نشأة وإنهیار "داعش"

نشأة وإنهیار
الأحد ٠٧ ديسمبر ٢٠١٤ - ٠١:٢٧ بتوقيت غرينتش

بالرغم من ان سوريا كانت جغرافيا، المكان الذي انطلقت منه "داعش"، الا ان العراق سيكون جغرافيا المكان الذي ستُقبر فيه "داعش"، لاسباب سنمر على ذكرها في مقالنا هذا، الذي سنتابع فيه نشأة وظهور هذا التنظيم الارهابي وصعوده المفاجئ وانتكاسته التي اخذنا نشهد بوادرها في العراق.

البعض قد يعتبر ان من المبكر او من الخطأ حتى، الحديث عن تقهقر "داعش" وتراجعها، بينما مازالت تحكم قبضتها على المناطق التي احتلتها في العراق وسوريا، وهي مناطق شاسعة، وتفرض رؤيتها للاسلام على الناس هناك، وتصدر جوازات سفر وعملات نقدية، ولديها دولة وخليفة يأمر فيطاع، ولكن ما تروج "داعش" لنفسها شيء، وما يحدث على الارض شيء آخر، فجميع القرائن تؤكد ان العد العكسي لانهيار "داعش" قد بدأ منذ فترة، وفي العراق تحديداً، وان كان يتلقى ضربات موجعة في سوريا ايضا على يد الجيش السوري، وان هذا التنظيم اخذ ينزلق الى الهاوية شيئاً فشيئاً، وان هذا الانزلاق قد يتسارع وبشكل كبير خلال الفترة القادمة.

ومن اجل ان تكون لنا صورة واضحة لهذا التنظيم التكفيري، تساعدنا على فهم التطورات الحالية واستشراف ما قد يحصل مستقلاً، في اطار الصراع الدائر بين شعوب المنطقة وبين التنظيمات التكفيرية وعلى رأسها "داعش"، نمرّ بعجالة على نشأة "داعش"، وكيف ارتبط اسم هذا التنظيم التكفيري بالعراق وسوريا؟

نشأة "داعش"

تعود جذور هذا التنظيم الى العام2004، اي بعد عام واحد على الغزو الامريكي للعراق، حين شكل الاردني أبو مصعب الزرقاوي تنظيم أسماه ”جماعة التوحيد والجهاد” وأعلن مبايعته لتنظيم القاعدة بزعامة أسامة بن لادن في حينها، ليصبح ممثل تنظيم القاعدة في المنطقة أوما سمي “تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين”.

وفي عام 2006، قتل الزرقاوي في غارة شنتها طائرة امريكية، وعين ابي حمزة المهاجر زعيما لتنظيم القاعدة في العراق، وفي نهاية ال2006 تم تشكيل تنظيم عسكري يختصر كل تلك التنظيمات التكفيرية في العراق تحت اسم "الدولة الإسلامية في العراق"، بزعامة أبو عمر البغدادي.

في الشهر الرابع من العام 2010، و تحديداً 19 نيسان، قُتل ابو عمر البغدادي مع ابو حمزة المهاجر في غارة شنتها طائرة امريكية في منطقة الثرثار استهدفت منزلا كانا فيه.

جمعت أبي بكر البغدادي، علاقة وثيقة بأبي عمر البغدادي، وصلت الى حد أن الأخير أوصى قبل مقتله بأن يكون أبي بكر البغدادي خليفته في زعامة الدولة الإسلامية في العراق، و هذا ما حدث في السادس عشر من أيار 2010، حيث نصّب ابو بكر البغدادي اميراً للدولة الإسلامية في العراق.

رغم ان للدولة الإسلامية في العراق تاريخ دموي طويل، الا ان هذا التنظيم اصبح اكثر فتكا وقتلا بالمواطنين العراقيين الابرياء منذ ان تولي أبو بكر البغدادي زعامة هذا التنظيم، حيث تبنى التنظيم عبر الموقع الإلكتروني التابع له اكثر من 100 هجوم انتحاري انتقاما لمقتل بن لادن، ذهب ضحيته عشرات الالاف من العراقيين.

بعد الازمة السورية تمدد التنظيم في سوريا تحت شعار "نصرة اهل السنة في سورية"، حيث بدأ تواجد القاعدة في سورية مع ظهور تنظيم “جبهة النصرة” بقيادة أبو محمد الجولاني، أواخر سنة 2011، وسرعان ما نمت قدراتها لتصبح في غضون أشهر من أبرز قوى المقاتلة في سوريا، ومع إعلان النصرة مبايعتها لتنظيم القاعدة في أفغانستان بقيادة الظواهري، بدأت التقارير الإستخباراتية و الإعلامية والصحفية تتحدث عن علاقة النصرة بالدولة الإسلامية في العراق، وبدأ إعتبارها إمتداد سوري لذاك التنظيم المنتشر في العراق.

وفي التاسع من نيسان عام 2013 وبرسالة صوتية بُثت عن طريق شبكة شموخ الإسلام، أعلن أبو بكر البغدادي دمج فرع التنظيم جبهة النصرة مع دولة العراق الإسلامية تحت مسمى “الدولة الإسلامية في العراق والشام”، وهنا بدأت قصة داعش.

الجهات التي تقف وراء "داعش"

بعد تجربة اسقاط نظام العقيد معمر القذافي في ليبيا، حاولت الجهات التي تقف وراء ما وصلت اليه ليبيا اليوم من فوضى ودمار، ان تعيد التجربة هذه المرة في سوريا ايضا، وهذه الجهات ليست سوى امريكا والغرب وتركيا والسعودية وقطر، الذين سارعوا في تسهيل عبور كل الارهابيين والتكفيريين من الذين قاتلوا في العراق وافغانستان والشيشان الى سوريا ومدوهم بالمال والسلاح وبتغطية اعلامية ضخمة، وكانوا يأملون ان تسقط الحكومة السورية خلال اشهر بل حتى اسابيع، ومن اكثر المجموعات التي حصلت على هذا الدعم كانت "داعش".

ان حقيقية تغول "داعش" وابتلاعها باقي المجموعات المسلحة الاخرى، وحتى تمردها على الجهات التي اوجدتها ومولتها، هي حقيقة يتهرب منها كل المسؤولين عن المأساة التي تعيشها سوريا والشعب السوري اليوم، حيث تحمل تقارير الاستخبارات الامريكية والغربية وحتى المسؤولين الغربيين والامريكيين، السعودية وقطر وتركيا مسؤولية  ظهور "داعش"، بينما العرب يحملون الاتراك المسؤولية، فيما الاتراك يحملونها العرب هذه المسؤولية.

شهادات

في حوار أجراه مع قناة "سي إن إن" الأمريكية كشف الامير السعودي وليد بن طلال، إن السعودية ودولاً خليجية وغيرها دعمت جميع الجماعات التي حاولت الإطاحة بالحكومة السورية فتكونت "داعش" نتيجة ذلك.

وأكد بن طلال أنه ما من شك بأن بعض المتشددين في نظام آل سعود قاموا بتمويل العناصر المتطرفة في سورية، مستدركاً أن الرياض قامت بإجراءات صارمة لوقف ذلك!!

اما الصحفي المصري المعروف محمد حسنين هيكل، وفي حوار مع وكالة (نادي المراسلين) العالمية للأنباء قال، إنه لا يوجد عامل واحد تسبب في وجود "داعش" بل مجموعة من العوامل، لافتاً إلى أنه عندما نتحدث عن مخطط جديد للمنطقة، علينا أن نسأل من الذي أتى ب"داعش"؟، مشيرًا إلى أن تركيا شاركت، والخليج الفارسي شارك، والولايات المتحدة مشارك أكبر، وتركيا هي الراعي الأعظم.

وأضاف هيكل، أنه ببساطة، ما خلق "داعش" أن الحروب باتت مواجهات على جبهات واسعة، لا يتحكم فيها أحد، وكل أحد يدير جزءاً، إضافة إلى استعجال وصول الثورة إلى ليبيا، مثلاً تم استغلال ضربات الناتو، لكنها لم تفلح، فتم استدعاء القبلية، فدخلت باسم الدين، وفي سوريا عندما قاوم النظام، تم استدعاء الطائفية من جانب القوى التي هاجمتها، مؤكداً أن أردوغان، لا يريد الدخول في الوضع السوري؟ أو المشاركة في تحالف ضد داعش لأن ما تفعله داعش يناسبه.

وأوضح هيكل، إن تصريحات الرئيس الأمريكي أوباما أن الحرب ضد "داعش" قد تستمر ثلاث سنوات، في حين أن قوة التنظيم تتراوح 20 و30 ألف مقاتل، و هذا كله يدل على أمور غريبة ستحصل.

وأكد أن "داعش" تحيا بتشجيع من تركيا التي لا تريد أن تتدخل، وقطر أيضا موجودة، وهي تشارك في التمويل.

اما نائب الرئيس الامريكي جو بايدن فكان صريحاً جداً، حيث اعلن وبشكل مكشوف ان السعودية والامارات وتركيا كانت وراء دعم وتمويل "داعش"، وهي تصريحات اثارت ردود فعل واسعة حينها وحتى الان، لانها اتهامات جاءت من الرجل الثاني في الادارة الامريكية.

الخيانات هي التي مكنت "داعش" من دخول الموصل

اكتساح محافظات الموصل والانبار وصلاح الدين وبعض مناطق محافظة ديالي وكركوك بعد العاشر من شهر حزيران يونيو الماضي من قبل "داعش"، ما كان ليحصل لولا تواطؤ بعض المسؤولين السياسيين والعسكريين والامنيين في هذه المحافظات مع "داعش" والبعثيين، الذين تحالفوا ضد الشعب العراقي وضد ابناء المحافظات الغربية من العراق بالدرجة الاولى، فجل الجرائم التي ارتكبتها "داعش" والعصابات الصدامية، كانت من نصيب اهالي الموصل والانبار وصلاح الدين.

الانتصارات المزيفة ل"داعش" في الموصل والانبار وصلاح الدين، سولت ل"داعش" والبعثيين التفكير بابتلاع بغداد والمدن المقدسة، بهدف ادخال العراق الى نفق من الدم والفوضى بالنسبة ل"داعش"، وبهدف اعادة عقارب الساعة في العراق الى ما قبل التاسع من نيسان عام 2003 بالنسبة للبعثيين.

المرجعية تقبُر احلام "الداعشيين" والبعثيين

كانت الخطة التي تم رسمها والعمل عليها سنوات بين التكفيريين بمختلف صنفوفهم من قاعدة و"داعشيين" وحاقدين و بين المجرمين من البعثيين الصداميين، لافشال العملية السياسية في العراق برمتها والانتقام من العراقيين لنبذهم الصداميين والتكفيريين، تسير على قدم وساق، وكان هذا التحالف غير المقدس يخطط لدخول بغداد وكربلاء والنجف خلال ايام، وكانت ابنة الطاغية صدام، رغد، تحزم حقائب السفر للعودة الى العراق، ولكن جملات معدودات قالها رجل ثمانيني لا يملك من حطام الدنيا الا عمامة وعباءة وسجادة ومسبحة، قلبت طاولة التكفيريين "الداعشيين" والصداميين على رؤوسهم، وتغير المشهد العسكري والسياسي في العراق 180 درجة.

في الوقت الذي كانت الشائعات التي تنتشر في بغداد، عبر الطابور الخامس للبعثيين و "الداعشيين" عن احتمال دخول "داعش" في اي لحظة بغداد، جاءت الكلمات المدوية من كربلاء المقدسة ومن الحضرة الحسينية المطهرة، لتعلن الجهاد على "الداعشيين" والصداميين والخونة، حيث دعا المرجع الديني الاعلى في العراق سماحة اية الله السيد على السيستاني (حفظه الله)، عبر ممثله الشيخ عبد المهدي الكربلائي في خطبة يوم الجمعة 13 حزيران / يونيو / 2014 جميع العراقيين الذي يتمكنون من حمل السلاح للتطوع في صفوف القوات الامنية للدفاع عن العراق، و ان من يضحي بنفسه يكون شهيداً، و طبيعة المخاطر المحدقة بالعراق في الوقت الحاضر تقتضي الدفاع عن الوطن واهله واعراضه ومواطنيه وهو واجب كفائي.

هذه الكلمات المعدودات، هزت العراق من جنوبه الى شماله ومن غربه الى شرقه، ولم تمر ساعات، حتى احتشد الملايين من الشباب يطالبون السلطات العراقية تزويدهم بالسلاح للوقوف في وجه "داعش" والصداميين، للدفاع عن حرائر العراق ومقدساته، امام هذه العصابات التي تريد سرقة العراق من اهله، وهذا الذي حدث، فتوجهت الحشود الشعبية الى المناطق الساخنة ولم تمر اسابيع حتى توالت اخبار الانتصارات المدوية للقوات المسلحة العراقية والحشد الشعبي وقوات البيشمركه، فتم كسر الحصار المفروض على مدينة آمرلي من جهاتها الاربع وتحريرها بالكامل، اما الانتصار المدوي الاخر والذي قبر احلام "الداعشيين" والصداميين بدخول بغداد فتمثل بتحرير مدينة جرف النصر الاستراتيجية الواقعة الى الجنوب من بغداد، كما توالت الانتصارات في بیجی، والاسحاقی، وحمرین ومناطق اخری، وهو ما دفع قيادات "داعش" للهرب من العراق باتجاه سوريا، وفقا لتقارير استخباراتية.

الملفت ان هذه الانتصارات تحققت على الارض دون الاستعانة بجندي امريكي واحد، بل كل الانتصارات تحققت بجهد عراقي خالص، الامر الامر الذي يؤكد الدور المصيري الذي تقوم به المرجعية الدينية في الاوقات العصيبة التي مر ويمر بها الشعب العراقي وشعوب المنطقة، وهذا الدور بالذات هو الذي اثار كل هذه الموجة من الحقد والكراهية من قبل الاعلام والانظمة العربية الرجعية والنظام الطائفي في تركيا وحتى من قبل المسؤولين الامريكيين، كما جاء على لسان رئيس هيئة الأركان الأمريكية الجنرال مارتن ديمبسي، ضد المرجعية الدينية في النجف الاشرف وخاصة شخص السيد السيستاني، فاخذوا يسددون اليه والى الحشد الشعبي سهامهم الحاقدة، بعد ان ابطلا سحرهم وانقذا العراق من عصابات "داعش" و الصداميين.

بين فتوى السيد السيستاني وفتوى الميرزا الشيرازي

فتوى السيد السيستاني التي دحرت "داعش"، تعيد للاذهان فتوى تاريخية اطلقها المرجع اية الله الميرزا محمد حسن الشيرازي، والمعروفة بفتوى تحريم التبغ (1891 - 1892)، وذلك بعد اتفاق الشاه ناصر الدين القجاري مع بريطانيا على إعطاء الأخيرة حق التصرف بالتبغ الإيراني داخل البلاد وخارجها، وتدفق الاجانب على إيران، أرسل الشيرازي رسالة إلى الشاه يعترض فيها على تلك الاتفاقية، محذرا من أن تؤدي إلى اضعاف الدولة، وتكررت الرسائل دون أن يهتم بها الشاه، فأصدر الشيرازي فتواه الشهيرة التي حرم فيها استعمال التبغ. ثم أتبع الفتوى بثانية لتحذير الحكومة، جاء فيها (إذا لم يُلغ أمتياز التبغ بشكل كامل، سوف أعلن الجهاد خلال ثمان وأربعين ساعة).

وكان تفاعل الإيرانيين مع الفتوى من خلال الامتناع عن استعمال التبغ والخروج في مظاهرات حاشدة، وحدوث اضطرابات في أماكن متعددة، كان ذلك أرغم الحكومة على الغاء الامتياز، وتكبدت الشركات البريطانية خسائر فادحة.

ان المرجعية الدينية اثبتت على مر العصور والازمان انها الحصن الحصين لاتباع اهل البيت عليهم السلام وللاسلام المحمدي الاصيل، وللشعوب وللاوطان، ولهذا السبب بالذات كانت المرجعية هدفاً للمستعمرين والانظمة الدكتاتورية والتنظيمات التكفيرية، في العراق وايران والبحرين والسعودية وباكستان، فهذه الجهات ترى في المرجعية خطراً يهدد كل اطماعها ومخططاتها ومؤامراتها.

"داعش" الى الهاوية

لهذه الاسباب وغيرها الكثير لا يمكن ان تتجذر "داعش" في العراق، بل ان هذا التنظيم الارهابي التكفيري، بدأ يتقهقر ويتجه نحو الهاوية، وان العد العكسي لانهياره بدأ، وان القوات المسلحة العراقية وقوات الحشد الشعبي وابناء العشائر والبيشمركه يعدون العدة الان لبدء معركة تحرير الموصل من براثن "داعش" التكفيرية، فاذا كانت حركة تحرير بعض المناطق بطيئة في البداية، فان الانهيار الكلي لهذا التنظيم سيكون سريعاً بعد الهزائم التي مني بها في الكثير من مناطق العراق، بفضل وجود الحشد الشعبي والقوات المسلحة وابناء العشائر وقوات البيشمركة وقبل كل هؤلاء وجود المرجعية الدينية العليا في النجف الاشرف، التي يعود لها الفضل الاول في كل الانتصارات التي تحققت لحد الان.

* نبيل لطيف - الوقت