إنها لعنة العراق وسوريا

إنها لعنة العراق وسوريا
الثلاثاء ٣٠ يونيو ٢٠١٥ - ٠٦:٤٤ بتوقيت غرينتش

مشاهد الدم والنار والذبح والقتل والتفجيرات التي كانت تنقلها الفضائيات عن الواقع العراقي والسوري ، اصبحت من فرط تكرارها ، اشبه بمشاهد فيلم بوليسي ممل ، بالنسبة للمشاهدين العرب والغربيين ، الا ان الامر بدأ يتغير في الاونة الاخيرة بالنسبة لهؤلاء ، بعدما شعروا بحرارة النار ، ورائحة الدم والاجساد المتفحمة ، وصوت تدحرج الرؤوس المقطوعة ، ليس عبر الفضائيات ، بل على مرآى ومسمع منهم.

الحالة التي عاشها المشاهد العربي والغربي ، لم تكن بسبب قلة وعي او ضعف ادراك ، بل بسبب السياسة الاعلامية التي اعتمدتها الدول التي كانت وراء كل الكوارث والمآسي التي عاشها العراق وسوريا خلال السنوات الماضية ، والتي حاول من خلال اخطبوطها الاعلامي حرف الحقيقة وتزييف الواقع وقلبه راسا على عقب ، فسوقت العصابات التكفيرية والاجرامية التي غزت العراق وسوريا من اكثر من 80 بلدا عربيا واسلاميا وغربيا ، على انهم مقاومة وثوار ومعارضة مسلحة ، وشنت حربا نفسية لاهوادة فيها ضد الجيشين العراق والسوري والمقاومة الشعبية على انها ميليشيا وجيش المالكي وشبيحة.
الكارثة ان هذا الاعلام والارادة السياسة التي تقف وراءه ، كان لا يغطي فقط على فظائع ووحشية العصابات التكفيرية ضد المدنيين والعزل والمواطنيين العاديين في العراق وسوريا ، بل كان يطبل ل”غزواتهم” ويعتبرها انتصارات للمعارضة على قوات المالكي والعبادي والاسد ، كما لوث كل ما حدث بالعراق بالفيروس الطائفي ، وقسم العراقيين والسوريين الى شيعة وسنة وعلويين ومسيحيين واكراد وعرب وايزديين ودروز وتركمان ، واخذ ينفخ ليل نهار في نار الفتنة التي احرقت العراق وسوريا.
وغاب عن الانظمة العربية والغربية التي وقفت وراء العصابات التكفيرية التي اطلقتها الى العراقيين والسوريين ، بسبب حقدهم الاعمى الذي افقد كل صواب لديها ، ان الارهاب والتكفير لا يمكن ان يكون سلاحا لتحقيق اهداف سياسية ، فمثل هذا السلاح يرتد وبالا على صاحبه ،كما اثبت ذلك التجربة التاريخية ، عندما قامت السعودية وباكستان وامريكا ، بتصنيف منتجها المشترك “القاعدة” بهدف استخدامه كسلاح لمواجهة النظام “السوفيتي الملحد” في افغانستان ، الا ان هذا السلاح انقلب على الثلاثي المذكور ، فعانت السعودية من هذا الابن العاق الذي نفذ العديد من العمليات الارهابية في المملكة ، كما مازالت باكستان تعاني حتى اليوم من القاعدة ، اما امريكا فقد وصل اليها ارهاب القاعدة في الحادي عشر من سبتمر عام 2001 ، ومازال هذا الوليد المسخ يهدد ليس فقط هذا الثلاثي بل العالم اجمع.
يبدو ان التجربة المرة التي عاشتها السعودية وامريكا مع القاعدة لم تكن كافية لاقناعهما بالكف عن استخدام الارهاب وسيلة لتحقيق غايات سياسية ، فعادتا الكرة هذه المرة ولكن ليس في افغانستان ، بل في العراق ومن ثم سوريا ، حيث قامتها باعادة الحياة مرة اخرى الى القاعدة في العراق ، التي تحولت الى ذئب مفترس فتك بالعراقيين الابرياء على مدى عقد كامل ، ولما قرر التحالف الامريكي الصهيوني العربي الرجعي بالتعاون مع النظام الاردوغاني العثماني ، كسر آخر عقبة في وجه الهيمنة الصهيونية في المنطقة العربية بعد ان تم تطويع الجميع ، تم اخراج كائنا مسخا متوحشا من رحم القاعدة ، ولم يكن هذا المسخ الا “داعش” ، الذي تم تصديره الى سوريا ليعيث فيها فسادا كما عاثت القاعدة فسادا في العراق ، وحققت “داعش” هدفا قديما للصهيونية والغرب ، لم يحققه هذا الثنائي منذ اكثر من قرن ، الا وهو تشويه صورة الاسلام والمسلمين وتمزيق بلدانهم وشرذمتهم.
الوحش “الداعشي” شب عن الطوق ، وخرج عن ما هو مرسوم له في حصر عبثه وفساده في العراق وسوريا ، فاذا به يضرب في السعودية ومصر وتونس وفرنسا والكويت ، وتركيا مرشحة ان تكون ساحة وساحة كبيرة جدا لنشاطه بعد ان فتح اردوغان حدود تركيا لكل افاقي العالم من المجرمين والتكفيريين.
في يوم واحد ، وهو يوم الجمعة الماضية 26 حزيران / يونيو قتل داعشي تونسي 39 سائحا في مدينة سوسة ، فيما كان داعشي آخر يفجر نفسه في مسجد الامام الصادق في الكويت ويقتل 27 مصليا صائما ، وفي مدينة ليون الفرنسي كان داعشي اخر يقطع رأس رجل فرنسي ويقتحم بسيارته مصنعا للغاز ، وبعد يومين وتحديدا يوم الاثنين 29 حزيران / يونيو قتلت عبوة ناسفة النائب لعام المصري المستشار هشام بركات، لدى مرور موكبه في القاهرة ، وفي ذات اليوم كان رئيس الوزراء البريطاني يحذر البريطانيين ان “داعش” تشكل “خطرا وجوديا” لبلاده وانها تعد العدة لارتكاب جريمة مروعة في بريطانيا ، وقبل ذلك اعلن احد قيادي “داعش” ان تنظيمه سيقوم بتفجير احد المساجد في البحرين ، هذا الى جانب الممارسات الاجرامية الوحشية لهذا التنظيم ضد الجيوش العربية في لبنان ومصر وتونس والجزائر واليمن.
ان ما تقوم به “داعش” من عمليات اجرامية ضد المدنيين في البلدان التي احتضنتها وربتها ودعمتها وسلحتها ، لا يمكن فهمه الا على انها “لعنة العراق وسوريا” ، وكلنا يتذكر التحذيرات التي كان يطلقها رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي ، من ان الارهاب التكفيري لا يفرق بين صديق وحليف ، ولا يعترف بالحدود ، ولا يعترف بالمذاهب الاسلامية غير الوهابية ، وان الانظمة العربية وتركيا تخطأ عندما تتصور ان التكفيريين ، سوف لن يستهدفوها ما داموا منشغلين ، ب”الشيعة في العراق” و “العلويين في سوريا” ، ولكن وللاسف الشديد لم تُأخذ هذه التحذيرات على محل الجد ، للطرش الذي اصاب هذه الانظمة جراء الحقد الطائفي البغيض ، الا ان الايام والاشهر والاعوام المقبلة ، ستثبت لهذه الانظمة حجم الجريمة التي ارتكبتها بحق شعوبها ، عندما اطلقت يد التكفيريين على العراقيين والسوريين ، ولكن بعد فوات الاوان.

* منيب السائح - شفقنا