"ظاهرة كوباني"

الثلاثاء ١٤ أكتوبر ٢٠١٤ - ١٠:٥٣ بتوقيت غرينتش

اربعة اسابيع مرت على الهجوم الشامل الذي تشنه "داعش" على بلدة كوباني الكوردية السورية الصغيرة على الحدود مع تركيا ، دون ان تفلح كل دبابات ومدفعية وانتحاريي وذباحي و"جهاديي" "داعش" ، في كسر شوكة مجموعة من الفتيات و الفتيان الكورد من ابناء البلدة ، الذين عقدوا العزم على الدفاع عن مدينتهم ضد التكفيريين من شذاذ الافاق.

كل العمليات الانتحارية ل"داعش" داخل كوباني و لا القصف المدفعي المتواصل على البلدة ، ولا الحصار المفروض عليها من الجهات الاربع ، ولا الحرب النفسية التي تمارسها "داعش" على المقاتلين عبر التمثيل بجثث قتلى افراد وحدات حماية الشعب الكوردي كقطع رؤوس الفتيات الكورديات اللتي انتحرن قبل ان يسقطن اسريات بيد "داعش" ، ولا شحة السلاح والمواد الاساسية لدى المقاتلين المحاصرين داخل كوباني ، ولا حتى الحصار الذي يفرضه الجيش التركي على البلدة من الشمال ، ولا الموقف المتفرج للتحالف الدولي لمحاربة "داعش" ، كل ذلك لم يضعف من ارادة المقاتلات والمقاتلين على مواصلة القتال حتى النهاية.

لسنا هنا في وارد سرد بطولات مجموعة من البنات والاولاد في ريعان الشباب وهم يتصدون بمفردهم ، لاكثر المجاميع التكفيرية بطشا وقسوة ، دون ان يرتد لهم جفن ، او ان يسمحوا للخوف بالتسلل الى قلوبهم ونفوسهم ، وان كانت الملاحم البطولية التي يسطرها هؤلاء تستحق الاشادة والاطراء ، ولكننا اردنا من خلال هذه الاشارة ان نقول للجميع وخاصة للعراقيين والسوريين الذين كبوا ب"داعش" ، ان "داعش" التي حاولت ان ترسم لنفسها صورة مرعبة ومخيفة ، لدى الاخر ، لهزيمته نفسيا قبل اي مواجهة ، هُزمت امام فتيات وفتيان كوباني ، وهي الان مصابة بالجنون ، لانكشاف ضعفها وعجزها.

ان "داعش" هُزمت ، حتى لو سقطت كوباني ، لا سمح الله ، فمجرد ان تقاوم هذه البلدة الصغيرة الافا مؤلفة من مقاتلي "داعش" بدباباتهم ومدافعهم ، كل هذه الفترة الطويلة ودون مساعدة من احد ، هو انتصار بكل ما للكلمة من معنى ، هو انتصار لارادة الحياة امام ارادة الموت ، وانتصار للشجاعة امام الخوف ، وانتصار للجمال امام القبح ، "داعش" هُزمت في كل المقاييس ، وتحطمت اسطورتها والى الابد.

هناك العديد من الرسائل التي اطلقتها كوباني الى كل من يهمه الامر ، من العراقيين والسوريين ، وعلى هؤلاء جميعا ان يقرأوا هذه الرسائل وبدقة ، ومن بين هذه الرسائل:

-ان "داعش"  ليست بتلك القوة  التي لا يمكن مقاومتها او هزيمتها ، فاذا كانت قد عجزت وبان ضعفها امام مجموعة  من الشباب والشابات كل هذه الفترة وفشلت في تحقيق اي انتصار ، فهي امام الجيشين العراقي والسوري اعجز.

-ان ما حدث في الموصل وصلاح الدين والانبار في العراق وكذلك في العديد من المدن السورية ، لم يكن بسبب قوة وبطش "داعش" ، بل لا اسباب اخرى باتت معروفة.

-لا يجب التقليل من شأن الحشد الشعبي الذي تدفق من مختلف مناطق العراق بعد فتوى سماحة السيد السيستاني ، فهذا الحشد يحمل ذات الارادة التي يحملها ابناء كوباني.

-ان امضى واقوى سلاح في مواجهة "داعش" هو سلاح الارادة والاصرار على الانتصار ، فلا اثر للاسلحة المتطورة في حال غياب  تلك الاراده ، وبهذا السلاح فقط انتصرت آمرلي العراقية بالامس وتنتصر كوباني السورية اليوم.

-ان الوجه البشع الذي تحاول "داعش" ، ان تظهر عليه ، من خلال بثها لجرائمها عبر شبكات التواصل الاجتماعي ، مثل قطع الرؤوس والتمثيل بالجثث واعدام الاسرى واغتصاب وسبي النساء وقتل وبيع الاطفال ، سببه الاول والاخير هو الضعف الذي تشعر به ، وهذا الضعف يدفعها للقيام بكل هذه الممارسات ، التي تهدف الى ارعاب الاخر ، وهذا ما فعلته "داعش" في كوباني دون جدوى ، فعندما عجزت عن الحاق الهزيمة بوحدات حماية الشعب الكوردي ، اخذت تغطي على فشلها وضعفها بقطع رؤوس فتيات كورديات كن قد استشهدن في المواجهات.

لا يجب ان يمر السوريون والعراقيون من امام الملحمة الاسطورية التي يسطرها ابناء كوباني في تصديهم ل"داعش" مرور الكرام ، فالتأمل بما يجري في هذه البلدة ، وقراءة كل ابعاد المشهد المقاوم فيها ، والوقوف على عناصرقوته ، وكذلك قراءة كل ابعاد المشهد العاجز ل"داعش" ، والوقوف على عناصر ضعفه ، يمكن ان يساهم في تعميم  "ظاهرة كوباني" على جميع مناطق العراق وسوريا ، وعندها لن تقوم ل"داعش" قائمة.

*ماجد حاتمي - شفقنا