أردوغان والرقص مع الشيطان

أردوغان والرقص مع الشيطان
الأحد ٢٨ يونيو ٢٠١٥ - ٠٥:٥٨ بتوقيت غرينتش

النفي التركي المتكرر لوجود علاقة بين تركيا الاردوغانية وبين المجموعات المسلحة في تركيا وفي مقدمتها "داعش" و "النصرة"، لم يعد يقنع احدا فحسب، بل اصبح يثير سخرية حتى حلفاء تركيا في اوروبا وامريكا.

ولم يمر وقت طويل على الاتهام العلني الذي وجهه نائب الرئيس الامريكي جو بايدن لتركيا والدول الخليجية بانها، هي التي تقف وراء دعم وتسليح المجموعات التكفيرية في سوريا، الامر الذي اثار حينها ضجة كبيرة، وردود افعال مستنكرة في هذه الدول، الا انها لم تغير من حقيقة اتهام بايدن لها.
الرئيس التركي رجب طيب اردوغان يرى في ذريعة "احتمال قيام دولة كردية" في شمال سوريا، ضوء اخضر كبير يسمح له بالتدخل وبشكل عار في شؤون سوريا، حتى عبر فتح حدود بلاده مع سوريا امام كل من هب ودب من التكفيريين والمتطرفين من مختلف اصقاع العالم، ومدهم بالعتاد والسلاح، بالاضافة الى تقديم الاسناد العسكري المباشر اذا اقتضى الامر، وهو ما حدث في اكثر من مرة في الحرب الدائرة على سوريا.
بات من الواضح ان الموقف التركي من الازمة السورية، اكثر تطرفا حتى من مواقف امريكا و"اسرائيل" و السعودية وقطر، فما زال اردوغان يلح ويصر على اسقاط الرئيس السوري بشار الاسد بكل الوسائل المتاحة، حتى عبر التدخل العسكري المباشر من قبل الناتو، او من قبل الجيش التركي حصرا، او عبر اطلاق يد اكثر المجموعات اجراما و وحشية مثل "داعش"، او عبر فرض منطقة حظر جوي شمال سوريا تكون مكانا امنا للمجموعات التكفيرية المتطرفة، والتي ستكون نقطة انطلاق ل"تحرير" كل الاراضي السورية.
ذريعة الخوف من "احتمال قيام دولة كردية" شمال سوريا، هي التي جرأت اردوغان ان يُظهر تحالفه مع "داعش" بالشكل الفاضح الذي ظهر عليه، خلال الاحداث التي شهدتها مدينة عين العرب كوباني قبل وخلال وبعد تحريرها من "داعش"، فالعالم كله شاهد التواطؤ المخزي لاردوغان مع العصابات "الداعشية" وهي تحاصر كوباني من ثلاث جهات، واكملت تركيا الحصار عندما اطبقت على كوباني من جهة الشمال، ومنعت من ايصال اي مساعدات، حتى الانسانية منها الى المقاتلين الاكراد في المدينة، الا ان التحالف الاردوغاني "الداعشي" فشل في كسر ارادة المقاتلين الاكراد.
مرة اخرى تصدرت كوباني مشهد الاحداث في سوريا عندما تسللت سيارات "داعشية" مفخخة من مناطق تركية الى كوباني لتنفجر عند المعابر الحدودية التي تربط بين تركيا وسوريا، وليندس بعدها عناصر "داعش" الى المدينة ويرتكبون مجزرة رهيبة ضد المدنيين، راح ضحيتها اكثر من مئتي قتيل جلهم من الاطفال والنساء، واعادت هذه المجزرة الوحشية الى الاذهان المجزرة البشعة التي ارتكبتها "داعش" بابناء عشيرة الشيعطات السورية التي رفضت الخضوع ل"داعش"، حيث ذهب ضحيتها المئات من ابناء هذه العشيرة.
الجهات الكردية اتهمت وبشكل صريح تركيا بانها وراء الهجمات التى نفذتها "داعش" في كوباني، وانها وراء المجزرة البشعة التي ارتكبت ضد المدنيين فيها، وفي المقابل وبدلا من ان يدفع اردوغان عن نفسه تهمة اطلاق يد "داعش" في كوباني ضد المدنيين، نراه، وبعناده المعهود، يتهم الاكراد بانهم يحاولون تغيير البنية الديمغرافية في شمال سوريا عبر طرد العرب والتركمان منها.
الغريب ان اردوغان، الهارب من فضيحة تعاونه مع "داعش"، لم يكلف نفسه يوما من ان يوجه انتقادا الى الاساليب الوحشية واللانسانية التي تستخدمها "داعش" في العراق وسوريا، كالتطهير العراقي والابادة الجماعية، ضد الاقليات الدينية والقومية، وهي اساليب تفتخر "داعش" بممارستها وتعتبرها جزءا من الدين، بينما نراه ينفرد في تكرار ما لا يتفق معه احد بشان ما يجري في شمال سوريا.
الغريب ايضا، ان اردوغان الذي يعتبر نفسه سلطانا على المسلمين ويسمح لنفسه بالتدخل في شؤون جميع الدول رافعا لواء الدفاع عن المسلمين، لم يرتد له جفن، وهو يرى ويسمع معاناة السوريين على يد حلفائه من "داعش"، وخاصة المجزرة الرهيبة التي ارتكبتها في كوباني وراح ضحيتها، اكثر من مئتي مدني من الاطفال والنساء والشيوخ، بينما نراه يهدد انه لا يسمح ب"قيام دولة كردية" على حدود تركيا، وكأن لسان حاله يقول، ولكننا مع وجود دولة "داعشستان" وندعمها تقف الى جانبنا.
ان جميع القرائن على الارض تؤكد ان الخوف الكاذب من "قيام دولة كردية" شمال سوريا، ليس سوى ذريعة يحاول اردوغان من خلالها التدخل في شؤون سوريا، بهدف تنفيذ المخطط الامريكي الصهيوني الرجعي لتجزأة دول المنطقة وشرذمة شعوبها، عبر اطلاق يد "داعش" والجماعات التكفيرية الاخرى.
ان سياسة الرقص مع الشيطان، التي ينتهجها اردوغان، عبر تحالفه مع اكثر الجماعات التكفيرية وحشية مثل "داعش" لتحقيق هدف التحالف الصهيوامريكي العربي الرجعي، في تدمير سوريا، سترتد وبالا على دول المنطقة وفي مقدمتها تركيا، التي ستكون الخاسر الاكبر من هذه السياسة العبثية واللامسؤولة، بحكم الجغرافيا و الديمغرافيا التركية، والاواصر الاجتماعية والثقافية والتاريخية التي تربط الشعبين السوري والتركي.

* منيب السائح – شفقنا