عندما یصرخ لیفي: "وا أوباماه"!

عندما یصرخ لیفي:
الثلاثاء ١٧ نوفمبر ٢٠١٥ - ١٠:١١ بتوقيت غرينتش

لا أستطیع هضم غفلة الأمن الفرنسي عن جریمة منظمة بهذا المستوی ـ مع ان الغفلة من طبائع البشر ـ ولايزال منطق نظرية المؤامرة يدغدغ تفكيري، خاصة وان الفرنسیین كانوا قد بدأوا للتوّ مشاركتهم في ضرب "داعش" ضمن التحالف الدولي وتحريك سفنهم وحاملات طائراتهم نحو المنطقة في محاولة واضحة للالتفاف على نتائج الضربات الجوية الروسية.

خمس أو ست عملیات ینفذها ثمانیة أو سبعة ارهابیین - علی اختلاف الروایات - تكون نتیجتها 129 قتیلا (والعدد مرشح للارتفاع) ومئات الجرحی...
وما یثیر الانتباه هو محاولة الاعلام الغربي تشبیه الحادث بالذي وقع في 11 سبتمبر 2001.. لكن هل ستتصرف باریس كما تصرفت واشنطن بعد 11 سبتمبر.. وهل ستقود حربا في سوریا كما فعلت في ليبيا ومالي.. وعلی غرار حرب أميركا في افغانستان والعراق تحت ذریعتین واهیتین.. وهل سوريا أفغانستان أو العراق أو ليبيا أو مالي؟!

صرخات الصهیوني الفرنسي "برنار هنري لیفي" التي اطلقها، الأثنين، بوجه الرئیس الأميركي (ولا ادري لماذا لم یصرخ بوجه رئیسه فرانسوا هولاند!) تؤكد ان هناك طبخة ومشروع، اما یكون وراء الحادث أو یرید استغلاله علی أحسن وجه ولأهداف عجز عنها ساسة الغرب والصهاينة منهم بالتحديد علی مدی خمس سنوات هي عمر "ربیع" لیفي في مصر ولیبیا وسوریا..

ففي تصریحاته طالب المفكر الصهیوني وعراب "الربیع العربي" في لیبیا وسوریا ومصر علی وجه الخصوص، طالب أميركا بعمل شئ في سوریا وتدمیر "الارهاب" فیها، قبل ان تفیض باریس ونیویورك بالدماء!

ومع ان الرئيس الأميركي رفض تباعا ارسال اية قوات برية الى سوريا والعراق، الّا ان تصریحات لیفي تحتمل أمرین:
الاول - ان الوحش الذي صنعته المخابرات الغربیة وحلیفاتها في المنطقة وأمدته خلال السنوات الماضیة، بدأ بالتمرد (أو جزء منه) كما حصل مع القاعدة من قبل.. وبالتالي لابد من تدمیر هذه المسوخ التي صنعت في مختبرات الغرب بأموال ومساندة تركیة ـ اسرائیلیة ـ سعودیة (خلیجیة).. كما شاهدناه في افلام هولیودیة سابقة ومشاریعهم الجینیة والجرثومیة أو الآلیة.

خاصة وان حسابات الأوروبیین لم تثمر بشكل جید وتعطي اكلها، فقد شكلت الهجرة غیر المنتظمة والعشوائیة عبئا علیهم وتهدیدا لأمنهم ومجتمعاتهم.. وبالتاكید سیؤدي الی تشدید الصراع بین الیمین المتطرف (المعارض للهجرة والذي یطالب بطرد المهجرین علی اعتبار انهم یهددون الانسجام والثقافة المجتمعیة ويشكلون عبئا اقتصادیا علی دافعي الضرائب) والتیارات المعتدلة ومنها الداعیة الی احتواء المهاجرین وفتح ابواب الهجرة لاسباب انسانیة واقتصادیة.

والثاني - ان كل ما حصل، هو جزء من مشروع یهدف الی تبریر التدخل الغربي في سوریا دون الرجوع الی مجلس الأمن لاستحالة صدور قرار في ذلك!.. بغية موازنة العملیات العسكریة الروسیة والتي جعلت میزان القوی علی الارض یمیل بشدة لصالح الحكومة السوریة.. لكن ما هو هدف التدخل الغربي في سوریا وهل یتوقف عند اسقاط نظام الرئیس الاسد؟
بالتاكید لا.. لأن شخص الرئیس الاسد مهمٌ باعتباره یمثل تیارا شعبیا في سوریا والمنطقة، ولو لم یكن خوفهم من هذا التیار لتركوا الشعب السوري یقرر بنفسه دون صفقات مسبقة.. انهم یریدون وضع صیغة مفروضة علی الشعب السوري وبضغط من فصائل وتنظیمات ارهابیة عناصرها غیر سوریین (شیشان وافغان وتركمان وسعودیین وتونسیین و.. الخ من شذاذ الآفاق) لذلك فان " حربهم " التي یدعونها ضد الارهاب لن تنتهي بهذه السرعة الا اذا اقترنت بتغییر النظام.. وهذا ما یدعون الیه علانیة بلسان عملائهم السعودیین والاتراك..

ومع مهلة نهایة السنة التي حددتها مفاوضات فیینا للعمل علی: وقف اطلاق النار واعداد قائمة بالمنظمات الارهابیة وبدئ الحوار بین الحكومة والمعارضة.. ومع تاجیل مسالة الرئیس الاسد، لنفوذ القوی الاقلیمیة ونتائج صراعهم.. ستجد فرنسا ومن خلفها الناتو نفسها في المستنقع السوري قریبا.. وقد هیأ الرئیس الفرنسي فرانسوا هولاند لذلك عندما وصف ما وقع في باریس بـ"العمل الحربي" ونسب التخطیط له الی الجغرافیا السوریة.. رغم قوة المعارضة الفرنسية التي تشير الى تورط الاليزيه بدعم الارهاب في سوريا مما انعكس على الداخل الفرنسي سلبا.

وليس بالضرورة ان يكون الحدث وهذا المشروع من صنع الاليزيه نفسه، بل قد تكون هناك دوائر في تركيبة السلطة الفرنسية (والتي يمثل بعضها ليفي) هي التي تدفع بالقرار الفرنسي لتبني مثل هذه المواقف وتفتعل مثل هذه الحوادث الضاغطة.. فالمستفيد الأول من هذه الحادثة هم الصهاينة في "اسرائيل" وخارجها.
خاصة وان مؤامرة نيويورك نجحت (اذا كنا ننظر الى 11 سبتمبر بأنها مؤامرة) في تدمير الشرق الإسلامي ورفع مستوى الأمن الصهيوني.. فلماذا لا تتكرر؟!

وما یجعلنا نمیل أكثر الی التحلیل الثاني، هو الدور الذي تلعبه "اسرائیل" في التحقیقات الجاریة بشأن الحادث، رغم انها أخفت - حسب تصریحات صدرت من مسؤولیها - معلومات كانت لدیها عن الحكومة الفرنسیة قبل الحادث!

وایضا التصریحات السعودیة "الناریة" التي اطلقها ابن جبیر والتي خیّر فیها العالم بین رحیل الرئیس الاسد أو الاستمرار بدعم المعارضة!.. في حین ان نظامه الغارق في مستنقع الیمن ولا یستطيع ان يحدد للعالم حتى الآن مدينة عدن بيد من؟! وكیف یلملم جراحه ویحافظ علی مدنه وقصباته الحدودیة في نجران وجیزان..

لذلك فإن هذه التصريحات إما ان تكون للاستهلاك فقط او تعبير عن سياسة ترك الحلفاء التي يتبعها الأميركيون في سوريا ليثبتوا قدراتهم وامكانياتهم حتى لو طال الأمر خمس سنوات وكانت نتيجته تدمير سوريا وجيرانها وحتى أوروبا.. فالوضع الأوروبي الحالي ليس سيئا بالنسبة لواشنطن خاصة وان فرنسا أخذت في الفترة الأخيرة تستحوذ على سوق السلاح الأميركية في المنطقة!

وهنا لابد من تسجيل أكثر من ملاحظة بشأن المواقف التي تبعت الحدث والتي لربما تكشف عن حقيقته:
1-  ليس هناك موقف موحد داخل فرنسا في معالجة تبعات الحدث.. فأحزاب المعارضة واليمين المتطرف يميل الى التعاون مع الحكومة السورية وروسيا، بينما يدفع الصهاينة (أمثال ليفي) للتدخل البري في سوريا وموقفهم مدعوم سعوديا واسرائيليا وتركيا وقطريا، ولربما تكون زيارة رئيس الوزراء القطري لباريس والتي لم يزرها منذ 2013 لهذا الغرض، والحكومة تحاول الجمع بين الاتجاهين لحسابات انتخابية واقتصادية.

2-  لايزال الموقف الأميركي مختلفا عن موقف حلفائه في المنطقة وخاصة المحور التركي السعودي الاسرائيلي (وقطر).. وهذا الموقف ينبع عن قواعد اوسع في اللعب بين القوتين الاميركية والروسية واهتمال أميركا بمنطقة شرق آسيا والتهديد الصيني من وجهة نظرها.

3-  الموقف الأوروبي محرج ومتذبذب بين الحالتين (ومنه موقف الحكومة الفرنسية) وقد يكون أقرب الى الموقف الأميركي، مع أحتمال أن يميل الى موقف اليمين الأوروبي بعد موجة الهجرة الأخيرة واذا ما ثبت ان بعض الارهابيين جاءوا مع حشود المهاجرين.

ومهما كان الموقف الفرنسي والأوروبي والأميركي.. فهل سیقف المحور الآخر (روسيا ـ ايران ـ الصين ـ العراق ـ سوريا) مكتوف الایدي ازاء هذا المشروع الجدید والذي یحاول مصادرة جهود محاربة الارهاب والتصدي له لصالحه، وفرض اجنداته التي عجز عن تنفیذها علی مدی خمس سنوات بكل الطرق والوسائل القذرة..؟

اشك في ذلك، رغم ان الایام القادمة قد تسیل فیها الكثیر من الدماء البریئة...

•  علاء الرضائي