أشرف فياض: المجاز مقصلة

أشرف فياض: المجاز مقصلة
الأحد ٢٢ نوفمبر ٢٠١٥ - ٠١:٠٩ بتوقيت غرينتش

قضية الشاعر الفسطيني أشرف فياض لا تشذ عن السياق العام المفعم بخوف السلطات من الكلمة. لكن، المفارقة، أن "السلطة" التي نظرت إلى فياض بعين الإتهام، ثم أصدرت حكم الإعدام بحقه اليوم، هي سلطة متعدية يثير عملها اعتراض الكثير من السعوديين ونقمة بعضهم عليها.

المجاز روح الشعر. الصورة الشعرية في مجازها، صنيع حرفيّ يعرف كيف ينتشل الكلمة، ليعيد تشكيلها حتى تنقلب روحاً خالصة تتلبس ما يريده لها من وجوه. قدرة الشعراء على امتهان المجاز في التعبير عن قضية وطنية أو إنسانية أو حتى شخصية، جعلتهم موضع توجس أي سلطة عبر التاريخ. فالسلطة كوجه سافر للحكم لا تؤمن إلا بسفور الكلمة. ولذلك فهي على عداء شبه دائم مع التأويل، وإن "أوّلت" فلتثبيت حكم ورؤية مسبقتين ينمان عن خوف.

قضية الشاعر الفسطيني أشرف فياض لا تشذ عن هذا السياق، بل هي في صلب العلاقة بين الشاعر والسلطة. لكن، المفارقة، أن "السلطة" التي نظرت إلى فياض بعين الإتهام، ثم أصدرت حكم الإعدام بحقه اليوم، هي سلطة متعدية يثير عملها اعتراض الكثير من السعوديين ونقمة بعضهم عليها. سلطة هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التي نصبت نفسها "حامية" للدين.

قبل سنتين، جاء في أخبار "الإنجازات" اليومية للهيئة السعودية، "ضبطت الفرقة الميدانية بمركز هيئة الأسواق بأبها، مفكراً منحرفاً، بعد تلقي المشايخ بلاغاً عن وجود وافد من أصحاب الأفكار الهدامة والإلحادية يسب الدين والدولة، ويقوم بدور تصدير الأفكار الملحدة والجنسية المنحرفة، بالإضافة لسب الذات الإلهية - تعالى الله عما يقولون - وذلك في أوساط صغار السن من الشباب".

التهم التي وجهت لفياض نتيجة "فهم" خاطىء لأبيات من ديوانه "التعليمات... بالداخل" (الفارابي – 2008)، ولم تحدد ما هي بالضبط، يلقاها كتاب ومدونون سعوديون ليس آخرهم رائف بدوي، المتهم بـ"الدعوة لليبرالية".

عمل "الهيئة" الذي يشبه شغل محاكم التفتيش في القرون الوسطى، يثبت مراراً ضرورة أن تتدخل السلطات السعودية وبشكل حازم لوضع حد لتجاوزات "المطاوعة"، خاصة في ظل ضيق الافق المستحكم عند هؤلاء وفساد جزء معتبر منهم، الأمر الذي يجعلهم اليوم أشبه بفتوات الأحياء القادرين على إلحاق الأذى بمن يريدون، لا بل وجلبهم لينالوا عقاباً على "جريمة" دفعوهم إليها بأنفسهم... وهذا ما يفعلونه.

والد الشاعر الفلسطيني الذي أصيب بجلطة دماغية، بحسب ما أشار أحدهم على الفيسبوك زاعماً أنه إبن عم فياض، صرّح لقناة "فرانس 24" بشكل يؤكد إلى أن نجله كان ضحية فساد "الهيئة" وتشريعها الأبواب لأصحاب النفوذ يتسلطون بواسطتها على رقاب الناس.

ويصف والد الشاعر الفلسطيني ما حدث "كان أشرف وأحد أصحابه يشاهدون إحدى مباريات الدوري الأوروبي لكرة القدم، لكن بعد مشادة كلامية وتطاول صاحبه عليه هدده بالترحيل من السعودية إلى غزة في فلسطين وخوفه بالحبس من صديقه الذي يمتلك علاقات مع أفراد الهيئة، وهو ما حدث من هيئة الأمر بالمعروف الساعة التاسعة ليلاً، وتم اعتقاله في المقهى".

وشغل حكم الإعدام على فياض الكثير من أهل الأدب والفن، وبعد عريضة أولى وقعها أكثر من 100 مثقف ومثقفة في العام 2013، شرعوا مؤخراً في الدعوة إلى المشاركة في توقيع عريضة الكترونية احتحاجاً على الحكم والمطالبة بحماية فياض.

هل تستجيب السلطات السعودية لهؤلاء؟ لا شيء يشير إلى هذا الاحتمال، إلا أن المؤكد هو ارتفاع الأصوات المطالبة بحرية الفكر والتعبير في أرض الحرمين. إن جولة على موقعي التواصل الإجتماعي "تويتر" و"فيسبوك" تفصح عن كمّ الإستنكار لوظيفة الهيئة وأعمالها، والذي لا يمكن التنبؤ بالشكل الذي سيؤول إليه هذا الإستنكار مع الوقت.

وتحت وسمين هما #اشرف_فياض، و #ashraffayyad، غرد الكثير من العرب والأجانب تعبيراً عن تضامنهم مع الشاعر الفلسطيني. فقالت إحدى المغردات إن "الذات الإلهية تعرف كويس ازاي تدافع عن نفسها. رب العباد مو محتاجكم يا همج"، في إشارة إلى عناصر "الهيئة". وقال أحمد في تغريدة أخرى، وهو سعودي على ما يظهر، "من قال إن أشرف فياض ملحد؟ مصدركم! نبي (نريد) مصدر غير الهيئة لأن عليها سوابق في #استخدام_الصور_الخليعة_لجر_الشباب".

لم يختلف الجو على الموقع الأزرق، حيث طالت التعليقات على قضية فياض النظام السعودي نفسه.

"ماهي فكرتك عن أيامي التي اعتدت قضائها بدونك؟عن كلماتي التي كانت تتبخر بسرعة. عن وجعي الثقيل. عن العُقَد التي ترسبتْ في صدري مثل طحالب جافة. نسيت أن أخبرك .. بأني معتاد على غيابك من الناحية العملية. وبأن الأمنيات ضلت طريقها نحو رغباتك. وأن ذاكرتي قد بدأت بالتآكل !وأني لازلت أطارد الضوء، ليس رغبة في الرؤية؛ بقدر أن الظلام يبقى مخيفاً .. حتى وإن اعتدنا عليه".

هذا بعض مما كتبه الشاعر الفلسطيني أشرف فياض. أي "تأويل" لهذه الكلمات يمكن أن يجعلنا نستنبط منها ما يحولها دليلاً قاطعاً للإجهاز على صاحبها؟ قضية الشاعر الفلسطيني يبدو أنها ستضع الكثير من أهل الأدب أمام امتحان أخلاقي، يفترض أن يدفعهم لاتخاذ موقف من طغيان أي سلطة على حرية الفكر. حيث أن الطغاة الذين تحدث عنهم محمود درويش أنهم يخافون الاغنيات ... يبدو أنهم باتوا يخافون الشعر أيضاً.


علي السقا