المفاوضات النووية وعُقم سياسة التسريبات

المفاوضات النووية وعُقم سياسة التسريبات
الأحد ٠٩ نوفمبر ٢٠١٤ - ٠٨:٥٤ بتوقيت غرينتش

هناك من اعتقد ان بالامكان ان يتحول يوم 24 تشرين الثاني / نوفمبر، الذي تنتهي فيه المهلة الثانية للتوصل الى اتفاق نووي بين ايران و5+1 ، الى استثناء وسابقة في تاريخ السياسية الامريكية ، لعجز اللوبي الصهيوني واليمين المسيحي المتطرف ، عن إفساد هذا الموعد ، عبر ممارسة اساليب الضغط والحرب النفسية ، من خلال نشر "تقارير استخباراتية" ، و"تسريبات صحفية" ، تؤكد على ان "ايران كانت تخدع الجميع"!!.

يبدو ان هذا الاعتقاد لم يكن في محله ، فهذا الموعد شأنه شأن كل المواعيد المهمة الاخرى ، التي تكون فيها ايران طرفا ، سبقته كالعادة عمليات كشف عن " وثائق سرية " تؤكد كلها على ان ايران "تخدع المجتمع الدولي"!! و "انها تسعى للمساومة في المفاوضات"!! ، الا ان الفرق الوحيد هذه المرة هو ان هذه الاسرار جاءت متاخرة.

قبل ايام من الموعد المذكور ، وخاصة من يوم 9 تشرين الثاني / نوفمبر ، حيث من المقرر ان يعقد وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف اجتماعا مع نظيره الأمريكي جون كري ومبعوثة الاتحاد الأوروبي كاثرين اشتون في سلطنة عمان ، لمحاولة تضييق الفجوات الكبيرة قبل استئناف المفاوضات رسميا في فيينا في 18 نوفمبر تشرين الثاني ، بدأ اللوبي الصهيوني واليمين المسيحي المتطرف كعادتهما ، حربا نفسية للتاثير على الاطراف المشاركة في المفاوضات ، وعلى عملية التفاوض ، وجعل اجواء المفاوضات اكثر تشنجا وتوترا بهدف افشالها.

قبل ايام فقط اعلنت صحيفة "وول ستريت جورنال" الامريكية اليمينية المحافظة ، نقلا عن مصادر وصفتها بالمطلعة أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما بعث سرا رسالة إلى قائد الثورة الاسلامية سماحة اية الله السيد علي الخامنئي في منتصف أكتوبر/تشرين الأول . ونقلت الصحيفة عن المصادر ذاتها أن رسالة أوباما تطرقت الى "المصلحة المشتركة" في محاربة "داعش" في العراق وسوريا.

وأضافت الصحيفة أن أوباما شدد للسيد الخامنئي ، على أن أي تعاون ضد "داعش " يتوقف إلى حد كبير على التوصل إلى اتفاق شامل بين إيران والقوى العالمية حول مستقبل البرنامج النووي لطهران.

وبعد يوم او يومين من خبر صحيفة "وول ستريت جورنال" وقبل يوم واحد فقط من اجتماع مسقط الثلاثي بين ظريف وكري واشتون ، جاء دور مؤسسة العلوم والأمن الدوليين الامريكية ومقرها واشنطن ، لتفجر قنبلة دخانية في وجه المفاوضات النووية ، مفادها ان ايران ربما انتهكت الاتفاق النووي المؤقت الذي أبرمته العام الماضي مع مجموعة 5+1 ، وذلك عن طريق تعزيز الجهود لتطوير جهاز يمكنها من تخصيب اليورانيوم بسرعة أكبر بكثير!!.

وذكرت "الوثيقة السرية"  التي كشفت عنها المؤسسة أن إيران عملت على تغذية جهاز واحد للطرد المركزي يعرف باسم آي.آر-5 بغاز اليورانيوم الطبيعي "على نحو متقطع" في منشأة أبحاث.

ومن حق القارىء ان يعرف ان المؤسسة التي كشفت عن هذا السر الخطير ، سر تغذية ايران لجهاز طرد مركزي "واحد" بغاز اليورانيوم وعلى نحو "متقطع"!! ، يديرها الصهيوني المعروف ديفيد اولبرايت ، الذي يتولى مهمة تزويد أعضاء الكونغرس الأمريكي بكل ما يتعلق بالبرنامج النووي الايراني !!.

قيل الكثير عن اسباب قيام الاعلام الامريكي بالكشف عن رسالة اوباما للسيد الخامنئي ، البعض اعتبر توقيت الكشف جاء لاحراج اوباما واظهاره بمظهر العاجز من قبل خصومه لاسيما الصحيفة التي اعلنت الخبر تابعة للجمهوريين والمحافظين ، والبعض الاخر اعتبر ان الهدف من الكشف عن الرسالة هو تحذير اوباما من تقدم اي تنازلات لايران بسبب فشل سياسته في المنطقة لاسيما في مواجهة "داعش" ، وهناك من راى العكس تماما ، حيث اعتبر ان الجهة التي كانت وراء تسريب خبر الرسالة هي ادارة اوباما ذاتها ، من اجل تشجيع ايران للدخول في مفاوضات مباشرة مع امريكا تشمل كل القضايا التي يختلف عليها البلدان ، ويكون اوباما بذلك يسجل نقطة لصالحه بعد هزيمة حزبه في الانتخابات التكميلية للكونغرس.

هذا ما يقوله الامريكيون عن انفسهم وعن حكومتهم ولاعلاقة لايران بكل ذلك ، الا ان ما يهم ايران بالدرجة الاولى ، هو ان تكف امريكا واسرائيل والدول الرجعية العربية عن سياسة استخدام الارهاب كوسيلة لتمرير اجنداتهم في المنطقة لاسيما في سوريا والعراق ولبنان ، فمثل هذه السياسة اثبتت فشلها من قبل في افغانستان ومناطق اخرى من العالم. فمن السهل جدا تجنيد وتسليح ودعم الزمر التكفيرية الارهابية ونقلها الى المناطق التي يُراد تأزيمها وضربها ، الا ان هذه الزمر لن تبقى دائما طوع بنان من اوجدها فهي كثيرا ما تعض  اليد التي ربتها ، كما كان حال القاعدة مع امريكا وباكستان والسعودية.

ترى ايران ان على امريكا ، لو كان صادقة في محاربتها للارهاب ، ان تكف هي وان تدعو حلفاءها في المنطقة الى ان يكفوا عن دعم الزمر الارهابية ، وان يقطعوا عنها كل مصادر التمويل ، عندها ستنهار "داعش" و "النصرة" تحت ضربات الجيش السوري والجيش العراقي و الجيش اللبناني ، دون الحاجة لكل هذا التحالف الدولي الذي يضم اكثر من خمسين بلدا.

ان ايران تتحرك وفق سياسة مبدئية ثابتة لا تتغير ، قائمة على:

-رفض اي مساومة على حقوقها المشروعة ومن بينها حقها في امتلاك برنامج نووي للاغراض السلمية.

-رفض المساومة على حقوق شعوب المنطقة وفي مقدمتها الشعب الفلسطيني.

-رفض المساومة على محور المقاومة.

لذا فمن الخطأ ان يشطح البعض في تحليل الاعلان عن خبر رسالة اوباما الى القيادة الايرانية ، وان يضع لنفسه مقدمات غير موجودة وغير يقينية ومن ثم يستخرج منها نتائج لاتتفق اي منها مع حقيقة السياسة الايرانية ، فرسالة اوباما الى القيادة الايرانية ليست الاولى ، ليثار حولها كل هذا الضجيج ، والربط بينها وبين البرنامج النووي الايراني و "داعش" ، فهذه الرسالة هي الرابعة التي ارسلها اوباما الى ايران منذ عام 2009 ، وكما لم تغير الرسائل الثلاث الاولى شيئا في السياسة المبدئية لايران ، فان الرسالة الرابعة لن تؤثر ايضا على هذه السياسة.

اما خبر الصهيوني ديفيد اولبرايت ، فهو كباقي اخبار الرجل "السرية" عن ايران ، تزوده بها اسرائيل ليمررها هو بدوره الى الجمهوريين.  ان مثل هذه الاخبار "السرية والخطيرة" اصبحت تافهة كتفاهة تهديدات نتنياهو لايران ، فهي لا تثير اهتمام الاخرين ، عدا المتصهينين ، فكم مرة اقتربت ايران من القنبلة النووية وفقا لاكاذيب الصهاينة في اسرائيل واللوبي الصهيوني في امريكا ، فمنذ اكثر من عشر سنوات وايران تفصلها شهر او شهرين او اربعة اشهر او ستة اشهر عن انتاج قنبلة نووية!!.

ان على الادارة الامريكية ان تستثمر الجدية والنية الصادقة التي دخلت بها ايران المفاوضات ، والا تضيع الفرصة التي قد لا تتكرر ابدا ، وان تكف عن سياسة "الكشف عن وثائق ورسائل سرية" وعن "تسريبات صحفية" قبيل كل جولة مفاوضات نووية ، فهذه السياسة لم ولن تدفع ايران للتنازل عن حقوقها النووية ، او للتخلي عن محور المقاومة ، فلا سبيل امام امريكا الا التحدث مع ايران بلغة محترمة لايشوبها ادنى تهديد.

ماجد حاتمي - شفقنا