مانديلا البحرين وتحولات الإقليم و"التدخل" الإيراني!

مانديلا البحرين وتحولات الإقليم و
الثلاثاء ٠٦ يناير ٢٠١٥ - ٠٦:١٢ بتوقيت غرينتش

«أرجوكم والتمس من جنابكم إبلاغ القيادة الإيرانية….. بأن حكومة جلالة الملك تتمنى عليكم التدخل في البحرين بما يفيد نزع التوتر والتوصل إلى حل سياسي للأزمة المتفاقمة بين المعارضة والحكومة لدينا تماما كما فعلتم في الأزمة السورية مشكورين».

« …. كما نود إبلاغكم أيضا بأننا وفيما يخص الأزمة السورية فإن رأينا كان منذ البداية بعدم صوابية اللجوء إلى العنف ولم نوافق يوما بالسماح أو التسهيل لتدفق مقاتلين أو أموال من الخارج لإشعال الأزمة السورية وإيصالها إلى ما وصلت إليه من تفاقم خطير لن يفيد أحدا في المنطقة…. ولو ترك الأمر لنا لأعلنا رأينا الحقيقي في هذا الأمر ولكان مختلفا تماما عن كثيرين ممن يحرضون ضد الحكومة السورية والدولة السورية بغير حق».
هذا الكلام لوزير خارجية البحرين هو قاله العام المنصرم لمحمد جواد ظريف وزير الخارجية الإيراني على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة كما تم تسريبه في حينه، ننقله هنا مكثفا وملخصا لنسأل حكومة المنامة عن السبب الذي دفع بها اليوم للانقلاب على نفسها والدخول في مغامرة «حافة الهاوية» في علاقاتها الإقليمية والدولية ورمي التهم جزافا بوجود تدخلات خارجية وتحديدا إيرانية في الحراك البحريني، وذلك على خلفية تبرير قرارها غير المدروس والمخاطر باستقرارها في اعتقال أمين عام حركة الوفاق المعارضة الشيخ علي سلمان دون وجه حق؟
ماذا تغير منذ العام الفائت حتى الآن حتى تغير رأي حكومة المنامة وجعلها تنقلب على نفسها إلى الحد الذي دفعها إلى اتخاذ مثل هذه الخطوة الطائشة والمقلقة حتى برأي أقرب الأطراف إليها وهي الإدارة الأمريكية؟
لن نسمع الإجابة من حكومة أغرقت نفسها في وحل صراع يومي لا ينقطع مع كتل جماهيرية متحركة وأدخلت نفسها شرنقة صراع «تحدي وجود» مع غالبية شعبية وضعتها أمام الجدار بامتياز! لكننا سنحاول أن نجد لها الذرائع التي جعلتها تقع في مثل هذا المسار الخطير الذي قد يضع مستقبل الارخبيل البحريني على طاولة تحولات المعادلتين الإقليمية والدولية هذه المرة ولن تنحصر تداعياته بالمشهد المحلي.

اولا : رد القيادة الإيرانية الواضح والشفاف برفضها طلب المنامة بالتدخل وذلك احتراما لسيادة البحرين واستقلالها باعتبار مسألة البحرين مسألة داخلية محضة ولا تشبه القضية السورية لا من قريب ولا من بعيد.
ثانيا : إعلان القيادة الإيرانية العليا الصريح – ردا على ادعاءات متناقضة مع الطلب الآنف الذكر – بتدخلات إيرانية متمادية …..» بأنه لو تدخلت إيران فعلا لكان وضع البحرين الآن وضع آخر تماما».
ثالثا : إصرار القوى الشعبية البحرينية على الاستمرار في مظاهراتها واحتجاجاتها السلمية رغم كل خطوات التصعيد القمعي المستفزة وبقائها في الشارع بقوة ونشاط وتصميم أكثر على نيل المطالب المشروعة والمحقة في التغيير والإصلاح.
رابعا : وصول حكومة البحرين إلى قناعات شبه نهائية بأن ثمة أجواء وفضاءات إقليمية ودولية تتحرك بسرعة باتجاه ضرورة إيجاد حل سياسي للمسألة السورية بعيدا عن ملف أزمة البحرين بسبب الاختلاف الجوهري بينهما.
خامسا : حصول تغيرات كبرى ومتسارعة في جوار البحرين وفي مقدمتها تحولات اليمن ما جعل موازين القوى المحيطة بالمنامة تبدو تسير بتسارع كبير لغير صالح الحكومة البحرينية وسياساتها الداخلية والخارجية.
سادسا : شعور حكومة المنامة بالاحباط والكآبة بسبب انعدام سبل الدعم الخارجي الفعال لها بوجه المعارضة الشعبية، ابتداء من جارتها الأساس أي المملكة السعودية المنشغلة بهمومها واهتماماتها وقلقها على مستقبل عرش المملكة وتداعيات احتمال نشوب نزاع طويل مع احتمال رحيل مليكها الذي دخل في غيبوبة كما تشير آخر الانباء، مرورا بالأشقاء في مجلس التعاون الذين لم تعد قضية البحرين جزءا أساسيا في أولوياتهم، وانتهاء بالإدارة الأمريكية التي بدا انها رغم التظاهر بضرورة حفظ استقرار حكومة المنامة إلا انها غير مستعدة للتدخل بقوة لمنع التغيير لانشغالها بما هو أهم في الإقليم.
هذه الأمور مجتمعة وفي ظل أجواء احتمال حصول تطورات أكثر دراماتيكية في الداخل البحريني بعد الفشل الذريع لتجربة الانتخابات البرلمانية بدون مشاركة قوى المعارضة مقابل النجاح المدوي لتجربة الاستفتاء الجماهيري للمعارضة بالمقاطعة الانتخابية إلى حد تعرية النظام حتى من قشوره الخارجية، هي التي دفعت حكومة المنامة باستحضار تجربة شاه إيران مع كل من شعبه و حليفته وسنده القوي الولايات المتحدة الأمريكية…. وكيف ان الأوضاع يمكن ان تتطور إلى ما لا تحمد عقباه، فتنام المنامة ليلة لتستيقظ في اليوم التالي على « كش ملك « جديد على يد اوباما الديمقراطي تماما كما حصل مع كارتر في نهايات سبعينات القرن الماضي.
لكن حكومة المنامة نسيت أو غاب عن بالها بأن مياها كثيرة جرت في حراك الشعوب منذ نهاية سبعينيات القرن الماضي حتى الآن، وانها بهذه الخطوة قد صنعت مانديلا جديدا، ليس فقط سيتربع على عرش المعارضة البحرينية بل وقد يستنسخ في دول الجوار. وأما بخصوص ادعاءات التدخلات الإيرانية التي تكررها حكومة المنامة بين الفينة والأخرى كلما شعرت نفسها محشورة في حربها المفتوحة ضد قوى المعارضة المحلية ، فإنه يكفي للسلطة البحرينية ان تجول في أفقها المحيط مليا ومن ثم تقول لنا بصراحة : ماذا لو تدخلت إيران حقيقة لصالح قوى المعارضة في البحرين؟
ألا تتوقع حكومة المنامة بأن الأمر قد يحسم وبسرعة قياسية لا تتصورها المعارضة؟
وانه من الأفضل لها ان تبحث عن حل محلي تتقاسم فيه الحكم والثروة بينها وبين معارضة سلمية متواضعة لا تطلب إلا حكومة منتخبة ولتكن من آل خليفة كما تقول بعض أجنحة هذه المعارضة وتوزيع للثروة أفضل وبرلمان منتخب ووقف التجنيس غير المشروع ومحاولة إحداث تغيير ديموغرافي على خلفية نظرة مذهبية ضيقة لن يجني منها أحد غير مزيد من التوتر وانعدام الاستقرار …!
الأمر الآن وفي هذه اللحظة لا يزال جزء هام منه بيد حكومة المنامة.لكن هذا الأمر قد لا يبقى كذلك أبدا لو استمرت في اعتقال مانديلا البحرين وقررت التصعيد ضد المعارضة أكثر لأن الأمر وقتها قد يخرج من يد الجميع.

٭محمد صادق الحسيني-القدس العربي