كثيرة تتحدث عن ولاية الله، وكيف نتولى الله، وكيف تكون عملية التولي لله حالةً من الارتباط الإيماني الوثيق بالله سبحانه وتعالى في كل مقامات الحياة؛ رؤيةً وبصيرةً، ونوراً، واستبصاراً، وفي مواجهة التحديات، والأخطار، والأعداء، والمعضلات، وكذلك إرتباطاً بحبل الله سبحانه وتعالى الذي به نكسب من الله معونته، ونصره، ورعايته، وتوفيقه، وتسديده، ونتفيأ في ظل الولاية الإلهية برحمة الله الرحيم، وكرم الله الكريم، ونصر الله القوي العزيز؛ وهكذا هي مسألة إيمانية طبيعية، بعيداً عن تشويه الآخرين ومحاولتهم أن يتحدثوا عن المسألة بطريقة بشعة ومشوّهة وكأن المسألة لا أساس لها لا في القرآن، ولا على لسان الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله).
ثم يقول الله {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ} ولاية الرسول من موقعه في الرسالة؛ رسولاً يبلغ رسالات الله، قائداً، هادياً، زعيماً، مربياً، معلماً، مرشداً، له ولايةٌ علينا فيما يوجّهنا به من توجيهات الله، ودين الله، وتعاليم الله، وإرشادات الله سبحانه وتعالى. { النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ}الأحزاب(6).النبي ولايته علينا أولى بنا حتى من أنفسنا - أولى بهم من أنفسهم، هكذا يقول الله في القرآن الكريم، وولايته علينا التي فيها أن نهتدي به، أن نحبه، أن نحذُوَ حذْوَه، أن نتأسى به، أن نسير بسيرته، أن نستجيب له، أن نتبع أوامره التي هي من أوامر الله سبحانه وتعالى. {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ}سورة النساء(80) {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ}آل عمران(132) {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ}المائدة(92). وهكذا هو ارتباط حميم، ووثيق - إرتباط اهتداء، واقتداء، واتباع، وتمسّك بمحبة، بإعزاز بالنبي (صلوات الله عليه وعلى آله) وولاية الرسول هي امتداد لولاية الله سبحانه وتعالى في مستوى الرسالة، وفيما يتعلق بالرسالة من مسئوليات رساليّة قام بها النبي (صلوات الله عليه وعلى آله) على أكمل وأتم وجه {وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ}المائدة(55). وكان الإمام عليٌ (عليه السلام) الذي هو بالإتفاق بين المفسرين من انطبقت عليه هذه المواصفات. الإمام علي قُدّم هنا بمواصفاته الإيمانية كمؤمن في أعلى درجات الإيمان، وأيضاً كمجسّد للقيم الروحية والأخلاقية للإيمان العظيم في عبادته لله سبحانه وتعالى، في رحمته بالناس، في اهتمامه بأمر الأمة.
الإمام علي (عليه السلام) قُدّم في نص "الغدير" وفي كثير من النصوص - قُدّم لهذه الأمة كتلميذ للرسول يجسّد في واقعه الحياتي، والعملي، والأخلاقي، والقيمي، والمعرفي النموذج الأكمل والأرقى، وحلقة الوصل الآمن والأوثق، والرابط العظيم الذي ترتبط به الأمة إلى نبيها (صلوات الله عليه وعلى آله) في "مدرسة الإسلام الكبرى والعظيمة " مدرسة الإسلام في منهجها، وفي رموزها، وفي مقدساتها، وفي قيمها، وفي أخلاقها.
الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) وحينما كان عائداً من حجة الوداع، ووصل إلى "غدير خم - ما بين مكة والمدينة" وأتاه الأمر الإلهي بتقديم البلاغ التاريخي وهو على مقربة - لم يبق بعدها إلاّ عدة أشهر حتى توفاه الله؛ فإذا به وبعد الترتيبات المتميزة والإستثنائية في ذلك اليوم لجمع الحجيج وهم عشرات الآلاف، وبعد أن رُصّت له أقتاب الإبل صعد عليها ومعه عليٌ (عليه السلام) ونادى والناس صامتون، وكلهم يترقب الموقف، وكلهم يتأمل المشهد، وكلهم يصغي، وقدّم مقدمةً في خطبته المهمة والتاريخية. ثم حينما وصل إلى الموضوع الأهم والمقصود قال (صلوات الله عليه وعلى آله) (يا أيها الناس إن الله مولاي، وأنا مولى المؤمنين أولى بهم من أنفسهم، فمن كنت مولاه فهذا عليٌ مولاه، اللهم والِ من والاه، وعادِ من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله) وهذا النص هو مما أجمعت الأمة عليه، وتلقته بالقبول، وهو متواترٌ بين أوساط الأمة، وبقي بينها جيلاً بعد جيل تتوارثه في مجاميعها الحديثية المهمة.
الإمام علي (عليه السلام) في نصوص كثيرة يقدمه الرسول لهذه الأمة بما هو عليه من مؤهلات إيمانية عالية - باعتباره هو الأكمل إيماناً والأرقى، والذي يمكن أن يقوم بهذا الدور المهم في أوساط الأمة بعد رحيل الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) رجلاً عظيماً في مستوى المسؤولية الكبيرة.
الإمام علي(عليه السلام) الذي قال عنه الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) فيما أجمعت الأمة على صحته (عليٌ مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي) الذي قال عنه الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) فيما هو ثابتٌ لدى الأمة جميعاً (لا يحبك إلا مؤمن، ولا يبغضك إلا منافق) علامة فارقة، دور أساسي ومهم - لهذا المستوى تصبح محبة الإمام علي (عليه السلام) علامةً فارقةً بين المؤمن الصادق، وبين المنافق المتملق، والمنتسب للإسلام وهو بعيدٌ عن روح الإسلام. المنافق لا يمكن أن ينسجم مع الإمام علي (عليه السلام) له دائماً موقف سلبي من الإمام علي(عليه السلام) أما المؤمن الصادق فهو يجد نفسه في مدرسة الإيمان، وفي أخلاق الإيمان، وفي قيم الإيمان، وفي مبادئ الإيمان ملتقياً مع الإمام علي (عليه السلام) والإمام علي في تلك المدرسة هو أستاذ عظيم، ومربي، وقائد، ومتميز. ولذلك النبي (صلوات الله عليه وعلى آله) في مقامات كثيرة بلّغ الأمة، وتحدث إلى الأمة عن علي (عليه السلام) لأنه يؤسس لدور مهم لهذا الرجل العظيم الذي أراد للأمة أن ترتبط به إرتباطاً مهماً.
النبي (صلوات الله عليه وعلى آله) حتى على المستوى المعرفي والعلمي وهو يقول: (أنا مدينة العلم وعليٌ بابها) فعليٌ جسّد الكمال الإيماني في أمة محمد على كل المستويات، على مستوى المبادئ، والأخلاق، والقيم، والعلم، والمعرفة، على مستوى المؤهلات اللازمة لطبيعة المسئولية الكبيرة.
الإمام علي (عليه السلام) قال عنه الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) في قصة خيبر (لأعطين الراية غداً رجلاً يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، كرارٌ غير فرار يفتح الله على يديه) بمحبتنا للإمام علي (عليه السلام) نحن نحب من يحبه الله ورسوله. أفلا نحبه نحن؟ أفلا نحب من أخبرنا النبي (صلوات الله عليه وعلى آله) أنه رجلٌ يحظى بمحبة الله ومحبة رسوله؟ وهذه دلالة قاطعة على أنه رجلٌ مؤمنٌ صادقٌ عظيمٌ في كمال الإيمان.
الإمام علي عليه السلام الذي قال عنه الرسول وهو يتحدث عن مدى ارتباط هذا الرجل بالقرآن الكريم (عليٌ مع القرآن والقرآن مع علي) وقال عنه في مقام آخر (عليٌ مع الحق والحق مع علي) أيضاً هو الذي أخبر النبي (صلوات الله عليه وعلى آله) أنه سيقاتل على تأويل القرآن كما قاتل النبي على تنزيله، من سيتولى الحفاظ على المفاهيم النقية والصحيحة للقرآن الكريم - حينما يعمد البعض إلى تحريف تلك المفاهيم في أوساط الأمة.
وهكذا نجد أن الإمام علي (عليه السلام) - الإمام علياً عندما نتحدث عنه لم نفعل منكراً أبداً، وهذه المناسبة مناسبة عظيمة ودينية ومتميزة وإيجابية، والإمام علي عليه السلام كان في ما قاله عنه الرسول وفي ما شهد به التاريخ له، فيما نقله التأريخ من سيرته وأعماله ومواقفه - فيما قدمه من معارف - كذلك واقعاً متطابقاً..واقعاً متطابقاً، فيما نُقل عن النبي بشأنه، وفيما نُقل عنه هو - في أقواله وأعماله وممارساته، منذ بدء أمره، منذ أن كان تلميذاً وجندياً عظيماً في مدرسة الإسلام ومع النبي (صلوات الله عليه وعلى آله) وقد خضع لتربية خاصة وعناية إلهية كبيرة، وكذلك من بعد وفاة الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) إلى حين لقي الله شهيداً، وحينما تمكن من الوصول إلى موقع الخلافة وبايعته الأمة، والتفت حوله الأمة، وأقامت دولةً إسلامية كان (عليه السلام) في موقعه في المسئولية في توجيهاته، وقراراته، ومواقفه، وسيرته العادلة قدم النموذج العظيم والراقي للحاكم المسلم.
الإمام علي (عليه السلام) حينما نقف فقط مع بعض نصوصه التي قدمها إلى بعض ولاته - مثلاً في عهده إلى مالك الأشتر، من يتأمل تلك النصوص يجدها نصوصاً متميزةً - تدلل فعلاً على أن هذا الرجل هو الذي يمتلك الرؤية القرآنية الصحيحة عن ولاية الأمر في الإسلام ومهام الحاكم المسلم.
نقرأ بعضاً من هذه النصوص تبركاً في هذا اليوم العظيم، يقول الإمام علي (عليه السلام) في عهده إلى مالك الأشتر بعدما ولاه إلى مصر :
بِسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيم
هذَا مَا أَمَرَ بِهِ عَبْدُ اللهِ عَلِيٌ أَميِرُ الْمُؤْمِنِينَ، مَالِكَ بْنَ الْحَارِثِ الاْشْتَرَ فِي عَهْدِهِ إِلَيْهِ، حِينَ وَلاَّهُ مِصْرَ: جِبَايَةَ خَرَاجِهَا، وَجِهَادَ عَدُوِّهَا، وَاسْتِصْلاَحَ أَهْلِهَا، وَعِمَارَةَ بِلاَدِهَا.
هكذا لخّص مهام الحاكم المسلم في أربع نقاط أساسية - جِبَايَةَ خَرَاجِهَا، وَجِهَادَ عَدُوِّهَا، وَاسْتِصْلاَحَ أَهْلِهَا، وَعِمَارَةَ بِلاَدِهَا - شملت هذه النقاط الأربع الأمور الأساسية التي هي من مسئوليات بل من صميم مسئوليات الحاكم المسلم والوالي في الإسلام.
فماذا يأمره به؟ أَمَرَهُ بِتَقْوَى اللهِ، وَإِيثَارِ طَاعَتِهِ، وَاتِّبَاعِ مَا أَمَرَ بِهِ فِي كِتَابِهِ: مِنْ فَرَائِضِهِ وَسُنَنِهِ، الَّتِي لاَ يَسْعَدُ أَحَدٌ إِلاَّ بِاتِّبَاعِهَا، وَلاَ يَشْقَى إِلاَّ مَعَ جُحُودِهَا وَإِضَاعَتِهَا، وَأَنْ يَنْصُرَ اللهَ سُبْحَانَهُ بَقَلْبِهِ وَ يَدِهِ وَلِسَانِهِ، فَإِنَّهُ، جَلَّ اسْمُهُ، قَدْ تَكَفَّلَ بِنَصْرِ مَنْ نَصَرَهُ، وَإِعْزَازِ مَنْ أَعَزَّهُ. وَأَمَرَهُ أَنْ يَكْسِرَ نَفْسَهُ عِنْدَ الشَّهَوَاتِ، وَيَزَعَهَا عِنْدَ الْجَمَحَاتِ، فَإِنَّ النَّفْسَ أَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ، إِلاَّ مَا رَحِمَ اللهُ.
ثُمَّ اعْلَمْ يَا مَالكُ، أَنِّي قدْ وَجَّهْتُكَ إِلَى بِلاَد قَدْ جَرَتْ عَلَيْهَا دُوَلٌ قَبْلَكَ، مِنْ عَدْل وَجَوْر، وَأَنَّ النَّاسَ يَنْظُرُونَ مِنْ أُمُورِكَ فِى مِثْلِ مَا كُنْتَ تَنْظُرُ فِيهِ مِنْ أُمُورِ الْوُلاَةِ قَبْلَكَ، وَيَقُولُونَ فِيكَ مَا كُنْتَ تَقُولُ فِيهِمْ، وإِنَّمَا يُسْتَدَلُّ عَلَى الصَّالِحِينَ بِمَا يُجْرِي اللهُ لَهُمْ عَلَى أَلْسُنِ عِبَادِهِ.
فَلْيَكُنْ أَحَبَّ الذَّخَائِرِ إِلَيْكَ ذَخِيرَةُ الْعَمَلِ الصَّالِحِ، فَامْلِكْ هَوَاكَ، وَشُحَّ بِنَفْسِكَ عَمَّا لاَ يَحِلُّ لَكَ، فَإِنَّ الشُّحَّ بِالنَّفْسِ الاْنْصَافُ مِنْهَا فَيَما أَحْبَبْتَ أَو كَرِهْتَ.
وَأَشْعِرْ قَلْبَكَ الرَّحْمَةَ لِلرَّعِيَّةِ، وَالْـمَحَبَّةَ لَهُمْ، وَاللُّطْفَ بِهِمْ، وَلاَ تَكُونَنَّ عَلَيْهِمْ سَبُعاً ضَارِياً تَغْتَنِمُ أَكْلَهُمْ، فَإِنَّهُمْ صِنْفَانِ: إِمَّا أَخٌ لَكَ فِي الدِّينِ، وَإمّا نَظِيرٌ لَكَ فِي الْخَلْقِ.
الله ما أعظم هذه المعادلة، وما أعظم هذه الأسس، وما أرقى هذه التوجيهات - كيف يربّيه حتى في المستوى الوجداني، والنفسي، والشعوري تجاه الرعية. ثم يقدم له أساساً مهماً في التعاطي معهم.
فَإِنَّهُمْ صِنْفَانِ: إِمَّا أَخٌ لَكَ فِي الدِّينِ، وَإمّا نَظِيرٌ لَكَ فِي الْخَلْقِ، يَفْرُطُ مِنْهُمُ الزَّلَلُ، وَتَعْرِضُ لَهُمُ الْعِلَلُ، وَيُؤْتَى عَلَى أَيْدِيهِمْ فِي الَعَمْدِ وَالْخَطَاَ، فَأَعْطِهِمْ مِنْ عَفْوِكَ وَصَفْحِكَ مِثْلَ الَّذِي تُحِبُّ أَنْ يُعْطِيَكَ اللهُ مِنْ عَفْوِهِ وَصَفْحِهِ، فَإِنَّكَ فَوْقَهُمْ، وَ وَالِي الأَمْرِ عَلَيْكَ فَوْقَكَ، وَاللهُ فَوْقَ مَنْ وَلاَّكَ! وَقَدِ اسْتَكْفَاكَ أَمْرَهُمْ، وَابْتَلاَكَ بِهِمْ.
ثم يقول له محذراً له من الظلم ومن الإستبداد (وَلاَ تَنْصِبَنَّ نَفْسَكَ لِحَرْبِ اللهِ) لأن من يتسلط على عباد الله بالظلم والجور ويستغل منصبه ومسئوليته في الجبروت والظلم للناس هو يدخل في خصومة مباشرة مع الله.
وَلاَ تَنْصِبَنَّ نَفْسَكَ لِحَرْبِ اللهِ، فَإِنَّهْ لاَ يَدَ لَكَ بِنِقْمَتِهِ، وَلاَ غِنَى بِكَ عَنْ عَفْوِهِ وَرَحْمَتِهِ. وَلاَ تَنْدَمَنَّ عَلَى عَفْو، وَلاَ تَبْجَحَنَّ بِعُقُوبَة، وَلاَ تُسْرِعَنَّ إِلَى بَادِرَة وَجَدْتَ مِنْهَا مَنْدُوحَةً، وَلاَ تَقُولَنَّ: إِنِّي مُؤَمَّرٌ آمُرُ فَأُطَاعُ، فَإِنَّ ذلِكَ إِدْغَالٌ فِي الْقَلْبِ، وَمَنْهَكَةٌ لِلدِّينِ، وَتَقَرُّبٌ مِنَ الْغِيَرِ. وَإِذَا أَحْدَثَ لَكَ مَا أَنْتَ فِيهِ مِنْ سُلْطَانِكَ أُبَّهَةً أَوْ مَخِيلَةً.
تعاظمت نفسك أنك قد أصبحت والياً، وحاكماً - لديك جيش - لديك إمكانيات.. إلى غير ذلك، فأحدَثَ لك هذا أُبَّهة، أو مَخِيلَة.
فَانْظُرْ إِلَى عِظَمِ مُلْكِ اللهِ فَوْقَكَ، وَقُدْرَتِهِ مَنْكَ عَلَى مَا لاَ تَقْدرُ عَلَيْهِ مِنْ نَفْسِكَ، فَإِنَّ ذلِكَ يُطَامِنُ إِلَيْكَ مِنْ طِمَاحِكَ، وَيَكُفُّ عَنْكَ مِنْ غَرْبِكَ، ويَفِيءُ إِلَيْكَ بِمَا عَزَبَ عَنْكَ مِنْ عَقْلِكَ.
ثم يحذره من عوارض المسئولية التي يُبتَلَى بها البعض من حالة التعاظم، أو الإستكبار، أو التعالي، أو التغطرس - لأنه صار حاكماً، أو زعيماً، أو مسئولاً. - إِيَّاكَ وَمُسَامَاةَ اللهِ فِي عَظَمَتِهِ، وَالتَّشَبُّهَ بِهِ فِي جَبَرُوتِهِ، فَإِنَّ اللهَ يُذِلُّ كُلَّ جَبَّار، وَيُهِينُ كُلَّ مُخْتَال.
ثم يوجّهه توجيهاً عظيماً ومهماً على أساس من العدل - أَنْصِفِ اللهَ وَأَنْصِفِ النَّاسَ مِنْ نَفْسِكَ، وَمِنْ خَاصَّةِ أَهْلِكَ، وَمَنْ لَكَ فِيهِ هَوىً مِنْ رَعِيَّتِكَ، فَإِنَّكَ إِلاَّ تَفْعَلْ تَظْلِمْ، وَمَنْ ظَلَمَ عِبَادَ اللهِ كَانَ اللهُ خَصْمَهُ دُونَ عِبَادِهِ، وَمَنْ خَاصَمَهُ اللهُ أَدْحَضَ حُجَّتَهُ، وَكَانَ لله حَرْبا حَتَّى يَنْزعَ أَوْ يَتُوبَ..
وهكذا يستمر في تقديم توجيهات ثمينة وعظيمة لم نسمع بها لأي حاكم أو زعيم، ونجد أنفسنا كمسلمين أحوج ما نكون إلى استرجاع تلك القيم، والمبادئ، والأخلاق لتكون حاضرة في واقعنا وفي حياتنا، في مستوى المسئولية وفي كل واقع الحياة، ونجد أنفسنا أيضاً أحوج ما نكون إلى ترسيخ مبدأ الولاية والإرتباط الوثيق بالإسلام في منهجه، وفي رموزه، وفي مقدساته - خاصةً ونحن في مرحلة تواجه الأمة فيها أكبر المساعي من المستكبرين لطمس هويتها، وتزييف وعيها، وفصم ارتباطها بمنهجها، ومبادئها، وقيمها، وإسلامها.
نحن في مرحلة لا يمكن أن نحتمي من مستوى الغزو الهائل والكبير الثقافي، والفكري، وعلى كل المستويات إلاّ بهذه المبادئ - بمبدئ الولاية أولاً - هذا الرابط الوثيق الذي يربطنا بوعي، وبفهم، وببصيرة بمنهجنا، ومبادئنا، وقيمنا، ورموزنا، ومقدساتنا.
وهنا يمكن أن نستفيد من هذه المناسبة في هذا السياق وبقدر ما تتعاظم جهود الأعداء في هذا الشأن، ولتحقيق مبادئهم أو أهدافهم المشؤومة والسيئة التي تستهدفنا في قيمنا الحضارية والإسلامية والأخلاقية والإنسانية - بل تستهدفنا في وجودنا كأمة..كأمة لها تاريخ، لها مبدأ، لها دين، لها حضارة - يستهدفوننا لمحو وطمس معالم هويتنا وديننا ومبادئنا وأخلاقنا ووجودنا الحضاري بكله. نحتاج اليوم إلى هذه القيم وإلى هذه المبادئ.
نحن أيها الأخوة الأعزاء في بلدنا اليمن ونحن نحتفي بهذه المناسبة في كثير من المناطق كمناسبة أصيلة ليست طارئة في واقعنا اليمني، وبالتالي: البعض الذين يحاولون أن يعملوا حالة من الإستنفار الطائفي، أو المذهبي..أو غير ذلك - هم مخطئون.. هم مخطئون، لأننا مهما كان واقعنا اليمني نحن دائماً في تعايش قائم على أساس الإخاء ضمن مدرسة الإسلام الكبرى - كنا ولا نزال كذلك في بلدنا اليمن، كان الزيدية والشافعية على مدى التاريخ يعيشون جميعاً بعضاً مع بعض إخوة في الإسلام ويجمعهم الوطن الواحد، والهم الواحد، والمصير الواحد في عيش مشترك بود وإخاء واحترام متبادل.
اليوم ما يحاول البعض أن يثيره في البلد هو يأتي أصلاً في سياق سياسي، والبلد يمر بمرحلة حساسة ومهمة واستثنائية خصوصاً ونحن نعيش حالة الإستهداف كيمنيين - حالنا كحال سائر المنطقة - حال بقية الشعوب. كل شعوب المنطقة هي مستهدفة في كل شيء، جهود كبيرة على المستوى السياسي - على المستوى الأمني - على المستوى الاقتصادي - حربٌ شاملة..حربٌ شاملة على رؤوس شعوب هذه المنطقة في كل المجالات.
اليوم وبعد أن تقدم شعبنا اليمني إلى الأمام خطوات ثابتة وراسخة، وقوية، ووطيدة، هذه الخطوات في ظل ثورته الشعبية وهو ينشد تغيير واقعه نحو الأفضل - تَنْصَبّ المزيد من المؤامرات والمكائد، ولا تتعاطي القوى السياسية في البلد بقدر المسئولية - يعني تؤثر على البعض المناكفات السياسية، والبعض الآخر لا يزال محكوماً أيضاً بهاجسه الخاص كحزب، أو فئة معينة.
نحن ننادي في هذه المناسبة كل القوى السياسية في البلد أن تتعاطى بمسئولية، نحن أمام إستحقاق تاريخي، ومهم، ويخدم البلد، ولمصلحة البلد، وهو (إتفاق السلم والشراكة) إننا نؤكد على ضرورة الإسراع في تنفيذ هذا الإتفاق، وفي المقدمة الإسراع في الإتفاق على رئاسة الوزراء. اليوم يمكن أن يكلف رئيس الجمهورية شخصاً كفؤاً لرئاسة الوزراء، ومتفقاً عليه - لكن لماذا التأخير؟ التأخير هذا مشبوه، كل ما يجري في هذه الفترة من تأخير، ومماطلة، وتسويف، وتعاط بارد تجاه تنفيذ هذا الإتفاق، وتجاه تشكيل الحكومة ليس لمصلحة البلد أبداً - البلد يتضرر أكثر فأكثر وكأن البعض يحرص على أن يعطي للخارج فرصةً أكبر للتدخل أكثر في شؤون هذا البلد، ووضع المزيد من العراقيل والعوائق أمام شعبنا اليمني في مساره الثوري والسياسي لإصلاح وضعه وتغيير واقعه. الآخرون من يتآمرون على البلد هم المستفيدون من كل هذا التأجيل، والتأخير والتسويف، والمماطلة، والتعاطي البارد، والباهت، والضعيف أمام مسئولية كبيرة على الجميع، هم من يحركون في هذه الأيام الورقة الأمنية - تجلّى بوضوح في التفجير الغادر والإجرامي في ميدان التحرير أن الورقة الأمنية ورقة خارجية، المتظاهرون خرجوا لينتقدوا تدخل الخارج، وليطالبوا بعدم الإلتفاف على الإستحقاقات والمكاسب الثورية فقُتِلُوا.. فقُتِلُوا.. في هذا السياق - سياق واضح أن تخرج لتحتج على تدخل الخارج فتُقْتَل ماذا يعني هذا؟ يعني أن الورقة خارجية بامتياز، وهذا شيء معروف حتى لدى كبار المسئولين في الدولة - هم يعرفون أن ما يسمى بالقاعدة إنما هي ورقة خارجية تُفَعَّل في البلد وأول مستفيد ومفَعِّل ومغتنم لهذه الورقة هي أمريكا بالتأكيد - وهناك دول إقليمية أيضاً تستفيد. لماذا لا تريد بعض القوى الدولية والإقليمية لنا كيمنيين أن نكون شعباً مستقراً وآمناً، وأن نقيم لنا حكومةً عادلةً وفق مخرجات الحوار الوطني، وأن نصحح وضعنا ونلملم جراحنا، وكذلك نعمل على معالجة مشاكلنا كيمنيين، وأن يكون لنا في واقعنا وعلاقاتنا في المنطقة الدور الإيجابي؟ لماذا لا يريدون ذلك؟ ما الذي يريدوه بالضبط من شعبنا وبلدنا؟ هم ليس منبع قلقهم، ولا منبع مخاوفهم أن بلدنا إذا بنى واقعه، وبنى دولته، وأصلح وضعه، واستقر على المستوى الأمني، والسياسي، والإقتصادي، والإجتماعي - ليس هناك مخاوف من أننا بلد بدون قيم، أو بدون أخلاق، أو متوحشين، أو نمثّل شراً على العالم، أو على محيطنا العربي والإسلامي.. لا!.. لأن شعبنا اليمني معروف بقيمه، وأخلاقه، ومبادئه العظيمة والمتميزة -هو شعب كريم، وشهم، وعزيز، وأخلاقه عالية، ودوره إيجابي بالتأكيد - ليست مشكلتهم معنا هي ذلك - المشكلة هو أنهم لا يريدون لنا أن نكون بلداً مستقراً، ولا شعباً عزيزاً ولا حراً، مشكلتهم معنا هي أنهم يريدون أن يكونوا هم من يقرر ومن يتخذ القرار على كل المستويات - من يتحكم في واقعنا، أن نبقى شعباً ضعيفاً، مشتتاً، فقيراً، بئيساً، محروماً، لا نشهد أمناً، ولا نعيش استقراراً - هذا ما يريدونه بالضبط وهو ما لا يمكن أن يقبل به شعبنا اليمني.
في هذه الأيام أيضاً تعمد بعض القوى الدولية والإقليمية إلى تحريك الملف الجنوبي ليس حرصاً منهم في حل المشكلة الجنوبية، لو كانوا أهل حرص، أو كانوا سينطلقون من منطلق إنساني، وأخلاقي، وقيمي لما كانوا متفرجين على مأساة إخوتنا وأحبائنا في الجنوب منذ عام أربعة وتسعين وإلى الآن - هل أنهم كانوا نائمين فأفاقوا من رقدتهم وانتبهوا إلى واقع بئيس فتحركت فيهم الحمية الأخلاقية، ودفعهم الضمير الإنساني أن يتعاطوا مع المسألة.. لا!.. هم يتآمرون على الجنوب، هم لا يحبون لا الشماليين ولا الجنوبيين ولا أي يمني، هم يريدون لليمني أن يبقى تحت أحذيتهم ولا أن يرفع رأسه عزيزاً مستقلاً بقراره في أمر نفسه وتدبير واقعه. اليوم هم يتآمرون على الجنوب بمثل ما يتآمرون على الشمال بمثل ما يتآمرون على كل مواطن يمني، وهذا أمر مؤسف يتطلب وعياً عالياً من الجميع، وتعاطياً بمسئولية من الجميع - من كل القوى، ومن كل المكونات حتى نتعاطى بمسئولية أمام الله، وأمام التاريخ، وأمام شعبنا، وأمام مستقبلنا.
إنني أؤكد أننا نمد أيدينا لإخوتنا الجنوبيين لنكون إلى جانبهم، ونقف معهم بالعدل وللعدل لحل القضية الجنوبية التي هي قضية أساسية ورئيسية في البلد - لا يمكن تجاهلها، ولا تجاوزها، ولا تمييعها، والمتآمرون عليها كُثُر حتى من داخل الجنوب هناك من تآمر على القضية الجنوبية في الجنوب وفي الشمال - والآن هناك من يتآمر حتى من خارج البلاد.
وإنني أوجه دعوةً أخويةً ناصحةً صادقةً إلى الإخوة من القادة الجنوبيين المتواجدين في الخارج - حبذا لو أتيتم إلى بلدكم إلى صنعاء معززين، مكرمين، شامخين لمعالجة هذه القضية، ومناقشة هذه المشكلة، والوصول إلى الحل العادل في الإطار الداخلي وليس في الإطار الخارجي. أنا أعتقد اليوم أن الظروف مهيأة وأحسن من أي وقت مضى لحل المشكلة الجنوبية حلاً عادلاً - لأننا مستعدون كثورة شعبية أن نقف بكل ثقلنا مع إخوتنا في الجنوب، بكل إمكاناتنا، بكل رصيدنا الشعبي كثورة شعبية لحل مشكلتهم ومعاناتهم ومظلوميتهم.
وإنني أؤكد لهم من جديد أن لا يثقوا بالخارج تجاه القضية أبداً، الخارج لن يتعاطى أبداً على أساس مصلحتهم كجنوبيين، التعاطي الخارجي هو تعاط تآمري - هو يستهدف الجنوب ويستهدف فقط الإستغلال القذر بعد طول تعام وتجاهل وتآمر على القضية الجنوبية، هو يريد أن يستثمر القضية فحسب. ولذلك نحن معنيون في هذه المرحلة كشعب يمني، وكقوى، وكمكونات أن نبادر بدون تأخير إلى تنفيذ (إتفاق السلم والشراكة) وأن نبدأ جميعاً مع إخوتنا الجنوبيين خطوات متسارعة وجادة في معالجة وحل المشكلة الجنوبية حلاً عادلاً. وأنا أقول: وأتمنى أن يكون هذا أيضاً هو ما يؤمن به الجميع أن العدل هو الذي ينبغي أن يكون هو الأساس في حل أي قضية وأي مشكلة - ما فوق العدل هو ظلم، وما دون العدل هو ظلم، وينبغي أن نرضى جميعاً بأن يكون العدل هو الأساس الذي نُعَوِّل عليه.
على المستوى الأمني نجد أن هناك خلل أولاً في الإرادة السياسية - ليس هناك إرادة سياسية جادة في التعاطي مع الإختلالات الأمنية، هناك غضٌ للطرف، هناك تسهيلات لتنفيذ الجرائم - تصوروا أنه كان هناك خبر لدى الأجهزة الأمنية ومعلومة واضحة لديهم أن هناك مخطط لعملية تفجير ومع ذلك تغاضوا، وسكتوا، وتجاهلوا، وتركوا الوضع الأمني مفلوتاً، وتعاطوا بلا مسئولية. هناك مشكلة في الإرادة السياسية في البلد للتعاطي الجاد مع الإختلالات الأمنية ومع الأخطار التي تستهدف في المقدمة الجيش، وتستهدف الأمن، وتستهدف كذلك منشآت الدولة. هناك غضٌ للطرف، وتساهل مقصود ونحن لا نقبل بأن يستمر هذا التساهل وهذا التعاطي اللامسئول - لأنه يُضِر بالبلد، ويضر بالدولة، ويؤثر على حاضر ومستقبل البلد، وواجبنا كقوى سياسية، ومكونات، وثورة شعبية أن نضغط لمعالجة هذه المشكلة حتى تنشأ إرادة سياسية جادة للوقوف ضد الإختلالات الأمنية والأخطار على المستوى الأمني، وأن نتعاون في هذا السبيل جميعاً حكومةً، وشعباً، دولةً - الجميع معنيون بهذا لأنه يستهدفهم.
أيضاً على المستوى الأمني نفسه هناك إختلالات أمنية أيضاً تساعد عليها حالة الإختراق الكبير للمؤسسة الأمنية والعسكرية - حالة إختراق مؤكد - في مفاصل مهمة في المؤسسة العسكرية والمؤسسة الأمنية، ونحن نأمل أن تجري عملية تطهير وتصحيح للمؤسسة العسكرية والأمنية حتى لا تبقى مخترقة من قبل تلك الفئات الإجرامية التي تعمل لمصلحة الخارج وتسعى إلى تدمير وضع البلد.. والله المستعان وهو حسبنا ونعم الوكيل - نعم المولى ونعم النصير!
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته!