كيف سيرد القيصر على "الطعنة" التركية.. وأين؟

كيف سيرد القيصر على
الأربعاء ٢٥ نوفمبر ٢٠١٥ - ٠١:٣٠ بتوقيت غرينتش

لجوء تركيا الى حضن الناتو بعد فعلتها في اسقاط طائرة السوخوي 24 الروسية، ليس حراكاً دبلوماسياً طبيعياً في مثل هذه الأحوال، بل تعبير واضح عن الخوف والارتباك من تبعات الغضب الروسي او كما عبر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين محاولة تركية لجرَ الناتو كي يصبح ظهيراً لـ"داعش"!

الخطوة التركية ومع الأخذ بحجمها ومستوى خطورتها، من المستبعد ان تكون انفعالة اردوغانية على خلفية فوز حزبه بالانتخابات التشريعية، لان رصد المواقف الغربية ومنها الأميركي وكلامهم عن حق تركيا في دفع التهديدات التي تطالها والدفاع عن سيادتها وما اردفوه عن ضرورة ضبط النفس وصعوبة تحديد الحدود بين سوريا وتركيا، وايضا التأكيد على حرب "داعش" دون سواها من التنظيمات المسلحة في سوريا، ندرك جيداً ان ما حصل جزء من مخطط تركي ـ غربي هدفه التصعيد من أجل التفاهم مع روسيا بعد ان أخلت عملياتها العسكرية بميزان القوى في سوريا وجعلت الجيش السوري قريبا من الحدود التركية وبالتالي قطع خطوط تمويل الارهابيين.

ولعل في اصرار الرئيس التركي على موقف بلاده ما يشير الى ذلك بوضوح حيث صرح "بأن تركيا ستدافع عن أمنها ومصالحها وأمن ومصالح حلفائها".. والمقصودون بالحلفاء ـ طبعاً ـ كل التنظيمات المقاتلة في سوريا على اختلاف درجات ارهابها، من الجماعات التركمانية الانفصالية و"الجيش الحر" حتى "جبهة النصرة" و"داعش" مروراً بكل المفردات الارهابية المتحركة بين طرفي هذا الطيف.
وبما ان تركيا جعلت من نفسها وموقعها السند الاساس للوجود الارهابي في سوريا من خلال:
1. دعم مباشر بالسلاح والعتاد والاستخبارات والسياسة والاعلام فضلا عن العلاج والمأوى لبعض التنظيمات والجماعات المسلحة التي تتبناها الحكومة التركية.
2. تسهيل المرور والتنقل والامداد القادم من الخارج بأشراف كامل من جهاز المخابرات التركي وتقديم بعض الخدمات التجارية والعلاجية لبعض التنظيمات الاخرى، كالنصرة المدعومة من قبل الحليف الخليجي لتركيا (قطر).
3. مساعدات غير مباشرة وغير مسلحة وصمت استخباري ازاء نشاط "داعش"، ودعم صحي وعلاجي وتعامل نفطي وتجاري، في مقابل محاولة ادارة التنظيم لصالح اهداف حكومة انقرة وحلفائها الاقليميين والدوليين، بالضبط كما حصل في عملية احتلال الموصل من قبل "داعش" واسقاط حكومة رئيس الوزراء العراقي (السابق) نوري المالكي.

وبما ان تركيا تأوي مليون ونصف المليون لاجئ سوري، فأنها تحاول وبالتعاون مع الغرب وضلعي مثلثها الاقليمي الآخرين (السعودية وقطر) تطبيق مشروعها بأقامة منطقة آمنة على امتداد حدودها مع سوريا وفي داخل الاراضي السورية، تؤمن لها مع الناتو غطاءاً أمنياً وتتحول الى قاعدة للفصائل المسلحة التي تدعمها ومنطقة تحكمها المعارضة في مقابل الحكومة السورية الشرعية.. مشروع يضمن لأنقرة نفوذها وسيطرتها على مستقبل الدولة السورية.
هنا يأتي مخطط اسقاط الطائرة الروسية المقاتلة.. فبذريعة "ضرورة" الفصل بين القوات المقاتلة لـ"داعش" جوياً، تأمل أنقرة بمنطقة عازلة يمنع فيها الطيران الروسي والسوري من قصف تجمعات ومراكز الارهابيين بمختلف تسمياتهم، كخطوة اولى لعزل هذه المناطق من خلال تسليحها بما يمنع تقدم الجيش السوري على الأرض وحتى بناء جدار عازل لها مع الوطن (سوريا) الى حين حلَ الأزمة القائمة حالياً.

لكن هل سينجح هذا السيناريو ويحول دون اتجاه الجيش السوري والمقاتلات الروسية لتأمين حدود سوريا مع الدول المهددة لأمنها القومي والتي تشكل الطريق والعمق الاستراتيجي الذي يمد المسلحين؟

بأعتقادي.. الأمر يتعلق برمته بالموقف الروسي أولاً وخياراته في الرد، وثانياً بقوة الموقف الميداني للجيش السوري وحلفائه واسراعه في تنظيف الحدود مع تركيا من "كسب" الى "جبل التركمان" حتى شمال غرب حلب، لسد جزء مهم من طرق الامداد التركي للارهابيين وحصرهم باتجاه الرقة وشرق حلب، مع الدفع بالجيش والقوات الكردية من جهة الحسكة وعين العرب باتجاه مناطق شرق الفرات المحاذية للحدود التركية.. بما يضيق مساحات التدخل التركي المباشر في الميدان السوري.

صراع الارادات كبير والمواجهة ليست هينة، لكن تركيا ايضا هشة وخاصة اذا ضربت مشاريعها الاقتصادية في روسيا والبلدان الحليفة لها وتضررت سياحتها ولربما ستقلل من انتفاخة "السلطان العثماني" الجديد بعد انتصاره الانتخابي.. لكن وكما قلت الأمر يرتبط مباشرة بردَ فعل الدب الروسي، مع تراكم التهديد الغربي التركي ضد الأمن القومي الروسي من انغوشيا الى القرم حتى جبل التركمان.. فهو من يختار الزمان والمكان ولا أعتقد ان الروس سيتأخرون كثيراً..
لقد جرح الاتراك كرامة القيصر وبالغوا في الاساءة اليه..

بقلم: علاء الرضائي