الى أين يأخذ العثمانيون الجدد تركيا والمنطقة؟

الى أين يأخذ العثمانيون الجدد تركيا والمنطقة؟
الثلاثاء ١٤ أكتوبر ٢٠١٤ - ١١:٢٥ بتوقيت غرينتش

التطورات الخطيرة التي تشهدها المنطقة ، وطريقة تعامل القيادة التركية مع هذه التطورات ، تشير الى ان المنطقة مقبلة على احداث جسام ، قد تقذف ليس بسوريا ، بل بالمنطقة ومن ضمنها تركيا في اتون فوضى عارمة لا يعرف الا الله الى اين ستؤدي.

المتتبع لاداء صقور حزب العدالة والتنمية ومن بينهم الرئيس التركي رجب طيب اردوغان ورئيس الوزراء احمد داوود اوغلو و وزير الخارجية مولود جاويش اوغلو ، لا يملك الا ان يقف مذهولا ازاء مواقف هؤلاء ازاء ما يجري من احداث في الاراضي السورية القريبة من حدودهم ، فهي مواقف لا تأخذ بنظر الاعتبار النتائج الكارثية التي قد تترتب عنها.

الحقيقة لا نعرف بالضبط ماذا يمكن ان نوصف به اداء القيادة التركية ازاء ما يجري من حولها ، فهو اداء متعال ومتصلب لا يقبل اي مرونة او انعطافة ، فتركيا مازالت تغرد خارج سرب امريكا وحلفائها ، فبينما العالم اجمع يدعو الى محاربة "داعش" ، تدعو هي الى محاربة النظام السوري ، والى اقامة منطقة عازلة ، ومنطقة حظر جوي في شمال سوريا ، وترفض حتى السماح بمد كورد كوباني بالاسلحة الخفيفة او حتى تقديم المساعدات الانسانية لهم ، وهو ما اثار استياء العالم اجمع حتى حلفاء انقرة في امريكا و اوروبا.

 اخر رد تركي على المطالب الدولية لانقرة لها لاتخاذ اجراءات تحول دون سقوط كوباني بيد "داعش" ، جاء على لسان وزير الخارجية التركي مولود جاويش اوغلو ، وهو رد قفز فوق كل الحقائق ، حيث وصف مولود انشاء ممر للأسلحة وللمقاتلين المتطوعين من تركيا الى بلدة كوباني التي تتعرض لهجوم "داعش" بانه " أمر غير واقعي"!!.

وما هو اغرب من وصف الممر ب"غير الواقعي" ، كان تبرير مولود لرفض تركيا تقديم اي مساعدات لكورد كوباني حيث قال :"قتل البعوض واحدة تلو الأخرى ليس الاستراتيجية الصحيحة. يجب ان نجتث الاسباب الجذرية لهذا الوضع..." ، اما ما هي الاسباب الجذرية من وجهة نظر مولود ، فيلخصها بسبب واحد لا غير وهو .." من الواضح انه نظام الاسد في سوريا"!!.

وما زاد طين تبريرات مولود بلة قوله إن : "تركيا لا يمكنها فعلا منح أسلحة لمدنيين ومطالبتهم بالعودة لقتال جماعات ارهابية ...فإرسال مدنيين الى الحرب جريمة!!".

هنا يتضح استهزاء صقور حزب العدالة والتنمية ، بما يجري في كوباني ، فالجميع يعرف ان حياة الكورد ليست غالية الى هذا الحد لدى القيادة التركية ، ، ثانيا هذه القيادة تعرف ان من يقاتل داخل كوباني هم مدنيون وليسوا عسكريين ، وان اربعين بالمائة منهم فتيات ، ولكن مع هذا لنفترض ان تركيا ولدواع انسانية ترفض ارسال متطوعين كورد واسلحة الى كوباني ، ولكن الا يعني هذا انها تحكم على الاف الاشخاص داخل كوباني بالموت لتركهم دون مساعدة ؟، وهل ، وفقا لرؤية مولود ، على اهالي المدن ان يستسلموا للزمر الارهابية لانهم ليسوا عسكريين ؟ ، اليس من الشجاعة ان تقاوم الشعوب الغزاة عندما تكون الحالة كما هي عليه الان في كوباني ؟، ترى من الذي اوقف تقدم "داعش" صوب ديالي وبغداد والمدن المقدسة؟ اليس الحشد الشعبي الذي تشكل بعد فتوى سماحة السيد السيستاني؟.

ان قادة تركيا يعرفون اكثر من غيرهم ان تبريراتهم لموقفهم الشائن ازاء كوباني مضحكة وحتى سخيفة ، ولكنهم للاسف لا يقيمون وزنا لا لمخاطبيهم ولا للراي العام العالمي ولا للارواح التي تزهق كل يوم على بعد امتار من دباباتهم وجيشهم.

ومن اجل الوقوف اكثر على سلوكيات صقور حزب العدالة والتنمية ازاء ما يجري في تركيا نفسها وفي كوباني ، ورؤيتهم الشاذة الى التطورات التي تشهدها المنطقة ، نتناول موقف اردوغان من التظاهرات التي اجتاحت مدن تركيا احتجاجا على الموقف الانتهازي واللاانساني للحكومة التركية ازاء كوباني ، والتي اسفرت عن سقوط اكثر من تلاثين قتيلا ومئات الجرحى ومثلهم من المعتقلين ، ومازالت تركيا وخاصة المناطق الجنوبية والجنوبية الشرقية منها تهتز على وقع هذه التظاهرات.

وبذات منطق مولود اوغلو حول استراتيجية القضاء على البعوض! ، شن أردوغان، هجوما على المتظاهرين بتعابير آثرنا ان ننقلها بحذافيرها ، لنقف على جانب من العقلية التي تحكم تركيا اليوم ، والتى يتقرر مصير المنطقة ، وللاسف ، على بعض ما يترشح عنها، يقول اردوغان ما نصه ان :“هؤلاء يُظهرون للعالم بأسره كم هم هجميون، عبر إحراق مدارس، ومتاحف، ومكتبات، وكتب، ويفعلون ذلك بصورة متعمدة، كي لا يتعلم الأكراد، ويبقون جاهلين، ولكي لا يذهب الأطفال الأكراد إلى المدارس، لأنهم إذا درسوا فلن يقعوا فريسة لمكائدهم، واستغلالهم”.

وفي محاولة منه لربط كل ما يجري من ردود فعل شعبية عفوية ازاء ما يحدث من ماساة انسانية في كوباني بحزب العمال الكردستاني ، يقول اردوغان : “بئسًا لهذه المنظمة الإرهابية الهمجية ، والذين يمارسون السياسة في ظلها”.

ومن دون ان يقدم رؤية واقعية في كيفية التصدي لمخاطر "داعش" التي اصبحت جارة لتركيا على حدود تمتد نحو 300 كيلومتر ، او يقدم وجهة نظر تخفف من قلق الكورد على مصير كوباني ، نراه يهدد المتظاهرين بمزيد من القمع فيقول  :“لا نرضخ لهؤلاء الذين يلعبون دور المطية في يد جهات دولية قذرة، بذريعة كوباني، وسنحاسبهم على ذلك”.

من بين الكم الهائل من التصريحات لكبار المسؤولين الاتراك في حزب العدالة والتنمية ، اكتفينا بالتوقف عند تصريحي مولود اوغلو و اردوغان فقط ، لان باقي التصريحات الاخرى مستنسخة عن بعضها البعض ، لكي نضع القارىء امام العقلية التي تتحكم بتركيا ، عقلية العثمانيين الجدد ، التي تتعامل بوفقية وانتهازية مع كل الماساة التي تدور من حولها والمخاطر التي تهدد تركيا والمنطقة ، وهي عقلية تحاول ان تعمم رؤيتها على الاخرين في كيفية التعامل مع الازمة السورية ، وهي رؤية في غاية الخطورة ، فهي مؤطرة بتراث عثماني يسعى اردوغان وحزبه لبعثه من جديد ، الامر الذي قد يُشعل المنطقة برمتها ، ولن تكون حتى تركيا في مأمن ، وهو ما يتطلب موقفا مسؤولا من عقلاء حزب العدالة والتنمية ، لاقناع  صقور الحزب بان يكونوا اكثر واقعية وان يتخلوا عن الاحلام العثمانية التي عفا عليها الزمن ، قبل ان تنفلت الامور اكثر مما هي منفلتة الان.

*ماجد حاتمي-alwaght