فقراء السعودیة یغرقون فی بحر النفط

فقراء السعودیة یغرقون فی بحر النفط
الخميس ٢٧ نوفمبر ٢٠١٤ - ٠٧:١٩ بتوقيت غرينتش

قبل عقود من الان كان الحديث عن وجود فقراء معدمين في السعودية ضربا من الخيال، او من التجني على النظام السياسي السعودي من قبل معارضية واعدائه، الا انه وبعد ثورة المعلومات والمساحة الحرة التي وفرتها وسائل الاتصال الحديثة، تبين ان هناك قطاعات واسعة من الشعب السعودي لا تعيش في حالة فقر وعوز فقط بل في فقر مدقع، دفع بعض السعوديين الى ان يبيع اعضاء جسده ليسد بها رمقه، او الى العيش في المقابر.

البعض مازال يشكك بما يقال عن ظاهرة الفقر والتسول التي اخذت تطفو على سطح المجتمع السعودي، ويعتقد انه جرى تضخيمها من قبل الاخرين، ومن حق هذا البعض ان يشكك، فالمنطق يقول ان السعودية التي تعتبر منتج النفط الأول على مستوى العالم، حيث وصل متوسط انتاجها في عام 2013 إلى نحو 9.8 مليون برميل يوميا، وسجلت ايرادات وصلت الى  نحو 300 مليار دولار، ما يمثل نحو ثلث إجمالي إيرادات نفط أوبك، فمثل هذه الارقام التي تجعل نصيب الفرد في المتوسط من الدخل القومي يقترب من ثلاثين ألف دولار سنويًا، لا يمكن باي شكل من الاشكال ان ينفذ من خلالها الفقر الى المجتمع السعودي.

وساعدت الفوائض النفطية على تحقيق فائض بموازنة العام 2013 بنحو 55 مليار دولار، ما أسهم في زيادة أصول الصندوق السيادي للمملكة، إلى نحو 676 مليار دولار بنهاية العام وفق تقديرات معهد صناديق الثروة السيادية الأمريكي، وهو ما يجعل الحديث عن الفقر والنفط في المملكة العربية السعودية نوع من المفارقة.

هذه الارقام تشهد قفزات عالية في عام 2014 بعد ان تجاوز انتاج السعودية من النفط ال 11,500 مليون برميل يوميا، الامر الذي يُدخل ارقام فلكية الى الخزينة السعودية، وهو ما يجعل اي مراقب يرفض احتمال، مجرد احتمال، وجود الفقر في المجتمع السعودي، ولكن الواقع ليس كذلك على الارض.

الأرقام تتحدث

رغم التعتيم الحكومي على وجود الفقر في المجتمع السعودي الا ان الامر خرج عن سيطرة الحكومة وانكشف المستور، فقد ذكرت التقديرات غير الرسمية ان نسبة الفقراء بالمملكة وصلت إلى 25% من السعوديين، البالغ عددهم نحو 20 مليون نسمة بما يعادل 5 ملايين مواطن.

من البيانات الموثقة عن وجود الفقر بالسعودية، ما جاء في بيان الموازنة العامة للمملكة عن العام 2014، حيث جاء ضمن المخصصات مبلغ 29 مليار ريال سعودي (7.7 مليار دولار)، لبرامج معالجة الفقر، والمخصصات السنوية المتعلقة بالأيتام، وذوي الاحتياجات الخاصة، والضمان الاجتماعي.

ووفقاً للإستراتيجية الوطنية لمكافحة الفقر، التي لم تُعلن بشكل رسمي بعد وسُربت نسخ منها للصحافة المحلية، فإن أكثر المناطق فقراً في المملكة هي منطقة جازان في جنوب البلاد، إذ بلغ عدد الأسر التي تعيش فقراً مدقعاً نحو 9700 أسرة.

وحسب هذه الإستراتيجية: “إن نسبة الأسر الواقعة تحت خط الفقر المطلق في منطقة جازان تبلغ 39 في المائة من إجمالي الأسر القاطنة فيها، كأعلى المناطق، وتأتي نجران (جنوب المملكة) ثانياً بـ 24.53 في المائة، فالمدينة المنورة (غرب المملكة) بـ 24.07 في المائة، تليها الحدود الشمالية (شمال المملكة) بـ 23.59 في المائة.

الفقر المدقع دفع بعض السعوديين الى العيش في المقابر، كما سجل ذلك المخرج بدر الحمود في احد افلامه القصيرة بعنوان “مقبرة” يحكي قصة أسرة مكونة من 11 فرداً، تعيش في أحد مقابر عاصمة الرياض، مصوراً حالتها المزرية.

السلطات السعودية ومن اجل الحيلولة دون الكشف عن حالة الفقر التي يعيشها السعوديون، ألقت القبض على ثلاثة من شباب مدوني الفيديو وتم سجنهم لمدة أسبوعين لإنتاجهم فيديو ونشره على الإنترنت يتحدث عن الفقراء في السعودية.

الفقر دفع الكثير من الفقراء السعوديين الى ركن الكبرياء جانبا ومدوا ايديهم يتسولون الناس، و قد أسفرت عملية واحدة قام بها مكتب مكافحة التسول في السعودية عن ضبط 3772 متسولا في البلاد الغارقة بالنفط.

وكشف المتحدث باسم وزارة الشؤون الاجتماعية في المملكة السعودية محمد العاصمي عن أن نسبة التسول بين المواطنين وصلت إلى 18%.

اما مشكلة السكن فهي مشكلة كبيرة يعاني منها الكثير من السعوديين، فقد افادت إحصائيات لوزارة الاقتصاد السعودية بأن ثلاثة ملايين أسرة سعودية تسكن في منازل تستأجرها، وهو ما يعني أن أسرتين فقط من كل خمس أسر تملك منزلا في السعودية.

اما وفقا للارقام الغربية عن حقيقة مشكلة السكن اشارت صحيفة "الفايننشال تايمز" في تقرير لها الی هذه المشكلة وقالت: حقيقة مرة لا يتقبلها البعض على أن السعودية تحوي فئات كثيرة من الضعفاء (الفقراء) وأن أكثر سكانها لا يملكون منازل خاصة وتقدر هذه النسبة بـ 55 بالمائة، اي نصف من ابناء البلد فقراء.

الفقر قنبلة موقوتة

الفقر في السعودية قد يتجاوز كونه قضية اجتماعية ليتحول إلى قضية سياسية قد تشكل خطرا على النظام القائم ، فقد نشر معهد "بروكينغز" الأميركي مؤخرا تقريرا أشار إلى أن الفقر الذي يستشري في السعودية قد يسعر نار الاحتجاجات الشعبية على الحكم.

وحذر التقرير الذي كتبه بروس ريدل الخبير بالشؤون السياسية بمركز "سابان" لشؤون الشرق الأوسط التابع للمعهد من نار تحت الرماد قد تؤدي الى ثورة حيث يقول إن 60 في المئة من السعوديين هم في سن العشرين أو أقل وغالبيتهم لا يأملون بالحصول على أي عمل، كما أن 70% من السعوديين عاجزين عن الحصول على سكن لهم و 40% منهم يعيشون تحت خط الفقر. هذا في حين أن العائلة المالكة المكونة من 25 ألف أمير تستأثر بالأراضي الخصبة وتنعم بنظام يمنح البعض منها الحقوق والبعض الآخر الأموال.

ويشير ريدل إلى أن المشكلة التي تتفاقم أكثر فأكثر في السعودية هي أن عدد النساء المتعلمات يزداد كل يوم ليلتحقن بركب سابقاتهن العاطلات عن العمل. وما يكشف عن مدى جسامة المشكلة هو النساء يشكلن نسبة 60 في المئة من المتعلمين في المملكة ولا يحصل سوى 12 في المئة منهن على وظيفة.

الأسباب الحقيقية للفقر في السعودية

بعد هذه الارقام التي اشرنا اليها عن عائدات النفط الخيالية للسعودية، وكذلك الارقام الخاصة بالفقر والبطالة والتسول في السعودية، هناك سؤال يطرح نفسه وبقوة مفاده: كيف يمكن جمع هذين المتناقضين، ارقام خيالية الى جانب فقر مدقع؟

اعتقد انه ليس هناك اي تناقض في القضية، كما ان الجواب على هذا السؤال ليس بالعمل الشاق، فكل المتابعين للشان السعودي وطريقة الحكم في هذا البلد يعرف جيدا ان سبب وجود فقراء سعوديين يعود بالدرجة الاولى الى النظرة التي ينظر من خلالها حكام السعودية، واقصد ابناء واحفاد الملك عبدالعزيز ال سعود، الى الثروة النفطية والشعب السعودي، فهذه النظرة هي التي تحدد طبيعة تعامل ال سعود مع عائدات النفط والشعب السعودي،  فهناك فجوة هائلة ما بين الفرد السعودي العادي وامراء ال سعود، فابناء واحفاد الملك السعودي المؤسس تصنفهم مجلة فوربس بانهم من أغنى أغنياء العالم، رغم انهم لم يجمعوا ثروتهم من عرق جبينهم، بل هي من عائدات النفط السعودي، التي تعتبر ملك الشعب، ولكن هؤلاء الامراء لا ينظرون الى هذه الثروة على انها ملك الشعب، بل هي ملك لهم، ولا يحق لاي كان ان يحاسبهم او يعترض عليهم.

هذه الحقيقة لم تغب حتى ان اقرب حلفاء ال سعود فهذه صحيفة "الفايننشال تايمز" البريطانية كتبت تقول: أن الشائع بين الناس داخل السعودية وخارجها أن كل ابن وحفيد من أبناء "عبد العزيز بن سعود" لديه راتب شهري يقارب الـ100 ألف ريال من الحكومة، ومنحة سنوية بحدود 400 ألف ريال، ليصبح مجموع الدخل السنوي حوالي مليون وستمئة ألف ريال لكل فرد من أبناء "عبد العزيز"، إلا أن ما تحدثت عنه وكالات الأنباء بعد وفاة "سلطان عبد العزيز" وتوزيع ثروته بين أبنائه والبالغ مقدارها 285 مليار دولار قد صدم الجميع دولاً وشعوباً، وخاصة أبناء الشعب السعودي الذين يعيش غالبيتهم في فقر مدقع.

مجتهد يفضح الامراء

ليس هناك في السعودية وخارجها من لا يعرف "مجتهد"، الذي بلغ عدد متابعيه في تويتر أكثر من أربعة آلاف مشترك يومياً، ويعتقد أن صحة ودقة المعلومات والارقام التي يقدمها عن فساد الامراء السعوديين تشير إلى قرب مجتهد من الأسرة الحاكمة وإطلاعه على كثير من الخبايا، إن لم يكن أحد أعضائها مجتهد هذا، الذي أطلق عليه بعض رواد الفضاء الافتراضي اسم "جوليان أسانج النجدي"، تيمما بصاحب موقع "ويكيليكس"، غرّد مئات التغريدات التي تتهم بعض الأمراء بسرقة ونهب الثروات الوطنية.

ووجه "مجتهد" سهامه إلى الأمير عبدالعزيز بن فهد بن عبدالعزيز آل سعود، وزير الدولة عضو مجلس الوزراء ورئيس ديوان مجلس الوزراء سابقا، والأمير طلال بن عبدالعزيز آل سعود، مؤسس "برنامج الخليج الفارسي لدعم منظمات الأمم المتحدة الإنمائية".

وفي تغريداته على الأمير عبد العزيز بن فهد، يسأله "مجتهد" عن قصره في الرياض "الذي يتكون من عدة قصور وكلف الدولة حوالي 12 مليار ريال" وعن "بيته في جدة الذي يمسح مليون متر مربع وكلف مليار ريال"، وعن أسهمه "في البنك الاهلي وجنرال الكتريك ومرسيدس وشركات وعقارات تصل قيمتها الإجمالية اكثر من 300 مليار ريال".

ويسأله "هل صحيح أنك تمتلك خمس طائرات خاصة، منها ثلاث ‏'‏بوينغ‏'‏ فخمة، كلفت الدولة أكثر من ملياري ريال، مع صيانتها على حساب الخطوط السعودية؟". ويسأله كذلك عن أسطول اليخوت التي يمتلكها والتي كلفت ملياراً ونصف المليار، مع صيانتها وتجديدها".

كما انتقد  "مجتهد" الأمير طلال وخصص له عدة صفحات من التغريدات متهما فيها إياه خاصة بسرقة "ممتلكات عقارية هائلة، تقدر بعشرات الملايين من الأمتار وعشرات المليارات من الريالات".

وخاطبه قائلا "يا طلال، انت تشارك في الاستيلاء على 80 بالمائة من ارض الوطن وسرقت من البلد أكثر من 100 مليار".

وأضاف: لن نصدقك حين تتحدث عن برلمان منتخب وأنت الذي تقول ‏"البلد شركة وآل سعود مجلس إدارتها‏‏"، في إشارة إلى مطالبات الأمير طلال المتكررة بإجراء إصلاحات في المملكة.

فضيحة صفقة اليمامة

اما رائحة الفساد التي تزكم الانوف فقد فاحت من صفقة الاسلحة التي وقعتها السعودية مع بريطانيا، والمعروفة بصفقة اليمامة، حيث تلقى العديد من الامراء السعوديين مليارات الدولارات على شكل عمولات، هي فضيحة هزت النظام السياسي البريطاني، وتم حلها خارج نطاق المحاكم بعد تهديد السعودية بالغاء الصفقة.

وتعود قصة صفقة اليمامة الى عام 1985 عندما وقع وزير الدفاع البريطاني، مايكل هيزلتاين مع السعودية المرحلة الأولى من صفقة اليمامة التي نصت على تزويد السعودية بطائرات تورنيدو وبي أيه إي هوك الحربيتين وتقديم الدعم الفني والصيانة المتعلقة بهما، بالإضافة إلى إنشاء قاعدة عسكرية ضخمة لهذه الطائرات في السعودية، وقد بلغت قيمة الصفقة حوالي 43 مليار جنيه إسترليني (86 مليار دولار أمريكي).

و وردت أسماء عديدة في هذه الصفقة تورطت في عمليات رشاوى وفساد، على رأسهم موقعها وولي العهد السابق الأمير سلطان بن عبد العزيز، وأبناؤه: بندر وخالد، وتركي بن ناصر وابنه فيصل بن تركي ووالدته الأميرة نورة بنت سلطان بن عبد العزيز آل سعود، وأحد أبناء الملك عبد الله وهو الأمير فهد. ورئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري وابنه سعد الحريري ووفيق السعيد، وهو ملياردير سوري يحمل الجنسية السعودية والصديق المقرب من الملك فهد. وقد حاول مكتب التحقيقات في الجرائم الخطيرة البريطاني التحقيق في أحد حساباته في البنوك السويسرية ولكن تم وقف التحقيق.

شهادة الأميرة بسمة

اذكر ان الأميرة بسمة بنت سعود آل سعود وهي من العائلة الحاكمة في المملكة سئلت في مقابلة مع هيئة الإذاعة البريطانية البي بي سي، عن من هو المسؤول الحقيقي عن فقر الشعب السعودي الذي تتنافس دول الغرب على ثرواته، فردت أن النظام السعودي فاسد ويفتقد الى الشفافية لأن نصف سكان المملكة فقراء.

واضافت، أن 50 في المئة من سكان المملكة فقراء ومحتاجون، بالرغم من أننا دولة من أغنى دول العالم على وجه الأرض.

ما قالته الاميرة بسمة هو عين الحقيقة، ففساد الامراء السعوديين تطفح بها وسائل الاعلام المرئية والمسموعة والمقروءة في العالم اجمع ولا حاجة لنا ان نذكر امثلة فهي لا تعد ولاتحصى، ولكن كمثال على هذا الفساد، دفع امير سعودي 500 ألف دولار فقط من اجل مجالسة ممثلة أميركية لمدة 15 دقيقة !!.

نفقات نشر الوهابية ودعم المجموعات التكفيرية

لم يأت الفكر التكفيري الذي ينخر في العالم من فراغ، فهذا الفكر الذي ضرب في امريكا واوروبا واسيا وافريقيا واستراليا وكندا وروسيا والصين وفي العالمين العربي والاسلامي، كان نتاج عمليات باهظة الثمن، تولت السعودية تموليها من عائدات نفط الشعب السعودي، واستغرقت عقودا طويلة، تجسدت اليوم بالقاعدة و "داعش" و"النصرة" وباقي المجموعات التكفيرية الاخرى.

ان الدعم المالي والتسليحي للسعودية للمجموعات التكفيرية اثار حفيظة حتى حلفاء السعودية في اشنطن، الذين مازالوا يذكرون ان الارهابيين الذين شنوا هجمات 11 من ايلول / سبتمر في امريكا تلقوا دعما ماليا من الامراء السعوديين، وكلنا يذكر تصريحات نائب الرئيس الامريكي جو بايدن التي اتهم فيها السعودية وقطر وتركيا بانهم من اوجد ودعم "داعش".

مجلة ميدل ايست مونيتر نشرت في عددها الصادر في  حزيران / يونيو 2007 دراسة للسفير الاميريكي السابق لدى كوستريكا كورتين وينزر، ذكر فيها أن "السعودية أنفقت 87 بليون دولار خلال العقدين الماضيين لنشر الوهابية في العالم"، وأنه يعتقد أن مستوى التمويل قد ارتفع في العامين الماضيين نظرا لارتفاع أسعار النفط. ويجري وينزر مقارنة بين هذا المستوى من الانفاق بما أنفقه الحزب الشيوعي السوفيتي لنشر أيديولوجيته في العالم بين 1921 و1991م حيث لم يتجاوز الـ 7 بليون دولار. ويلاحظ وينزر جهود نشر الوهابية في عدد من بلدان جنوب شرق آسيا، وأفريقيا والدول الغربية من خلال بناء المساجد والمدارس الدينية والمشروعات الخيرية واستقطاب الشباب العاطل والمهاجرين في هذه البلدان. وتقول هذه الدراسة إن خريجي المدارس الوهابية كانوا وراء الاعمال الارهابية التي شهدها العالم.

تشير بعض التقارير التي ترصد الاوضاع الاقتصادية في السعودية، الى ان الوضع المادي الذي يعيشه فقراء بعض الدول التي تدعمها السعودية ماديا لاسباب سياسية، هو افضل من الوضع الذي يعيشه فقراء السعودية الذين غرقوا في بحر النفط.

سامح مظهر-  الوقت