تسليح واشنطن لدكتاتوريي الشرق الأوسط سيتسبب فقط بالفوضى

تسليح واشنطن لدكتاتوريي الشرق الأوسط سيتسبب فقط بالفوضى
الجمعة ١٠ أبريل ٢٠١٥ - ١٠:٣١ بتوقيت غرينتش

يستمر أوباما بقول الأمور الصّحيحة لكنّه ينفذ تلك الخاطئة، من خلال تزويد أنظمة الشّرق الأوسط بالأسلحة.

أظهر الإعلان المزعج، الصّادر عن البيت الأبيض، الأسبوع الماضي، عن أنّ الرّئيس باراك أوباما رفع الحظر عن المساعدة العسكرية لمصر، من جديد، قصر نظر الحكومة الأمريكية في محاولتها تهدئة منطقة تزداد اضطرابًا.

على مدى عقود من الزّمن، زوّدت الإدارات الأمريكية المتتالية دكتاتوريي الشّرق الأوسط بالأسلحة، آملة أن تحقق هذه الحكومات القمعية الأمن. لم يُجدِ ذلك نفعًا. إذ تعاني المنطقة من اضطراب كبير، ويعود جزء كبير من ذلك إلى حيلولة أنظمة مماثلة دون تطوير حكم القانون والنّقابات العمالية المستقلة وجماعات حقوق الإنسان والإعلام الحر وأجزاء أساسية أخرى من المجتمع المدني.

هذه المرّة، أبلغ أوباما الرّئيس المصري عبد الفتّاح السّيسي أن الولايات المتحدة ستباشر بتسليم مقاتلات ف 16 وصواريخ هاربون ودبابات من طراز M1A1 أبرامز. وفي حين ذكر أوباما أيضًا بعض المخاوف في مجال حقوق الإنسان، بشأن استمرار سجن النّاشطين السّلميين والمحاكمات الجماعية، يبدو بوضوح أنها لم تشكل عائقًا لإدارته أمام رفع الحظر على الأسلحة.

من الصّعب فهم كيف يمكن للاستمرار بتسليح نظام السّيسي، مع تجاهل المخاوف المُتَعلّقة بحقوق الإنسان التي أثارتها الإدارة الأمريكية عند فرض الحظر في العام 2013، أن يكون جيدًا للمنطقة أو جيدًا لمصالح الولايات المتحدة على المدى الطّويل. يُقَوّض الأمر جهود أولئك الذين يدافعون عن حقوق الإنسان في البلاد، ويغذي المشاعر المناهضة لأمريكا، كما يكافئ حكومة تهاجم مجتمعها المدني.

إنه خطأ يتكرر كثيرًا. واضح أن المساعدة العسكرية لليمن، والتي قُدّرت بحوالي نصف مليار دولار منذ العام 2006، لم تحقق أي استقرار في البلاد. وعلى مدى سنوات، دعمت واشنطن الدكتاتور علي عبد الله صالح، الذي حكم اليمن لثلاثة عقود، والذي ضيق الخناق على المعارضة وقمعها كما قمع المجتمع المدني. الفوضى الحالية، والطّائفية، والتّطرف العنيف أمور تعود، بشكل جزئي، إلى أجيال سابقة من القمع.

المملكة العربية السّعودية لديها أنواع من الاستقرار، يضمنها لها حكم التّعذيب والجلد وقطع الرؤوس. لكننا نعرف أنّ هذا النّوع من الاستقرار وهمي، ولا يمكن له الاستمرار على المدى الطّويل.

الغريب أن أوباما يقول أنه يفهم المبدأ بأنّ مجتمعات مدنية قوية توفر منصة آمنة للمجتمعات المستقرة، وأن البلدان ذات المجتمعات المدنية تشكل أفضل الحلفاء للولايات المتحدة الأمريكية. وفي سبتمبر/أيلول، قال إنّ "تعزيز المجتمع المدني الذي يمكن له إبراز القضايا والدّفع باتجاه القيادة، ليس مجرد تماشٍ مع قيمنا، ليس مجرد إحسان. إنّه جزء من مصالحنا الوطنية. إذ يحدث أن البلاد التي تحترم حقوق الإنسان -بما في ذلك حرية التّجمع- هي من أقرب حلفائنا إلينا. وليس هذا من قبيل الصّدفة. على العكس من ذلك، عندما يتم قمع هذه الحقوق، فإن ذلك يزيد المظالم والشّعور بالظلم الذي يمكن له أن يغذي عدم الاستقرار أو التّطرف. لذلك، أعتقد أنّ دعم أمريكا للمجتمع المدني مسألة أمن قومي".

اعترف أوباما بأن القمع الممارس في دول الخليج (الفارسي) هو أكبر تهديد لها. وقال، الشّهر الماضي، إنّه "...مجرد اعتقاد بعدم وجود منافذ مشروعة للمظالم... أعتقد أنّ أكبر التّهديدات التي يواجهونها قد لا يكون مصدرها الغزو الإيراني. سيتأتى ذلك عن عدم الرّضا داخل بلدانهم نفسها".

التّناقض هنا واضح. على الرّغم من قول الرّئيس أشياء صحيحة، إلا أنّ إدارته تُقَوّض ذلك بانتظام من خلال دعمها الأنظمة الدكتاتورية في مصر والمملكة العربية السّعودية والبحرين وغيرها من البلدان التي تقمع علنًا مجتمعاتها المدنية، مما يزيد من المخاطر على المنطقة وعلى مصالح الولايات المتحدة.

إعلان أوباما عن استئناف المساعدة العسكرية لمصر يأتي في وقت تطلب فيه الحكومة البحرينية من واشنطن رفع الحظر عن مبيعات الأسلحة إلى المملكة، وهي قيود فُرِضَت في العام 2011 إثر الرّد العنيف للحكومة على الاحتجاجات المُطالبَة بالإصلاح. في الأسبوع الماضي، وفي خطوة أخرى لخنق المعارضة السّلمية، اعتقلت الحكومة البحرينية مُجَدّدًا المعارض البارز نبيل رجب.

وعلى نحو لا يثير الدّهشة، لا يزيد تسليح الأنظمة القمعية من شعبية أمريكا لدى الرّأي العام في الشّرق الأوسط. ووفقًا لما كشف عنه تقرير صادر عن مركز بيو للدّراسات في يوليو/تموز 2014، انخفضت نسبة التّأييد لمواقف الولايات المتحدة في مصر من 30 بالمائة في العام 2006 إلى 10 بالمائة في العام الماضي. وقال التّقرير إنّ "الشّرق الأوسط هو المنطقة الوحيدة حيث مناهضة أمريكا عميقة ومنتشرة على حد سواء". لا شك أن هناك أسبابًا أخرى لانعدام الشّعبية هذا، لكن تزويد الدكتاتوريات بالدّعم العسكري والسّياسي لا يساعد على تحسين صورة واشنطن.

من المُرَجّح أن يزيد رفع الحظر عن الأسلحة لحكومة السّيسي الوضع سوءًا. تحتاج الولايات المُتّحدة لإيجاد طريقة للتّخلص من وهمها بأن تسليح دكتاتوريات الشّرق الأوسط بالمزيد سيحقق الأمن في المنطقة. ومن المُرجح أن يؤدي ذلك إلى العكس.

براين دولي- ترجمة موقع : مرآة البحرين