"الإنقلاب والتآمر".. سلاح أردوغان المُشرع بوجه معارضیه

الجمعة ١٩ ديسمبر ٢٠١٤ - ٠٩:٢٩ بتوقيت غرينتش

اذا بقي الرئيس التركي رجب طيب اردوغان في سدة الحكم لبضع سنين أخرى، فمن المؤكد سيسجل رقما قياسيا في عدد الانقلابات والمؤامرات التي يمكن ان يحبطها أي رئيس من رؤساء دول الشرق الاوسط على الاطلاق، بعد أن أحبط هذه الايام انقلابا خطط له حليفه الوثيق سابقا وعدوه اللدود لاحقا الداعية فتح الله غولن، ومنفذي الانقلاب كانوا من الصحفيين والاعلاميين!!.

يبدو ان اردوغان عندما انتهى من أمر العسكر، الذين كانوا يعتبرون عدوا مشتركا لحزب العدالة والتنمية الذي يقوده اردوغان وللداعية غولن، لم يبق هناك من يشكل تهديدا لمشروعه في "عثمنة" تركيا مرة أخرى وفقا لمقاييسه هو، سوى رفيق دربه القديم غولن الذي يترأس حركة "خدمة"، بعد ان تدب الخلاف بينهما عام 2010، عندما كشف اشخاص تابعين لغولن فضيحة الفساد التي تورط فيها عدد من وزراء اردوغان واعضاء في حزب العدالة والتنمية،  فقرر ان يستأصل شأفتهم بتهمة التآمر والتخطيط للقيام بانقلاب عليه.

وعلى الفور أوقفت الشرطة الاحد الماضي 14 كانون الاول ديسمبرأمس، 27 شخصاً، واستهدفت حملة التوقيفات الصحافيين بشكل أساسي كرئيس تحرير صحيفة "زمان" أكرم دومانلي، ومدير قناة تلفزيون "سمانيولو تي في" هداية قره جا، وصحافيين في قناة المسلسلات "تيك توركييه" (تركيا واحدة) التابعة لـ"اس تي في" وجميعهم تابعون للداعية غولن. أوقف هؤلاء بأمر من المدعي العام هادي صالح أوغلو واتهموا بالتزوير وفبركة الإثباتات وتشكيل "عصابة إجرام لضرب سيادة الدولة".

وبعد يومٍ من حملة الاعتقالات، أعلن أردوغان أنه لا بد من «تطهير» القضاء وأجهزة الدولة عموماً من «الخونة»، أو بمعنى آخر، من هؤلاء الذين تتهمهم أنقرة بالتغلغل في سلكي القضاء والشرطة «لقلب النظام»، وبقيامهم باستغلال مناصبهم «للتنصت غير المشروع على المواطنين»، الذي أدى إلى فضيحة الفساد بحق أردوغان وبعض وزراء حزب «العدالة والتنمية» الحاكم.

الحملة التي يشنها اردوغان على اعضاء حركة "خدمة"، عبر اتهامهم بالتآمر وضرب امن واستقرار البلاد، هي ذات التهم التي ألصقها اردوغان بدعم من حركة "خدمة" ورئيسها غولن بالضباط والعسكريين، والذين خرجوا من المشهد السياسي التركي بالمرة، وهو امر ما كان بمقدور اردوغان ان يفعله لولا دعم غولن.

المعروف ان غولن يعيش في منفى اختياري في ولاية بنسلفانيا الأميركية، حيث يترأس شبكة ضخمة غير رسمية من المدارس، والمراكز البحثية، والشركات، ووسائل الإعلام في خمس قارات. وقد أنشأ أنصاره وأتباعه ما يقرب من مائة مدرسة مستقلة في الولايات المتحدة وحدها، كما اكتسبت الحركة زخماً قوياً في أوروبا منذ تأسست أولى مدارس غولن في شتوتجارت بألمانيا في عام 1995. وفي تركيا، رسخ اتباع غولن وجودهم بقوة في الشرطة والقضاء والجهاز البيروقراطي للدولة.

ان البئر التي حفرها غولن مع اردوغان لعدوهما المشترك الجيش والعلمانيين، وقع فيها غولن الان، الامر الذي يؤكد ان تركيا ماضية نحو مزيد من التصعيد والتأزيم بسبب اصرار اردوغان على القضاء نهائيا على حركة "خدمة"، بالرغم من الحركة لديها الكثير من الانصار الذين لن يستسلموا بسهولة لارادة اردوغان.

وقبل "مؤامرة" حركة "خدمة" ضد اردوغان، تمكن اردوغان بفضل "خدمة" من القضاء على عدد كبير من "الانقلابات" و"المؤامرات"، يمكن ان نشير الى ابرزها:

قضية المطرقة: زعم النظام انه كشف عنها عام 2010، واتهم  فيها 361 شخصًا منهم عدد من كبار جنرالات الجيش بمحاولة الانقلاب على اردوغان، وتتضمن القضية اجتماع عدد من كبار الضباط في قيادة الجيش، وتم الحكم فيها بالسجن لمدد تترواح بين 16-20 عامًا.

قضية أرغينيكون: زعم النظام التركي انه تم في عام 2007 العثور على 27 قنبلة يدوية في منزل بإسطنبول، واتُهم المعدون لها بالسعي للقيام بتفجيرات وعمليات اغتيال من أجل الحثّ على انقلاب عسكري يطيح بحكومة اردوغان، وتم الحكم فيها على رئيس الأركان السابق ألكر باشبوغ وعدة جنرالات آخرين بالسجن مدى الحياة في أغسطس الماضي.

قضية القفص: بدأت عام 2007 كأحد تداعيات قضية أرغنيكون وتكشف عن خطة انقلاب مزعومة من قبل عناصر البحرية التركية، ذكر لائحة الاتهام أن الأدميرال المتقاعد أحمد فياز أوتجو إلى جانب اثنين من الأدميرالات الآخرين هم المنظمون الرئيسيون لهذه الخطة.

في موازات ذلك كان اردوغان يفرض سيطرته على القضاء عبر تشريع قوانين في البرلمان الذي يهيمن عليه حزب العدالة والتنمية ليتحول القضاء الى سوط يجلد به اردوغان كل من يتجرأ وينتقد الفساد الذي اخذ يستشري بين رجالات حزبه، حيث أقر البرلمان التركي، مشروع قانون يقضي بتعزيز سلطة الحكومة التركية على السلطة القضائية، وبهذه الطريقة، سيتمكن حزب "العدالة والتنمية" من السيطرة على القضاء والحد من استقلاليته.

ويعد هذا القانون الأخير في سلسلة تعديلات تشريعية تبناها البرلمان منذ بداية العام بعد تحقيقات غير مسبوقة في قضية فساد استهدفت النظام ورئيس الوزراء في تلك الفترة رجب طيب أردوغان، بينما تتهم السلطة حركة غولن بأنها تلاعبت بهذه التحقيقات، وعمدت إلى حملات تطهير كثيفة في جهازي القضاء والشرطة.

ومن التجسيدات العملية لهيمنة السلطة التنفيذية على السلطة القضائية، الحظر الذي اصدرته  محكمة تركية على وسائل الاعلام من التطرق الى اعمال لجنة تحقيق برلمانية تنظر في قضايا فساد متهم فيها اربعة وزراء في حكومة رجب طيب اردوغان السابقة.

منظمة هيومن رايتس ووتش، نددت بما وصفته بـالتراجع المقلق للحريات العامة، التي هددت خصوصا استقلالية القضاء والإعلام خلال الأشهر الأخيرة في تركيا، في عهد رجب طيب أردوغان.

وأفاد تقرير للمنظمة، أن "تركيا تشهد تراجعًا مقلقًا في مجال حقوق الإنسان"، متهمة الحكومة بإظهار "المزيد من عدم التسامح تجاه معارضيها السياسيين والاحتجاجات في الشارع، والانتقادات في الصحف".

وتابع التقرير أن "الحكومة لم تتردد في التدخل في إجراءات القضاء، عندما تعرضت مصالحها للخطر"، في إشارة إلى حملة تطهير شملت آلاف من عناصر الشرطة والقضاة المتهمين بـ"التآمر" على الدولة.

في 2010، هبط ترتيب تركيا إلى 138 من أصل 178 دولة، على سلم مؤشر الحريات الاعلامية العالمية لمنظمة صحافيون بلا حدود.

يبدو ان حالة الترهل التي يعاني منها حزب العدالة والتنمية بعد اكثر من 10 اعوام من الحكم، والنزوع المتعاظم نحو الاستبداد والاستفراد بالحكم لدى اردوغان، ادت الى ان يدب الفساد في مفاصل الحكومة، وعوضا عن مكافحة الفساد وتصحيح الاخطاء، ضاعف النظام خطواته عبر إقرار قوانين جديدة من أجل تعزيز قبضته على الجهاز القضائي، وشبكات التواصل الاجتماعي، ووسائل الإعلام، وصلاحيات جهاز الاستخبارات، الامر الذي ساهم في استشراء الفساد اكثر، بشهادة تقرير «مؤسسة الشفافية الدولية» حول مؤشرات الفساد بالقطاع الحكومي في العالم، حيث وضع  تركيا المركز الرابع والستين على القائمة، وأعطت المؤشرات تركيا خمسة وأربعين نقطة من إجمالي مئة نقطة في العام 2014، في حين كان تقديرها 50 نقطة من إجمالي مئة لعام 2013 و49 نقطة من أصل مئة عام 2012، ما يعني تراجعاً واضحاً في صورة تركيا وأداء قطاعها الحكومي وفقاً للتقرير.

مجلة "كومنتاري" الأمريكية انتقدت سياسات الرئيس التركي رجب طيب اردوغان، وقالت "ان سياسات أردوغان حولت تركيا من بلد طامح للديمقراطية إلى أكبر سجن للصحفيين وأوسع مقبرة للنساء وأضخم معقل للإرهاب على مستوى العالم".

وأضافت "إن جنون العظمة لدى اردوغان دفعه إلي تشييد قصر منيف يتقزم إلى جانبه البيت الأبيض، قصر مكون من اكثر من ألف غرفة وممر تحت الأرض ومزود بأحدث تكنولوجيا مضادة للتجسس بتكلفة بلغة 620  مليون دولار".

يبدو ان سيف تهمة "الانقلاب والتآمر" الذي شرعه اردوغان في وجه كل معارضيه وحتى حلفائه خلال السنوات العشر الماضية لم يعد قاطعا، بعد ان تبين للجميع ان اغلب التهم التي الصقها بمعارضيه هي ملفقة وسياسية، مدفوعا بجنون العظمة والميل نحو الدكتاتورية والاستبداد، وقد اصاب الصحفي التركي باسكين اوران في مقال له في صحيفة "راديكال" عندما وصف حالة تركيا وشخصية اردوغان، بقوله: "ان الأمل التركي دمره أولا نظام الانقلابات العسكرية الكمالي، ومن ثم نظام "حزب العدالة والتنمية". اما أمل العالم فقد دمره زعيم "العدالة والتنمية" رجب طيب اردوغان. لا مكان للمصالحة. الانتقام يروق له أكثر".

سامح مظهر- الوقت