هل سيضرب العبادي الفساد.. وهل يده من حديد؟!

هل سيضرب العبادي الفساد.. وهل يده من حديد؟!
السبت ٠٨ أغسطس ٢٠١٥ - ١١:٠٥ بتوقيت غرينتش

سأكون واضحا منذ البداية، ان يد رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي أنعم من ان تمسك بالحديد فضلا عن ان تضرب به ـ رغم انني اتمنى من كل قلبي أن يضرب ليس بالحديد فقط، بل وبالنار! ـ وان اختياره لهذا المنصب كان لهذه النعومة التي في يديه!

وبغض النظر عن ما يقال بشأن المظاهرات التي تشهدها مدن الوسط والجنوب العراقي والتي انتقلت عدواها لبعض مدن منطقة كردستان مؤخرا والمطالبة بتوفير الخدمات ومحاربة الفساد، من امكانية استغلالها وتحولها الى فوضى، فأن البعض على قناعة انها مدعومة... وانها اشتدت بعد خطب الجمعة قبل الماضية والتي انتقد فيها وكيل المرجعية في كربلاء الشيخ عبدالمهدي الكربلائي سوء الخدمات ودعا المسؤولين الى محاربة الفساد ورفع الحيف عن المواطن.

هذه المسألة الأخيرة وحسب بعض المتابعين تعتبر تأكيدا متواصلا من قبل  المرجعية على متابعة مسألة التغيير التي بدأت بمجئ رئيس الوزراء العبادي وبهدف دعم عملية التغيير التي جاء بها وباستصدار قرارات "تحت ضغط الشارع" في مواجهة بعض شركاء العملية السياسية الذين حاولوا تجيير التغيير لاهدافهم الخاصة وعادوا "مع حليمة" الى عادتهم القديمة في تغليب مصالحهم المذهبية والحزبية والفئوية على مصلحة البلد والشعب.

ولكن المفارقات التي تشهدها المظاهرات، كما هي مفارقات السياسة في العراق الاخرى، غريبة ومضحكة الى حدّ السخرية، ومنها على سبيل الاجمال:

1. الكل من نواب ومسؤولين واحزاب و... مع مطالب المواطنين في تحسين ظروف العيش و"المساواة" و"العدالة" و"مكافحة الفساد".. فمن وضع قوانين النهب ومن مارس مهنة الحرامية؟!

2. غباء بعض السياسيين والتنظيمات "الاسلامية" جعلها تبدو وكأنها المستهدف من هذه المظاهرات، في حين ان "الحواسم" انتشرت بين جميع اتجاهات العملية السياسية وبالتأكيد فأن حصة الاسلاميين الشيعة (رغم قبحها القيمي والاخلاقي وعدم شرعيتها وفق كل المبادئ والمُثُل) وبحسابات بسيطة يمكن لأي انسان القيام بها، هي واحد بالعشرة من النهب! فكل الذين اجتمعوا على "كاتو" دستور بريمر، وعلى اختلاف مشاربهم متهمون بالفساد، لأن الدستور صنف لينتهي اليه!

ويوم أمس يصرح "أحدهم" بان اسقاط الحكم القائم يعني العودة الى اللادينية! في تأجيج ساذج لعواطف الناس وصدها عن المطالبة بحقوقها المشروعة، مصورا النظام القائم حاليا بانه ديني غافلا عن ان الاسلام الحقيقي يمثله المعصوم وان عيوب البشر لا تمت الى الغيب، فما يأتينا من خير يكون بقربنا من غايات الشارع المقدس والشرور من انفسنا.. ثم ما هي النظرية التي يقوم عليها هذا الديني الذي يبيح سرقة أموال الشعب.. وما هو مستمسكه الفقهي؟!

3. المتظاهرون المطالبون بالعدالة ومكافحة الفساد ومحاسبة الفاسدين وتحسين ظروف العيش، هم انفسهم الذين صوتوا في الانتخابات رافعين بفخر اصابعهم البنفسجية والرأي في الديمقراطيات لا يسترجع "يا جماعة الخير"، وهم انفسهم الذين يسيرون في "مشاية" الاربعين و25 رجب و15 شعبان، وفيهم الموظف والطالب والعامل والفلاح والمثقف و...الخ، هؤلاء الذين يدعون الى العدالة اليوم، كم طبقوا على انفسهم من مستلزماتها وشروطها في سلوكياتهم المهنية والسياسية؟
ولماذا تستشري الرشوة في دوائر الدولة.. في حين ان الراشي والمرتشي ملعونين.. واعتقدوا ان الفساد يبدأ من عدم جمع النفايات في حاوياتها!

4. ثم ما الذي يريده المتظاهرون.. كهرباء، ماء، خدمات صحية، توظيف، تقليل صلاحيات وامتيازات البرلمانيين، الغاء المجالس البلدية، اقالة وزير المالية او رئيس لجنة الطاقة و... ما هي مطالبهم بالتحديد؟ وهل يمكن تغيير كل هذه الامور دفعة واحدة.. في بلد يُتربَصُ به ولا يزال قسما كبيراً من ارضه محتلة من قبل شذاذ الآفاق؟!
اسمحوا لي ان اكون متشائما، لن تنتج المظاهرات شيئا بهذا النحو، لانها تريد كل شئ!... الاّ ان يريد المتظاهرون اسقاط العملية السياسية برمتها.. فما هو البديل؟!

المرجعية الدينية وعلى لسان وكيلها في كربلاء، السيد الصافي، وفي خطبة الجمعة أمس، اعطت رئيس الوزراء الضوء الاخضر بالتغيير، والأخير أعلن التزامه بتوجيهات المرجعية بالاصلاح الشامل.. فما هي استراتيجية التغيير التي سينتهجها العبادي ومن هم الذين سينفذون له تلك الاستراتيجية؟

للاسف تهمة الفساد تطال حاليا أغلب المشاركين في العملية السياسية ان لم نقل جميعهم بنحو او آخر، وللاسف ايضا اصبح هذا الامر قناعة ينطلق منها الشارع العراقي ـ صحّ كانت أم خطأ ـ لأن ما يدعمها اكثر مما يبددها.. والدلیل الأكبر هو سوء حال شعب ینام علی واحدة من اكبر بحیرات النفط في العالم.. ولدیه أرض خصبة كانت تسمی یوما "ارض السواد" وآثار تاریخیة ومزارات دينية ومصايف طبيعية واهوار شبهت بعض مدنها بفينيسيا الشرق الاوسط، وثروات حيوانية وسمكية وزراعية فريدة من نوعها في المنطقة...

 

ان أهم خطوة واشهر اجراء تتخذه البلدان المتقدمة والمتاخرة! في مثل هذه الحالات وعند مواجهتها لمعضلة اقتصادیة كالتي یمر بها العراق الیوم جراء الحرب علی الارهاب وتدني اسعار النفط.. هي الترشیق.. والترشیق یكون "للمتضخمین" لا ان یبدأ ببطاقات الاتصالات ومرتبات الموظفین العادیین.. الترشیق یا سادة یبدأ بعدد الوزارات ونواب رئیس الجمهوریة ورئیس الوزراء ومجلس النواب.. یبدأ من ال 328 نائبا في البرلمان وحمایاتهم.. یبدأ من عدد المستشارین لكل من هؤلاء الزعامات.. ومن عدد الناطقین رسمیا باسم عشرات الاجهزة في الدولة.. یبدأ من مرتبات الكبار الذین یتقاضی بعضهم آلاف الدولارات ورجله لم تمس تراب العراق! من المستشارین والمدراء العامین المنتشرین في بلدان العالم!

یبدأ من تقلیص جیوش الایفادات والزیارات الدبلوماسیة وغیر الدبلوماسیة وهجوماتها التي لم تترك أرضا علی المعمورة الا وطالتها من نیوزيلندا الی كندا...!
حتی المجهود الحربي وعدد المتطوعین ونوعیة المقاتلین یجب ان تخضع لدراسة علمیة.. وان تخرج من حالة "الفزعة" العشائریة وتوزیع الاموال علی كل من یاتي بكذا عدد من المقاتلین ویشكل جیشا!

للاسف كل شئ في هذا البلد لا یشابه البلدان الاخری.. وهو بحاجة لأناس یفكرون بحجم التحدیات التي یواجهها.. لا بحجم المصالح والعقلیات التي یمثلونها..

وما يُخاف منه هو ان تتحول او تجيّر عملية التغيير والاصلاح الى تصفية حسابات جهوية ووسيلة الى تغليب فئة على أخرى، وما أخاف منه اكثر ان يكون الامر وسيلة لقطع الطريق امام الحشد الشعبي من لعب دور سياسي في المستقبل من خلال تلطيف صورة السياسيين الحاليين وتحويلهم الى ابطال الحشد المدني!... حسبك الله يا عراق.

بقلم: علاء الرضائي