الإنقلاب السديري.. قراءة مختلفة

الإنقلاب السديري.. قراءة مختلفة
الخميس ٣٠ أبريل ٢٠١٥ - ٠٥:٢٥ بتوقيت غرينتش

بتجاوز الملك السعودي سلمان بن عبدالعزيز، هيئة البيعة التي أقامها شقيقه الملك عبدالله، لتعبيد الطريق أمام ابنه للوصول إلى العرش، وبإقصاء أخيه غير الشقيق مقرن بن عبدالعزيز من ولاية العهد، وتعيين ابن شقيقه محمد بن نايف خلفاً له، وتعيين ابنه محمد بن سلمان ولياً لولي العهد، يكون سلمان قد اقترب من طي صفحة عبدالله وبشكل كامل ولم يمض على وفاته 100 يوم.

ما تبقى من عهد الملك عبدالله، والذي مازال يحول دون تحول ذلك العهد إلى شيء من التاريخ، هو وجود ابنه متعب على رأس وزارة الحرس الوطني حتى الساعة، بينما كان متوقعاً أن يكون الرجل في مقدمة من يُطاح به، فهو السبب وراء كل التغييرات التي أحدثها والده على نظام الحكم في البلاد، بيد أن القائمين على خطة إبعاد أبناء وأحفاد الملك عبدالعزيز من غير السديرين عن المناصب الرئيسية، تريثوا في ذلك، حتى لايبدو الأمر وكأنه انقلاب دُبّر بليل.

الانقلاب السديري بانت ملامحه قبل أن يوارى عبدالله الثرى، عندما أطاح الملك الجديد برئيس الديوان الملكي في عهد الملك عبدالله، خالد التويجري، المتهم من قبل السديريين بأنه العقل المدبر وراء الخطة التي كانت ترمي لاعتلاء متعب بن عبدالله العرش على أكتاف عمه مقرن.

الاستبعاد طال جميع أبناء الملك عبدالله من المناصب المهمة، وآخرهم كان عبدالعزيز بن عبدالله، الذي كان المرشح الأوفر حظاً لخلافة سعود الفيصل في وزارة الخارجية، وقبل ذلك استُبعِد شقيقاه مشعل من إمارة مكة، وتركي من إمارة الرياض.

الانقلاب السديري هو جانب من الصراع على السلطة بين أبناء الملك عبدالعزيز، وهو صراع ليس بجديد ويعود جذوره إلى الفترة التي أعقبت وفاة الملك المؤسس، عندما دب الخلاف بين الملك سعود بن عبدالعزيز وأخيه الملك فيصل، إلا أن الصراع المحتدم الآن بين أبناء وأحفاد الملك عبدالعزيز، لا يمكن وضعه في إطاره التقليدي، لأنه يأتي في ظروف استثنائية أحوج ما تكون إليه السعودية فيها للهدوء والاستقرار، نظراً للتطورات الصعبة والمعقدة التي تشهدها السعودية والمنطقة، والتي لا تتحمل ارتكاب أي خطأ مهما كان صغيرا.

العارفون بطبيعة النظام السياسي الحاكم في السعودية، رغم إلمامهم بخفايا الصراع بين أبناء الملك عبد العزيز، لم يتوقعوا أن يقوم السديريون بإقصاء جميع أبناء وأحفاد الملك المؤسس بهذه الطريقة الانقلابية، لمعرفتهم أن النظام الحاكم في غنى عن اعتماد هذه الطريقة، وما يترتب عنها من ارتدادات غير محمودة العواقب، ولكن الانقلاب قد وقع، وخالف السديريون كل توقعات المراقبين، الأمر الذي يتطلب أن نقف على سر هذا التغيير الذي طرأ على أداء العائلة المالكة السعودية.

المتتبع للأداء السياسي السعودي منذ مرحلة ما بات يعرف بالربيع العربي، والمحادثات النووية التي تجريها إيران مع مجموعة 5+1، وما قيل عن تزايد احتمال وصول المتفاوضين إلى اتفاق ينهي هذه الأزمة المفتعلة منذ أكثر من عشرة أعوام، ويرفع الحظر المفروض على إيران، يلحظ وجود إرادة خارجية تدفع بهذا البلد للخروج عن النهج التقليدي في علاقاته الدولية وتعامله مع الأزمات الإقليمية، وهو ما اتضح من تعامله المُستَفز والمتوتر، مع قضايا المنطقة مثل أزمة البحرين وغزوه لهذا البلد، و تدخله المباشر في الحرب المفروضة على سوريا، ودوره في الفوضى التي تضرب ليبيا، وما رافق ذلك من سلوكيات بعيدة كل البعد عن الدبلوماسية والاتزان السياسي، وتجلى ذلك في رفضه قبول مقعد في مجلس الأمن، ورفضه كذلك إلقاء كلمة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، احتجاجاً على المفاوضات التي جرت بين إيران والولايات المتحدة في سلطنة عمان والتي مهدت للمفاوضات النووية التي أفضت إلى اتفاق جنيف، وآخر هذه المواقف عدوانه غير المبرر على اليمن، والذي أسفر لحد الآن عن استشهاد نحو 4000 مدني يمني؛ بينهم أكثر من 1000 طفل وامراة، وتدمير البنية التحتية لهذا البلد العربي المسلم الفقير، والدفع به نحو الكارثة، وبالتالي دفع المنطقة إلى حافة الهاوية.

الإرادة التي تدفع بالسعودية إلى اعتماد هذه السياسة الصبيانية، إزاء الأزمات والقضايا الإقليمية وعلاقاتها مع إيران، عملت ومازالت تعمل على الإيحاء لآل سعود أن ملكهم في خطر، وانه مستهدف من جهات خارجية، وأن هناك مؤامرة كبرى تحاك ضدهم، تشارك فيها قوى إقليمية بالتواطؤ مع أقرب حلفاء السعودية!، بل أن هذا الحليف القريب يحاول أن يوهم السعودية أن ما تشعر به من خطر يتهددها هو شعور صادق، وأن هناك شيئاً ما يحاك خلف ظهرها، وعليها أن تنتقل إلى الهجوم المباشر، وليس عبر الوكلاء كما كانت تفعل في السابق، للدفاع عن وجودها المهدد بالزوال. حالة الهلع هذه، هي التي دفعت آل سعود إلى الإسراع لاختيار من يرونهم صقوراً لحماية ملكهم، وإن كان هذا الأمر يعود في جانب منه إلى الصراع الدائم بين أجنحة آل سعود.

هذه الإرادة هي نفسها التي أشعرت من قبل، النظام البعثي في العراق، بأن العراق مهدد، وأن العدو يتربص به، وآن الأوان للانتقال إلى الهجوم، لذلك جيء بصدام حسين بوصفه أكثر صقور البعث شراسة، إلى رأس السلطة في العراق عام 1979، بحركة انقلابية أقصت الرئيس العراقي أحمد حسن البكر وعدداً من القيادات البعثية، لدفع الأخطار الوهمية التي كانت تهدد العراق، وتم زرع تلك الأوهام في رأس الدكتاتور العراقي، الذي كان على استعداد لقبول مثل هذه الأوهام، كما يقبلها اليوم صقور آل سعود، فشن الحروب على جيرانه وأحرق الأخضر واليابس، ومازالت المنطقة وشعوبها تدفع أثماناً باهظة جراء تلك الحروب، فانتهت مغامراته إلى أن تستجدي العديد من الدول العربية "السلام" مع "إسرائيل".

لذلك فإن انقلاب السديريين، هو أكبر وأخطر من كونه صراع بين أجنحة الحكم في السعودية، فهناك من يمهد الأرضية أمام مغامرات ذات طابع "صدّامي" في المنطقة ولكن بنكهة "سديرية"، ويبدو أن الدوائر التي دارت على العراق بسبب صقورية وصبيانية الدكتاتور صدام حسين،، يُراد لها هذه المرة أن تدور على السعودية، التي تلقف صقورها الطعم، ووقعت في الفخ الذي وقع فيه صدام، الذي عاش ومات وهو يقاتل طواحين الهواء، فأنهك شعبه ودمر بلده.

* ماجد حاتمي