القطيف: متى يتوقف التحريض المذهبي؟

القطيف: متى يتوقف التحريض المذهبي؟
الأربعاء ٢٧ مايو ٢٠١٥ - ٠٦:٢٢ بتوقيت غرينتش

عدم ثقة أهالي قرية القديح خاصة، ومحافظة القطيف شرق السعودية عامة، بقدرة الأجهزة الأمنية السعودية على حماية أهاليها، وحماية جنازة 21 شخصاً قتلوا (استشهدوا) في تفجير انتحاري نفذه عضو في تنظيم «داعش» الارهابي في مسجد الإمام علي (عليه السلام) الجمعة الماضي، أدت إلى نصب نقاط تفتيش أهلية على كل مداخل المحافظة الشرقية، ذات الغالبية الشيعية.

فبرغم غرق المدينة في الحزن جراء الاعتداء الإرهابي على المصلين في منطقتهم، التي يصفها أهلها بالمنطقة الهادئة وليست المقاومة أو الثورية، إلا أن عشرات الآلاف شاركوا في تشييع الضحايا، الذين كان بينهم أطفال وشباب في مقتبل العمر.

كان التشييع مهيباً، ورفعت فيه شعارات تخص الطائفة، تأكيداً لبقائها واستمرارها رغم الاستهداف المذهبي، كما أن اللافتات التي رفعها المعزون كانت تشير إلى التحريض الطائفي الذي تمارسه وسائل الإعلام، ورجال الدين والمناهج الدراسية، داعين إلى إيقافها وتعديلها، وصولاً إلى مجتمع متسامح ومتقبل للآخر.

غابت المرأة عن التشييع، الذي قارب عدد المشاركين فيه النصف مليون شخص، لمحاذير أمنية، حسب ما أعلن المنظمون، إلا أنه كان من الواضح أن المرأة غير مرحب بها في فعاليات ومناسبات كهذه، حتى وإن كانت إعلامية وصحافية.

واتهم المعزون التحريض الطائفي الذي يشجع الجماعات المتشددة ويغذيها بخطاب الكراهية بالوقوف وراء التفجير. ويقول مدير تحرير صحيفة «الشرق» حبيب محمود إن «الإعلام ليس المسؤول مباشرة عن حادث القديح، ولكن هناك ثقافة سائدة في الشرق الأوسط، وتحديدا منذ العام 1980، هي ثقافة الكراهية، والسياسيون لم يتعاطوا معها جدياً، والصراعات السياسية تحولت إلى صراعات مذهبية ومناطقية وعرقية ولونية. بالمحصلة، تتجه الأمور والاحتقانات دائما إلى التنفيس ثم الانفجار، وما حدث في القديح والدالوة وغيرها من المناطق السعودية في العقود الماضية نتيجة سيادة ثقافة كراهية على المستوى المذهبي والوطني، ما أدى إلى انقسامات واحتقانات».

وأوضح محمود أن مطالب أهالي المنطقة الشرقية ليست مختلفة عن مطالب بقية أبناء الوطن، مضيفاً «نحن مواطنون ولا نعزل أنفسنا عن بقية الوطن، والمطالب التي نرفعها محدودة، وهي مطالب جميع المواطنين، بأن يكون هناك المزيد من الحزم، والعمل على تجفيف مواقع الإرهاب أياً كان موقعها ومستواها ووظيفتها وشكلها الإيديولوجي. باختصار ما لم نقف ضد الإرهاب، سياسياً وأمنياً واجتماعياً وتعليمياً، فلن يتغير شيء، ولن تضمد الجراح، وما يجري اليوم هو معالجة سطحية للجراح».

شقيق أحد الضحايا خالد جعفر مرار، الذي يعمل موظفاً في مصلحة الزكاة والدخل، طالب «بإيقاف قنوات الفتنة، ومنع شيوخ الفتنة، وتعديل المناهج الدراسية التي تكفر الشيعة وتعتبرهم مشركين، فما حدث في القديح هو نتيجة التحريض الطائفي، الذي راح ضحيته 21 من خيرة شبابنا ورجالاتنا».

واعتبر أن «الدولة لا تحمي الطائفة الشيعية حماية كافية، فكل التكفيريين في القنوات أعضاء في هيئة كبار العلماء التي تكفر الشيعة، كما أن المناهج الدراسية الموجودة تقول إن الشيعة مشركون، فلماذا لا تتخذ الدولة إجراءً لإيقاف هذه الفتنة والطائفية والمذهبية، التي لم نتربَّ عليها ولا نؤيدها».

ولام المسؤول عن المسجد الذي شهد التفجير علي أحمد العوى أيضا التحريض الطائفي في ما حصل. وقال «يبدو من خلال وسائل الإعلام أن هناك حشواً وشحناً طائفياً من بعض علماء الدين في المملكة المحسوبين على الحكم، والذين يملكون حرية إطلاق عبارات وشعارات كثيرة تستهدف الطائفة الشيعية».

واعتبر الفنان التشكيلي عبد العظيم شليت أن «الحادث نتيجة الصراع الطائفي في المنطقة، والشحن الطائفي الداخلي على مدى عقود من الزمن، عبر المناهج التعليمية، التي خلقت أجيالاً من الكارهين للمذهب الشيعي، إلى أن جاءت هذه اللحظة التي لم نكن نتمناها أبداً، فانفجر الوضع بهذا الشكل المؤسف والمأساوي، وهو حدث لن تنساه القطيف أو القديح وحتى المملكة، وتم استنكاره من كل العالم».

وعما إذا كانت الدولة تقوم بواجبها في تأمين المواطنين الشيعة، قال شليت «من الصعوبة بمكان أن تضع الدولة شرطياً في كل مسجد وحسينية، لأننا نتعامل مع فكر إقصائي يجب أن يتغير، وأن ينتهي الخطاب الطائفي. ورغم توالي الحوادث إلا أن الخطاب ذاته لا يزال مستشرياً، وبعض الصحف مع الأسف تغذيه بطريقة مباشرة وغير مباشرة».
وطالب ممدوح أحمد خزعل، المشارك في التشييع، الدولة السعودية بمعاقبة من يقف وراء الحادث، مؤكدا أن «أهالي القطيف، سنة وشيعة، متماسكون، كما أن كبار علماء السنة استنكروا الحادث، وهو دليل على الوحدة الوطنية».

وعما إذا كانت هذه التصريحات للبهرجة الإعلامية، قال خزعل «ليست كذلك، فنحن متماسكون، ونتمنى أن تتعاون الدولة وتستمع لأبنائها الشباب وأهالي المنطقة، ولا يمكن للدولة الاستمرار من دون شعب»، مشيرا إلى أن «الحركة المطلبية في المنطقة الشرقية تطالب بالإصلاح والمساواة وعدم التهميش، وألا يكون الشيعة فيها مواطنين من درجة ثانية».

صحيفة السفير