أوغلو يتباكى على القدس وعينه جاحظة على سورية

أوغلو يتباكى على القدس وعينه جاحظة على سورية
الإثنين ١٧ نوفمبر ٢٠١٤ - ٠٦:٤٧ بتوقيت غرينتش

لا يخجلُ رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو من الزعم أنّ الاعتداءات «الإسرائيلية» على القدس تدفع بلاده إلى نجدتها، ومن دون أن يرفّ له جفن يعلن استعداده لتحرير المسجد الأقصى.

فعلى مَنْ يضحك السيد أوغلو، وهو الأستاذ الجامعي الذي يعرف تاريخ علاقات بلاده بالقضية الفلسطينية.
نحو خمس عشرة حرباً عربية ـ «إسرائيلية»، سقط فيها مئات آلاف الشهداء وتمّ تهجير ملايين الفلسطينيين من أراضيهم من فلسطين التاريخية وسحق من صمد. قتل عشرات الآلاف من السوريين والمصريين واللبنانيين خلال اجتياح لبنان حتى عاصمته بيروت في 1982، سقط آلاف القتلى اللبنانيين في حرب الصمود التاريخي في 2006، تمّ تدمير غزة في 2014، مع استمرار الاغتيالات في الضفة الغربية، بالإضافة إلى المجازر التي يحفل بها تاريخ «إسرائيل» مثل مجزرتي بحر البقر في مصر وقانا في جنوب لبنان وغيرهما، والاغتيالات المتواصلة وزهاء ثلاثين إلى أربعين عملٍ تخريبي صهيوني استهدف المسجد الأقصى، أحدها حين استهدف إرهابي صهيوني المصلين في المسجد الأقصى، وقتل منهم العشرات. كل هذه الأحداث لم تكن كافية لتشجع أنقرة على اتخاذ موقف وحيد تدين فيه ما ترتكبه «إسرائيل»، بل على العكس تمتعت بعلاقات سياسية واقتصادية متقدمة معها في إطار التنسيق العسكري المشترك وبرعاية حلف الناتو.

فما الذي استجدّ حتى دبّت النخوة في رأس أوغلو ومعلمه أردوغان؟
حاول الرئيس أردوغان في وقت سابق حين كان رئيساً للوزراء، استخدام «إسرائيل» لكسب ودّ العرب، فافتعل الهجوم الكلامي على شمعون بيريز في سويسرا ولم تردّ عليه «إسرائيل» لأنها فهمت مقاصده، وأرسل سفينة مرمرة لدعم غزة المحاصرة راجياً «إسرائيل» أن تسمح له بأداء دور البطل «روبن هود» الذي يريد جذب «الأعاريب» وضمّهم إلى سلطنته العثمانية الجديدة، لكنّ حساب الحقل اختلف عن حساب البيدر، فهاجمت «إسرائيل» السفينة وقتلت عدداً من الفلاحين الأتراك الأبرياء، وتوعّد أردوغان حينها اليهود بالثبور وعظائم الأمور، مكتفياً بخطابات من العيار الثقيل اعتبرتها «إسرائيل» فقاعات صابون لا تؤذي ورفضت الاستجابة لمطالبته بالتعويض. فلماذا يهدّد أوغلو «إسرائيل» اليوم؟ إنه يحاول العودة إلى مسرح الأحداث وخطب ودّ العرب بإظهار بلاده حامية للمسلمين، وليس مستغرباً أن يكون هذا الموقف منسَّقاً مع «إسرائيل»، فالأخيرة لن تخسر شيئاً وربما ربحت ثقة أنقرة من جديد.
الوجه الآخر لتهديد أوغلو يدفعنا إلى طرح التساؤل التالي: هل تستطيع تركيا فعلاً تحرير المسجد الأقصى؟ الأكيد أنّ تركيا لا تفكر في هذا الأمر مطلقاً وطرحته لفظياً لكي يواكب محاولات أميركية ـ أممية لعقد تسوية تقوم على تحييد حلب وحمايتها بغطاء جوي من التحالف الدولي، وهو مشروع يعيدنا إلى طموحات تركيا المستمرة لإنتاج السلطنة العثمانية مجدّداً، ذلك أنّ إعادة تعويم حلف أردوغان- الإخوان المسلمين له معنى وحيد: إعادة بناء «المعارضة السورية التكفيرية» تحت مسميات جديدة في مدينة حلب وصولاً إلى الحدود التركية، فتستطيع بذلك أن توازن مع قوات النظام وتشكل بديلاً من «داعش» وربما «النصرة» تقبله. وهكذا تتقاطع الحاجة الأميركية إلى «معارضة ما» مع الطموح التركي الذي يريد اختراق المنطقة من بوابة سورية.
أما نقطة التناقض بين اهتمامات أميركا وآمال تركيا، فمردّها إلى حاجة أميركا إلى توازن قوى بين النظام القوي والمعارضة كي تدفع باتجاه التسوية بمواكبة روسية. وفي المقابل، فإنّ تركيا لا تريد تسوية وهي تصرّ على إسقاط نظام الرئيس بشار الأسد كوسيلة لاختراق المشرق تحت رايات الإخوان المسلمين.
فعن أي مسجد أقصى يتكلم أوغلو؟ وأي إسلام يدعو إليه أردوغان المحرّض على الفتنة المذهبية، في خطاباته الانتخابية؟ هذه هي مشاريع أنقرة، وبقي أن نعرف مدى الاستجابة السورية لهذه المشاريع، وأن نتبين ردود الفعل الفلسطينية على ثرثرات رئيس وزراء تركيا.
بالنسبة إلى سورية، لا خوف على نظام يواصل الإمساك بمعظم أجزاء البلاد منذ أربع سنوات باقتدار وتمكن. وعلى الرغم من أممية التآمر على الدولة السورية، فقد استطاع هذا النظام الصمود في وجه إرهابيات دولية ونحو 80 دولة، وحدود مفتوحة بآلاف الكيلومترات. هذا النظام لن يسمح بفقدان حلب «الشهباء» التي فكك الإرهابيون مصانعها وباعوها خردة في الأسواق التركية برعاية الاستخبارات التركية الملحقة بمكتب رئيس الوزراء مباشرة.
ويأتي دي ميستورا ويرحل… ويحطّ غيره في تحركات مكشوفة ومتواصلة، تؤكد أهمية النظام السوري والعجز عن تجاوزه. أما الفلسطينيون فقد أصبحوا يعرفون أنّ اهتمامات أوغلو مقتصرة على «الإخوان المسلمين»، ولو كان يمتلك القوة التي يدّعيها، لدافع عن حركة حماس التابعة لـ«الإخوان» في حرب غزة الأخيرة، لكنه صمت معتصماً بخُبث عثماني، تواصل دمشق العصية على التآمر، كشفه وتوضيح مراميه. فمن اتخذ من «داعش» و«النصرة» حلفاء، لا مكان له حيث توجد الحضارة وينتفض التاريخ للدفاع عن مراحله.
وفيق ابراهيم / المنار