مهرج بائس وحفلة تهريج بائسة

مهرج بائس وحفلة تهريج بائسة
الأربعاء ٠٤ مارس ٢٠١٥ - ٠٦:٤١ بتوقيت غرينتش

يبدو ان الفشل يلاحق رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو كظله اينما حل وارتحل، فبعد هزائمه المتكررة امام المقاومة في فلسطين ولبنان، وعجزه التام امام ايران، وفشله في تسويق الخوف من البرنامج النووي الايراني للعالم، جاءت نتائج زيارته الاخيرة الى امريكا، تتويجا لهزائمه وعجزه وفشله، عندما تُرك يعبث بالبيت الامريكي كطفل مدلل وقح.

الخطابان اللذان القاهما نتنياهو، امام لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية (ايباك)، وامام الكونغرس الامريكي، عن خطر ايران، وخطر البرنامج النووي الايراني، وخطر المفاوضات مع ايران، وخطر الاتفاق النووي، على "اسرائيل" وامريكا والعالم، كانا تكرارا لكلام ممل ورتيب ما انفك يردده نتنياهو منذ سنوات عن ايران حتى سئمت من سماعه الاذان، ولم يقنعا حلفاء "اسرائيل" في الغرب وامريكا فحسب، بل وحتى الاسرائيليين، كما ظهر من ردود افعالهم على الخطابين وعلى الزيارة بمجملها.

زيارة نتنياهو لامريكا كشفت عن وجود علاقة شاذة تربط بين "اسرائيل" وامريكا، ويمكن تلمس جانب من هذا الشذوذ بما يلي:

-نتنياهو جاء الى امريكا والقى خطابا امام الكونغرس الامريكي رغما عن انف الرئيس الامريكي باراك اوباما.

-خطاب نتنياهو كان هجوما لاذعا على سياسية البيت الابيض وشخص الرئيس باراك اوباما.

-قبول دعوة الجمهوريين ورفض لقاء نواب ديمقراطيين، كان تدخلا سافرا في شؤون دولة تدعي انها الاعظم في العالم.

-ظهر نتنياهو وهو يلقي الخطاب امام الكونغرس، بانه ادرى بالامريكيين بمصالحهم.

-الجمهوريون الذين يمثلون الشعب الامريكي، هم الذين دعوا نتنياهو للقدوم الى واشنطن، من وراء ظهر اوباما، لكي يقنع الكونغرس والشعب الامريكي، بان رئيسهم اوباما وادارته اناس لا يفقهون شيئا وانهم يجازفون بإمن امريكا والعالم، عندما يتفاوضون مع ايران.

-كبار المسؤولين الامريكيين ومن بينهم نائب الرئيس الامريكي جو بايدن وغيره، اختلقوا لانفسهم بعض المهام كالقيام بزيارة خارج امريكا او التقيد بموعد ما، لرفع الحرج لعدم حضورهم خطاب نتنياهو، وهو يعلمون انه يوبخهم في خطابه.

-اغرب ما في خطاب نتنياهو، ليس فحوى الخطاب طبعا، فهو خطاب لا قيمة له ولا تاثير، بل في الطريقة التي تعامل به ممثلو الشعب الامريكي، مع هذا الخطاب، حيث صفق الجمهوريون بحرارة وفي اكثر من مرة لرئيس وزراء كيان وهو يعنف رئيسهم وحكومتهم ويتهمهم بالقصور والغباء والجهل، في مشهد يشبه حفلة تهريج  بائسة.

يقول البعض ان العلاقة بين امريكا و"اسرائيل" هي علاقة بين دولة وقاعدة عسكرية تابعة لها، ولكن حتى هذا التشبية، وان كان صحيحا، لا يمكن ان يبرر، حفلة التهريج التي اقامها نتنياهو في واشنطن، للهجوم على السياسة الخارجية لاوباما، بينما اوباما وادارته  يلوذان بالصمت، الا عن بعض جملات قيلت عن استحياء صدرت عن بعض المسؤولين الامريكيين، ومنهم من فضل عدم الكشف عن اسمه، وهم يردون على اهانات نتنياهو بلغة في غاية الادب.

الرئيس الامريكي اكتفى بالرد على الهجوم اللاذع لنتنياهو عليه وعلى ادارته، بالقول ان خطاب نتنياهو ليس فيه اي جديد، وان نتنياهو اخطأ في الماضي حول الاتفاق النووي مع ايران.

حفل التجريح والتقريع الذي اقامه نتنياهو والجمهوريون في واشنطن ضد اوباما، والذي جاء من اجل وضع العصي في دواليب المفاوضات، او دفع واشنطن لاتخاذ خيار اخر للتعامل مع ايران، كشف ضعف وعجز "اسرائيل" عن مواجهة ايران، وهي حالة تشاطر امريكا "اسرائيل" فيها، فالادارة الامريكية لم تكتف بعدم الاصغاء لتهديدات وتحذيرات نتنياهو فحسب، بل اعترفت وبشكل واضح بعقم اي مواجهة عسكرية ضد ايران لدفعها للتخلي عن حقوقها النووية.

مستشارة الأمن القومي الأمريكي سوزان رايس اعلنت وبصراحة في خطاب لها امام ايباك يوم الاثنين الماضي ان اتخاذ موقف صارم من إيران كما يطالب نتنياهو هو شيء مرغوب الا أنه ليس واقعيا ولا يمكن تحقيقه.

وفي ذات السياق نقلت رويترز عن مسؤول امريكي وصفته بالكبير في الادارة الأمريكية قوله: إن نتنياهو لم يقدم في كلمته أمام الكونغرس بديلا للمحادثات النووية الجارية مع إيران.. وان المطالبة ببساطة بأن تستسلم ايران تماما ليست خطة ولن تدعمنا أي دولة في هذا الموقف.

وقبل ذلك اعلن الرئيس الامريكي باراك اوباما وبشكل واضح وصريح عن عجزه باستخدام القوة لحرمان ايران من حقوقها النووية، وقال انه يتمنى ان يفك آخر مسمار في البرنامج النووي الايراني، الا انه ليس بمقدوره فعل ذلك فهو امر غير واقعي.

يبدو ان نتنياهو مازال يرفض ان يصدق ان امريكا، التي جاء يطلب العون منها لحرمان ايران من حقها في امتلاك برنامج نووي سلمي، لا يمكن ان تستجيب لطلبه، لا لعزوفها عن استخدام القوة، او لتمسكها بالمبادىء الانسانية، او لاحترامها حقوق الشعوب، بل لعجزها عن استخدام القوة ضد ايران، وهذه حقيقة لاجدال فيها، الا انها اكبر من ان تدركها عقلية كعقلية نتنياهو، الذي ظهر بمظهر المهرج الفاشل.

*ماجد حاتمي/ شفقنا