الشيخ فرحان المالكي .. صوت الإعتدال المُغيّب

الشيخ فرحان المالكي .. صوت الإعتدال المُغيّب
الأربعاء ١٢ نوفمبر ٢٠١٤ - ٠٧:٢٠ بتوقيت غرينتش

هناك من يرى في تحميل السلطات السعودية ، المجموعات المتطرفة وحدها ، مسؤولية الجريمة الارهابية التي شهدتها قرية الدالوة في محافظة الاحساء ليلة العاشر من محرم هذا العام ، محاولة للتستر على الجهات الحقيقية التي تقف وراء هذه الجريمة النكراء ، وهي ليست سوى مشايخ التكفير والتطرف والمغالاة الذين طفحت بهم السعودية.

اللافت ان السلطات السعودية تحاول عبر مواقفها المعلنة والاعلام التابع لها ، الايحاء للشعب السعودي والراي العام العالمي ، ان صبرها قد نفد ازاء الاصوات التي تنفخ ليل نهار وبشكل علني بنار الفتنة الطائفية ، بينما على الارض لم تُسجل اية حالة اعتقال او ملاحقة او حتى تضييق لهذه الاصوات رغم كثرتها.

للاسف ان السلطات السعودية التي تدعي محاربة التطرف في المملكة ، لم تلجم لحد الان اي صوت من هذه الاصوات التكفيرية التي ساهمت وتساهم في اذكاء نار الفتنة الطائفية ، كما انها اقدمت مؤخرا على اعتقال المفكر الاسلامي الشيخ حسن فرحان المالكي ، الذي يعتبر من الاصوات المعتدلة والبعيدة كل البعد عن الطائفية ، لمجرد دعوته لاعتماد خطاب معتدل ومنصف ازاء الشيعة في السعودية ، وكذلك دعوته للجم الاصوات المتطرفة التي تدفع البلاد الى حالة من الانفجار.

كان الاولى بالسلطات السعودية ان تصغي للشيخ المالكي وان تاخذ بنصائحه ، التي حذر من خلالها اكثر من مرة من خطورة الغلاة والمتطرفين ، الذين هيمنوا على مفاصل مهمة في الدولة ، فالعمل بهذه النصائح هي التي كانت تجنب السعودية هذه الجرائم الارهابية التي يذهب ضحيتها الابرياء.

اعتقال الشيخ المالكي ، جاء على خلفية انتقاده لحكم الاعدام الصادر ضد اية الله الشيخ نمر باقر النمر ، وكذلك انتقاده للخطاب التحريضي التي تتبناه المؤسسة الوهابية ضد الشيعة في السعودية ، محذرا من ان هذه الاساليب وهذه المواقف هي التي تدفع بالامور في المملكة الى مزيد من الاستقطاب الطائفي ، وتلبد سماء المملكة بالغيوم الطائفية التي قد تنهمر جرائم واعمال عنف ، تسلب عن المجتمع استقراره وامنه.

تجاهل السلطات السعودية لتحذيرات ونصائح الشيخ المالكي وامثاله ، هو الذي قاد الى ما حدث في الدالوة ، فالذي حصل في ليلة العاشر من محرم كان نذير شؤم لايام مقبلة حبلى باحداث لا تقل مرارة عن مرارة جريمة الدالوة . ان تجنب المعالجة الجذرية لظاهرة التطرف والتكفير ، والاكتفاء بالتعامل الامني معها سيزيد من استفحالها وانتشارها.

نصيحة الشيخ المالكي للسطات السعودية ، والتي اعلن عنها اكثر من مرة ، واخرها وهو في السجن كما ينقل عنه نجله ، هي دعوته الى معالجة التطرف معالجة استراتيجية ، تتمثل بالتركيز على النقد الذاتي ، بداية من نقد التراث الوهابي نفسه ثم السلفي ثم التاريخي.

ويرى الشيخ المالكي ان من واجبه مساعدة الدولة السعودية لاخراجها من ورطتها ، فالجهات التنفيذية و وزارة التربية والتعليم والاعلام و وزارة الشوؤن الاسلامية قد رسخوا ثقافة شعبية مغالية عامة يتبناها اغلب الشعب السعودي .. لذلك الدولة في ورطة  بين محاربة الغلو والاستجابة له ، وهو ما يفسر سجن من يدعم التطرف مع من يحارب التطرف في زنزانة واحدة ، لان الدولة والمؤسسات التنفيذية تأبى الاستجابة للعلاج الجذري للتطرف، وانما تعالج معالجات ساذجة.

كما يدعو الشيخ المالكي الجهات التنفيذية في المملكة الى ان تترفع عن مسايرة الغلاة وعن التأثر بضغوطاتهم ، لذلك نراه يتهم الوهابية والمتطرفين بالأجهزة الحكومية بانهم هم من اعتقلوه ، فهو يقول في رسالة لنجله من سجنه ، لسنا اصحاب تنظيم سياسي او معارضة سياسية، ولا حتى معارضة مذهبية، لا حتى معارضة مذهبية للمذهب القائم ، وإنما نحن معارضة فكرية للغلو، سواء كان هذا الغلو معادياً للدولة او داخل مؤسسات الدولة، وسنبقى على هذا الموقف المعتدل الهادي المعرفي.

ولكن كيف يمكن محاربة الغلو الذي يهيمن على المشهد الديني والاجتماعي في السعودية وبشكل جذري يقطع دابر التطرف والتكفير؟، يرى الشيخ المالكي ان افضل وسيلة لانقاذ السعودية من الغلو والتطرف تكمن في عدم الاستسلام للاصنام المعرفية وهي : ( صنم السلف ,  صنم الصحابة ,  صنم العلماء ) ، وهي اصنام يجب تفكيكها بالنصوص الشرعية (ان يخضع الصحابة والعلماء والسلف للقرآن الكريم والسنة النبوية)، كما يقول المالكي ، فمن ذمته النصوص ذممناه - ولو كان صحابياً - ومن مدحته النصوص مدحناه - وإن انعدمت النصوص سيكون التقييم بالوقائع التاريخية - سواء من حسن سيرة او من سوء سيرة.

هذه الاستراتيجية التي يؤمن بها الشيخ المالكي لمحاربة الغلو والتطرف والتكفير في السعودية ، هي استراتيجية يتمسك بها حتى وهو في السجن حيث يقول مخاطبا نجله : يبقى نقدي في الغلاة قديماً وحديثاً في مكانه.. ولن يتزعزع الا ببرهان.. لن يتزعزع بالاستعداء ولا بتحالف الغلاة مع المؤسسات الحكومية ضدي، فنحن اصحاب برهان ومعرفة ومواطنون، لنا حق التفكير والتعبير.. وليس من العدل ان يتم اعتقال صاحب الفكر مع صاحب الحزام والتفجير.

مثل هذا الرجل وبدلا من ان يُكرم لحرصه على شعبه وبلده واسلامه ، نراه يُسجن في زنزانة واحدة مع عتاة المجرمين والمجانين ، فيما دعاة التكفير ينفثون سمومهم في المجتمع دون حسيب ولا رقيب ، بينما السلطات السعودية لا تنفك تتساءل عن اسباب ميل الشباب السعودي نحو التطرف والعنف؟!.

*ماجد حاتمي - شفقنا