هل يطفىء التعاون الإيراني التركي الحرائق التي تشعلها السعودية؟

هل يطفىء التعاون الإيراني التركي الحرائق التي تشعلها السعودية؟
الخميس ٠٩ أبريل ٢٠١٥ - ٠٨:٥٧ بتوقيت غرينتش

في ظل الحرائق التي تشتعل في المنطقة ومحاولات السعودية إعطاءها الطابع المذهبي، تكتسب الزيارة الحالية للرئيس التركي طيب رجب إردوغان الى ايران اهمية خاصة لا سيما انها تأتي بعد التفاهم النووي بين القوى العالمية وايران.

الرغبة لدى كِلا الدولتين للتواجد السياسي الفعال في المنطقة في ظل الأزمات الراهنة واضح، وكل واحد منهما نشيط جداً على المستوى الجيوستراتيجي ما يجعل المنافسة على مناطق النفوذ امر طبيعي. وفي نفس الوقت لكِلاهما مصلحة في التوافق على مجمل القضايا في المنطقة. سوريا تشكل العقبة الرئيسية لعدم وجود رؤية مشتركة حول معنى "الحل السياسي".

مشكلة أيران مع تركيا عدم جدية الأخيرة البحث عن رؤية مشتركة لحل سياسي في سوريا. إردوغان يريد حلاً سياسياً مشروطاً بخروج الرئيس بشار الأسد، وايران من جهتها تعتبر ان القرار بيد الشعب السوري. كما ان تركيا لا تراعي اهمية سوريا لإيران في الصراع مع الكيان الصهيوني. سوريا حليف إستراتيجي لايران منذ انتصار الثورة الإسلامية وتشكل خط الدفاع الاول عن طهران في مواجهة اسرائيل والولايات المتحدة، والسند الرئيسي للمقاومة، وإنطلاقاً من هذا المبدأ لم يتردد الايرانيون بالقول ان بشار الاسد خط احمر. هذا لا يعني باي معيار ديمقراطي ان ايران ضد خيار الشعب السوري.

كما تختلف الدولتان في الرؤية حول حقيقة ما يجري. ايران تراها مؤامرة امريكية اسرائيلية سعودية مشتركة تستهدف محور المقاومة وتهدد الأمن القومي الإيراني، بينما تركيا تتعاطى مع الإرهاب متعدد الجنسيات على انه "ثورة" رغم وجود اكثر من 100 الف إرهابي من اكثر من 80 دولة. ايران اتخذت قرار الدفاع عن سوريا للحفاظ على محور المقاومة وتركيا لا ينجح مشروعها الإقليمي إلا بإسقاط النظام. ولو شئنا المقارنة من حيث الاهمية، لتركيا اهمية تجارية ولسوريا اهمية استراتيجية. ولو فُرض على الإيرانيين الإختيار لاختاروا سوريا.
نقطة الخلاف الأخرى تدور حول الدور الإيراني في العراق كما جاء على لسان إردوغان بطريقة فجة. بعد الخروج الأمريكي استطاع الإرهاب التكفيري ملء الفراغ في مناطق واسعة وقويت شوكته بشكل ملفت وسقطت الموصل خلال ساعات وكادت ان تسقط بغداد لولا التدخل الإيراني السريع بطلب رسمي من الحكومة العراقية الشرعية.

لماذا إيران؟
إلى جانب ايران وسوريا تحد العراق ثلاث دول اخرى، الاردن واالسعودية وتركيا وهي المتهمة بتمويل وتدريب وتسهيل مرور الإرهابيين إلى سوريا والعراق، وبالتالي لا يمكن الإعتماد على أيٍ من هذه الدول في محاربة الإرهاب الداعشي. سوريا مشغولة بأزمتها والولايات المتحدة نقضت كل تعهداتها فلم يبق إلا إيران، اضف إلى ذلك ان وصول عصابات داعش الى الحدود الإيرانية تهدد الأمن القومي الإيراني. الإستجابة الإيرانية كانت سريعة وحاسمة سياسياً وعسكرياً. في التقرير الذي قدمه مدير هيئة المخابرات الأمريكية جيمس كلابر اعترف بالدور الإيجابي لإيران في محاربة الإرهاب التكفيري.

رغم كل تلك الخلافات إلا أن العلاقات الاقتصادية بين القوتين تطورت بشكل ملفت منذ وصول حزب "العدالة والتنمية" الى الحكم، ولا بد من الإشارة الى امر ملفت وهو ان تركيا لم تلتزم بالعقوبات المفروضة على إيران في عدة مجالات مما خفف من اعباء العقوبات.

حجم التبادل التجاري بين الدولتين الكبريتين تجاوزت 18 مليار دولار ويطمح الطرفان الوصول الى 30 مليار دولار خلال سنوات قليلة. تستورد ايران من تركيا 147 سلعة وتستورد تركيا من ايران 120 سلعة عدا النفط والغاز.

الاهمية الجغرافية بالنسبة للدولتين يمكن ان تدفع بهما الى بناء شراكة كاملة. تشكل تركيا ممرا حيوياً للغاز والنفط الإيراني الى اوربا. وتزداد اهمية تركيا بعد رفع العقوبات عن ايران. كما ان خط الإمداد ايران-العراق-سوريا الذي بدأ إنشاءه في اواخر 2011 يمكن ان يصل الى اوربا عبر تركيا. ايران الممر الوحيد للبضائع التركية الى وسط اسيا، فضلا عن القطار الصيني المستقبلي الذي يمر عبر ايران الى تركيا. تركيا لا زالت تسهل مرور التكفيريين الى سوريا إلا أن مصالحها الحيوية مع ايران والعراق وسوريا يمكن ان تدفعها الى إجراء تحول جوهري في سياستها. التوافق التركي الايراني خارج الإصطفافات المذهبية والقومية سيغير المشهد برمته وسيفتح افاقاً اخرى للتعاون في مجالات اخرى.
مرحلة ما بعد الاتفاق النووي ليست كما قبله وهذا له انعكاساته على مجمل قضايا المنطقة. هناك تحول جوهري على مستوى موازين القوى والنفوذ والإعتبارات الاقتصادية التي ستكون جوهر العلاقات بين الدول وتشكيل المحاور الاقتصادية على حساب المحاور العسكرية في الرحلة القادمة. يبدو ان تركيا باتت تدرك ذلك.

رضا حرب