الملك سلمان وإرث الملك عبدالله

الملك سلمان وإرث الملك عبدالله
الجمعة ٢٣ يناير ٢٠١٥ - ٠٦:٢٢ بتوقيت غرينتش

يواجه الملك سلمان بن عبدالله العزيز ، الذي اعتلى عرش المملكة العربية السعودية ، اليوم الجمعة 23 كانون الثاني / يناير ، تحديات كبيرة على الصعیدين الاقليمي والدولي ، بالاضافة الى المخاطر التي يواجهها النظام من الداخل ، وهي مخاطر تفرضها مرحلة انتقال الحكم من ابناء الملك المؤسس الى احفاده.

الارث الذي تركه الملك عبدالله ، الابن الثاني عشر من ابناء الملك عبدالعزيز ، لشقيقه الملك سلمان ، الابن الخامس والعشرين للملك عبدالعزيز ، ارث لايحسد عليه بالمرة ، وعلى الملك سلمان ، الذي اكد في اول خطاب له بعد اعتلائه العرش انه ماضي فی ذات السياسة التي انتهجها الملك عبدالله ، بل يؤكد الكثير من المراقبين انها ستكون اكثر محافظة وتشددا من سلفه ، لما يعرف عن شخصية الملك الجديد التي لاتحبذ اي تغيير في سياسة المملكة التقليدية ، كما كشفت عن ذلك وثائق وكيليكس ، الامر الذي يؤكد استمرارية الاوضاع في سوريا واليمن والعراق والبحرين ، على حالها دون تغيير ، وقد تتعقد اكثر مما هي معقدة الان.

اما على الصعيد الدولي ، فالعلاقة بين السعودية والولايات المتحدة ، التي تعتبر اكبر حلفائها في العالم ، يشوبها بعض الفتور بسبب طريقة تعامل السعودية مع الملفات الاقليمية ، وتورط بعض الجهات السعودية في دعم التنظيمات التكفيرية التي اخذت تتمرد وتفسد الامر على امريكا وحلفائها ، وكذلك الى الخطاب الديني الوهابي المتطرف ، التي تعتبر السعودية من اكبر مروجيه ، وهو خطاب تتبناه جميع المجموعات التكفيرية التي تنشط في العراق وسوريا ومصر وليبيا واليمن ولبنان وتونس والجزائر وافريقيا واوروبا وامريكا ، وهو ما دفع اخيرا حتى دولة اوروبية مثل النمسا الى التفكير في اغلاق مركز الملك عبدالله الدولي للحوار بين الأديان والثقافات ، الذي اقامته السعودية هناك بسبب تعارض هذا المركز مع التوجه العام للسعودية في مجال حقوق الانسان.

جميع الارهابيين الذي شنوا هجمات في اوروبا والغرب ، هم من بين الاشخاص الذين كانوا يقاتلون في اطار المجموعات المسلحة في العراق وسوريا ،  والتي كانت الحكومات العربية وعلى راسها السعودية ، سوقتهم للغرب على انهم معارضة وثوار يجب دعمهم بكل الوسائل والامكانيات المالية والعسكرية ، وهو ما جعل الغرب يحمل السعودية مسؤولية انتشار الارهاب في المنطقة والعالم ، وان الكثير من المحللين والسياسيين اخذوا يتهمون السعودية بانها ورطت الغرب في المستنقع السوري.

اما على الصعيد الداخلي ، فالامور اكثر تعقيدا على مستويين ، الاول المستوى الامني حيث اخذت "داعش" تهدد الحدود الشمالية للمملكة فيما تهدد القاعدة الحدود الجنوبية لها ، بالاضافة الى انتشار الفكر القاعدي بين الشباب السعودي ، والخلايا النائمة للتنظيمين الارهاربيين ، والتي كثيرا ما تضرب بين حين واخر كلما سنحت الفرصة ، كما حدث في منطقة القطيف والرياض وباقي المناطق السعودية الاخرى.

اما التهديد الداخلي الاخطر فيتمثل في آلية انتقال السلطة في العائلة المالكة السعودية ، لاسيما في ظل انتقال الحكم من ابناء الملك عبدالعزيز الى احفاده ، والتي حاول الملك عبدالله قبل رحيله ان يقف دون تفجر هذا الخلاف للعلن ، مع التمهيد لوصول ابنائه وخاصة الامير متعب الى العرش، عبر اجراءات اثارة حفيظة باقي ابناء واحفاد الملك المؤسس الذين يرون في انفسهم الحق بتولي المناصب المهمة من ابناء الملك عبدالله.

من الاجراءات التي اقدم عليها الملك عبدالله كان احداث منصب جديد وهو منصب ولي ولي العهد ، حيث نصب في هذا المنصب شقيقه الامير مقرن بن عبدالعزيز رغم انه الابن الخامس والثلاثون من ابناء الملك عبدالعزيز ، متجاوزا بعض الاشقاء الاكبر ومن بينهم الامير احمد الابن الحادي والثلاثون للملك عبدالعزيز ، وكذلك بعض الاحفاد الطامحين بينهم محمد بن نايف وتركي الفيصل وبندر بن سلطان وغيرهم ، وذلك من اجل تمهيد الارضية امام وصول ابنه متعب ، الذي تربطه علاقة وثيقة بالامير مقرن ، الذي قيل انه في حال وصوله للعرش سيختار الامير متعب لولاية العهد ، ولهذا السبب بالذات اكد الملك عبدالله في امره الملكي على الابقاء على الامير مقرن كولي للعهد مهما كانت الظروف ولايحق للملك القادم عزله ، وهو ما اضطر الملك سلمان الى الرضوخ لهذا الامر والابقاء على الامير مقرن رغم ان الملك سلمان وابناءه  وابناء اخوته السديريين ، لا يحبذون وصول مقرن للعرش ، واتهموا حينها ، كما اعلن بعض امراء العائلة الحاكمة ، خالد التويجري رئيس ديوان الملك والمقرب جدا من الملك عبدالله ، بانه يقف وراء كل هذه التغييرات.

يمكن تلمس حقيقة هذا الخلاف بين ابناء العائلة الحاكمة من خلال الاوامر الملكية التي اصدرها الملك سلمان ، بعد ساعات قليلة من اعتلائه العرش ، الاول إعفاء خالد التويجري رئيس الديوان الملكي في عهد الملك عبد الله من منصبه ، والثاني تعيين ابنه الأمير محمد بن سلمان وزيرا للدفاع ورئيسا للديوان الملكي ، والاهم امر تعيين وزير الداخلية الأمير محمد بن نايف وليا لولي.

ويبدو من خلال هذه الاوامر ان الملك سلمان ، تخلص من الرجل الصامت الذي كان يعمل في الظل لوصول الامير مقرن وابناء الملك عبدالله الى العرش ، وهو خالد التويجري ، ثانيا اّمن وصول الامير محمد بن نايف المقرب من امريكا للعرش عبر تعيينه وليا لولي العهد ، مستغلا هذا المنصب الذي استحدثه الملك عبدالله لوصول ابنه متعب للعرش ، ثالثا اعطى لابنه الامير محمد قاعدة قوية للانطلاق من خلالها الى العرش ، وهي منصب وزير الداخلية ، وبذلك لا يكون امام محمد بن نايف الا ان ينظر نظرة خاصة للامير محمد بن سلمان عند وصوله للعرش ، فيما تثار شائعات حول احتمال الا يبقى الامير مقرن في منصبه الاخير لوجود الكثير من المعارضين وبينهم الملك نفسه ، على طريقة وصوله لهذا المنصب.

هذه التغييرات، والتي ستلحقها تغييرات اخرى، في هيلكية الحكم في السعودية ، لا يمكن ان تمر دون تضحيات ، فهناك امراء من ابناء الملك فيصل والملك فهد ، مهمشين بالكامل ، تؤكد الحقائق انهم لن يمروا مرور الكرام ازاء ما يجري ، وهذا ما ستكشفه الايام القادمة ، كما كشفت الساعات التي اعقبت وفاة الملك عبدالله ان ما قيل عن وجود خلافات ليس ضربا من خيال ، او كلام معارضة او خصوم ، بل ان تفجر الخلافات قد يكون اسرع بكثير مما يتوقعه البعض لسبب بسيط وهو امراض الملك الجديد البالغ من العمر 80 عاما.

شفقنا - نبيل لطيف