الأردن والعراق.. الأطماع والتوطين!

الأردن والعراق.. الأطماع والتوطين!
الأربعاء ١٧ يونيو ٢٠١٥ - ١٢:٠٧ بتوقيت غرينتش

يخطئ من يظن ان النظام في الأردن يغرد خارج السرب الأميركي ـ الخليجي، لأن الخلافات بين النظم الموالية للغرب في منطقتنا، حول الأدوار والتفاصيل وقد تطال العلاقات الأفقية في جبهة الارتهان والتبعية. لكن خطوطها العمودية تبقى ثابتة، مادامت العمالة باقية.

حدثان نوعيان استحوذا على مساحة من الاعلام خلال الأيام الماضية، أولهما ارسال الولايات المتحدة 450 عسكرياً اضافياً الى العراق (الأنبار بالتحديد)، والثانية اعلان ملك الأردن، عبدالله الثاني، تسليح العشائر السنية في غرب العراق وجنوب سوريا.. يأتي ذلك تزامناً مع الانتصارات الكبيرة التي حققها الجيش السوري والمقاومة الاسلامية في القلمون وجرود عرسال، وتحول المعركة في الأنبار لصالح قوات الحشد الشعبي والقوات النظامية العراقية، وتقدم قوات حماية الشعب الكردي في تل أبيض وعلى الحدود السورية ـ التركية.. والأهم من ذلك كله تسخين جبهة درعا ـ السويداء في الجنوب السوري، الذي حولته الخيانة الأردنية الى مرتع للعصابات المسلحة المدعومة من غرفة عمليات الأردن.. فما الذي أخاف أميركا والأردن وما حكاية الخلافات الأردنية ـ السعودية؟

ابدأ من الشق الثاني وعلى نحوالفتوى.. مركز العمليات  المشتركة في الأردن والذي تديره المخابرات الأميركية يجمع على طاولته كل المنتمين للحضن الأميركي في المنطقة.. المشكلة الوحيدة هي ان كل من الأردن وتركيا تشعران بأنهما في الخط الاول للمواجهة مع محور المقاومة وتتحملان تبعات المسلحين والنازحين والمهربين على جميع الصعد الأمنية والاقتصادية والاجتماعية، في حين أن دول العدوان على سوريا وخاصة الخليجية منها ترفض استقبال النازحين والمعارضين لأنها تعتبرهم شرَ على بلدانها، ولذلك تطالب كل من تركيا والأردن بالمزيد من الدعم والأموال يصل احيانا الى حد الابتزاز.. والذي تعجز او لا تريد السعودية وشقيقاتها الخليجيات اعطاءه ( تركيا وضعها أهون من الأردن لانها متكفلة من قبل قطر أولا واقتصادها لايقارن بالوضع الأردني الذي يهدد النظام برمته) ليؤمن تبعيتهما وفقاً لاستراتيجية الجزرة المالية وسياسة البترودولار...

أما، لماذا التسليح الأردني للعشائر في جنوب سوريا وغرب العراق وما هوالسبب الذي دفع بأميركا ارسال 450 عسكرياً اضافياً في حين ان القوات العراقية كانت تحتاجها في وقت مضى لربما، اما اليوم فهي تريد، اما اليوم فهي تريد العتاد والسلاح فقط... ولماذا هذا التأكيد الأميركي على منطقة الأنبار، في حين كان الأولى بها ان تستقر في غرب كركوك وجنوب الموصل، اذا كانت تريد مكافحة الأرهاب والقضاء على داعش كما تدعى؟!

ومن أجل توضيح الموقف وكشف ملابساته، اورد النقاط التالية :
1. المعلن أميركيا هو أنهم يريدون مساعدة العراق ورفع كفاءة قواته النظامية وخلق عقيدة عسكرية لجيشه تمكنهم من مواجهة تحدي الأرهاب.. في حين أن الأردن يريد انشاء حزام أمان ومنطقة آمنة لحماية حدوده على غرار ما قامت به "اسرائيل" في جنوب لبنان خلال الفترة (1978 ـ 2000).

2. تحرير محافطة الأنبار من قبل القوات العراقية يعني وصول جيش حكومة بغداد الى حدود الأردن وسوريا، لأن أميركا وحلفاءها العرب لايزالون يصنفون حكومة بغداد (رغم كل التنازلات التي تقدمها) ضمن محور المقاومة او بتعبير ملك الأردن "الهلال الشيعي ".
اضافة الى ان تحرير كامل الأنبار وخاصة الفلوجة مركز الارهاب والتكفير والجريمة، يعني المزيد من الأمن للعاصمة بغداد والمناطق المقدسة في الكاظمية وكربلاء (والنجف) وسامراء.. وبالتالي تحرر القرار المركزي العراقي ـ حكومة بغداد ـ من الابتزازات الارهابية نسبياً، وهوما لا تريده أميركا ولا أذنابها من الدول الاقليمية، كما لا يريده دواعش العملية السياسية في غرب وشمال العراق!

3. فشل العدوان الارهابي في جنوب سوريا عن تحقيق كامل اهدافه يعني فتح جبهة قد تتحول فيها المعادلات بالكامل لصالح قوى المقاومة وتهديد مباشر للأمن الصهيوني من هذه الجبهة والذي يتحصن فيها الاسرائيلي بأكثر من خط دفاع (المجموعات المرتبطة بمركز عمليات الأردن، والجماعات المسلحة المرتبطة به مباشرة من "نصرة" و"جيش حرّ"، القوات الدولية وقواته العسكرية !).

4. على اساس ما تقدم تسعى أميركا وحليفها الأردني الى:

اولاً: تأخير حسم ملف الأنبار من قبل القوات العراقية بشتى الوسائل، من عدم التسليح القوات العراقية الى الدعم المباشر وغير المباشر للأرهابيين، الى حملات التشوية والضغط التي تطال الحشد الشعبي وحتى القوات النظامية العراقية.. ايضا من خلال زعزعة التكاتف الجماهيري الذي حققته فتوى المرجعية من خلال بعض الدعوات الانحرافية في الوسط الشيعي العراقي ومحاولات النفوذ داخل الجسم المرجعي.

ثانياً: خلق مصدَ طبيعي (ضد نوعي) وآخر اصطناعي بوجه القوات العراقية، والتي هدفها منع الحشد الشعبي من الاقتراب من الحدود الأردنية والسورية والتواصل مع القوات السورية والمقاومة.. 

فالطبيعي هو تشكيل قوات من ابناء المحافظات الغربية في العراق والجنوبية في سوريا يكون زمامها في الأردن (تل ابيب ـ واشنطن) تحت ذرائع متعددة، أولها مشاركة أبناء المناطق المذكورة في تحرير مدنهم من "داعش" وآخرها منع قوات الدولة المركزية من دخول مناطق المنطقتين "السنيتين" كما يحصل في اقليم كردستان العراق!

اما الاصطناعي، فهي البؤر والقواعد العسكرية الأميركية ولربما الأردنية و... من بلدان التبعية الأخرى.

لذلك فلا هناك راية هاشمية وأخرى سعودية ولا يوجد سيف حجازي وآخر نجدي، فالاول بدأ عميلاً لبريطانيا والأخر جمع العمالتين (البريطانية والأميركية) منذ البداية... وهذا ليس اتهام وانما حقائق تاريخية مدعومة بالوثائق والتواقيع والصور وقد برهنت عليه الأحداث التي شهدتها المنطقة على مدى قرن من الزمان.

والحقيقة هي ان الخطوتين التكامليتين الأميركية والأردنية تعبير عن أزمة وفشل في استراتيجية جبهة الارتهان والتبعية، وفي الوقت ذاته تقدم لمحور المقاومة بأتجاه حلَ العقدة السورية.

الخطوة الأردنية لو كتب لها النجاح ـ لا قدر الله ـ ستكون مقدمة لضم غرب العراق (ولربما أجزاء من شرق سوريا) الى المملكة الهاشمية، خاصة وان هناك من دواعش السياسة في العراق من يدعو الى ذلك جهاراً وعلى الملأ.. وبالتالي تكريس مشروع التوطين الفلسطيني والوطن البديل من أجل حل القضية الفلسطينية وخلاص عرب الردة من مشكل تاريخي يكلفهم سمعتهم ويفتح الطريق أمام تطبيع كامل مع الكيان الغاصب للقدس.. وعلى هذا فهو مشروع صهيوني ـ خليجي بغطاء أميركي غربي ينفذه الأردن ويتحمل تبعاته مقابل وعود باستمراية الحكم الهاشمي في هذا البلد.

وما نحتاجه اليوم هو اننا نعزز ايماننا وثقتنا بأمكانية حسم المعركة وان بدت صعبة (بعد التوكل على الله جلّ وعلا).. فالتغيير قادم لامحال في تركيا، والأردن يعاني من مشاكل داخلية قد تعصف بكل نظامه، والسعودية قفزت بنفسها في المستنقع اليمني فضلاً عن مشاكلها الداخلية وصراعات الأسرة السعودية، والحكومة البحرينية فشلت في قمع الحراك الجماهيري وعجزت عن كسر صموده وهي تسير الى المجهول مع تدهور الأمن في السعودية، بل ان البحرين ومن خلال حكمها على الشيخ علي سلمان زعيم الوفاق أمَنت لمعارضيها أربع سنوات أخرى من الثورة والاحتجاجات!

(ولا تهنوا في ابتغاء القوم إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون وكان الله عليما حكيما).. ورمضان كريم.

بقلم: علاء الرضائي