لن يغادر أردوغان المشهد السياسي إلا بعد خراب تركيا

لن يغادر أردوغان المشهد السياسي إلا بعد خراب تركيا
الخميس ٢٦ نوفمبر ٢٠١٥ - ٠٩:٤٤ بتوقيت غرينتش

تطورات الحرب على سوريا لاسيما عملية إسقاط طائرة السوخوي الروسية من قبل تركيا، اكدت ان الشعوب العربية والاسلامية، كانت على حق، عندما شككت ومنذ اليوم الاول، بطبيعة التحالف الدولي بقيادة امريكا لمحاربة “داعش”، واهداف هذا التحالف، بل انها اتهمت العديد من الدول المنخرطة في هذا التحالف، ب”التحالف” مع “داعش” ومدها بكل اسباب القوة، من سلاح وامول ودعم لوجستي.

الشعوب العربية والاسلامية كانت ترى ان “داعش” والجماعات التكفيرية الاخرى، اشتد عودها واخذت تتمدد في العراق وسوريا، بل انتقلت الى دول اخرى في اسيا وشمال افريقيا واوروبا، بالتزامن مع بدء التحالف “حربه” ضد “داعش”، بينما لا ينفك كبار قادة هذا التحالف، وفي مقدمتهم الامريكيين الفرنسيين والبريطانيين، التاكيد على ان الحرب على “داعش” قد تستمر لعقود، ومنهم من قال انها ستستمر 30 عاما، حتى يمكن السيطرة على “داعش”.
هذه المواقف المريبة، وتمدد “داعش” على مرأى ومسمع مئات الرادارات والطائرت الامريكية والغربية والعربية، وقدرة “داعش” على ادارة مناطق في العراق وسوريا تضم الملايين من الناس، بفضل عائدات النفط المهرب الذي تبيعه لتركيا، كلها كانت كفيلة بان تلقي ظلالا كثيفة من الشك والريبة على هذا التحالف وارتباطه الوثيق مع “داعش” واخواتها.
تحول هذا الشك الى يقين، لدى الشعوب العربية والاسلامية، بعد حادث اسقاط تركيا لطائرة السوخوي الروسية التي كانت في مهمة لقصف مواقع الارهابيين في شمال سوريا، وقتل احد طياريها بطريقة بشعة بيد عملاء تركيا من الجماعات التكفيرية والارهابية داخل سوريا، حيث تأكد ان امريكا وتركيا، التي جازفت بكل امنها واستقرارها واقتصادها، عندما اقدمت على اسقاط الطائرة الروسية، لن تسمحا بتدمير “داعش” او اضعافها، بعد ان تبين جدية الروس في استهداف “داعش” و”جبهة النصرة” وكل الجماعات التكفيرية بمختلف الوانها وتوجهاتها، من خلال التعاون والتنسيق مع الجيش السوري على الارض.
لم يعد بامكان حلفاء امريكا في التحالف الدولي ضد “داعش”، والذي يتألف من 65 دولة، والذي شن ومنذ اكثر من عام، وفقا لمصادر التحالف نفسه، 8000 غارة على “داعش”، ان يتستروا على الكثير من اعضائه، المتورطين بشكل مباشر في تمويل ودعم “داعش” والقاعدة في العراق وسوريا، ومن هؤلاء تركيا والسعودية وقطر، فالقضية لم تعد قضية تسريبات صحيفة، بل فعل عسكري مباشر، اقدم عليه احد اعضاء هذا التحالف، ضد القوة الدولية الوحيدة، التي اثبتت عمليا، انها لا تضرب “داعش” بطريقة استعراضية، كما يفعل التحالف الامريكي منذ اكثر من عام، بل تضرب وبقوة، وتمكنت من احداث تاثير واضح على مسرح العمليات العسكرية، لصالح الجيش السوري.
من المؤكد ان هناك سؤالا كبيرا سيثار حول الاهداف التي تسعى الى تحقيقها السعودية وقطر في سوريا، من خلال احتضانهما “داعش” والقاعدة وباقي التكفيريين، بهذا الشكل الملفت والغريب، لاسيما ان هذا التنظيم التكفيري المتوحش، لا يمكن ان تلتقي مصالحه بمصالح دول المنطقة ومن ضمنها السعودية وقطر، ولكن للاسف ان قيادات هاتين الدولتين، ليس بمقدورها، رفض الانخراط في المخطط الامريكي الصهيوني، الرامي الى ادخال المنطقة في الفوضى والدمار، بهدف الوصول الى تقسيم ما هو مقسم، لكي ينتهي كل شيء في صالح جهة واحدة وحيدة، وهي “اسرائيل”، التي يعتقد صناع القرار في الغرب، بانه لا مستقبل ل”اسرائيل” على المدى الطويل في منطقة الشرق الاوسط، الا بتقسيم دولها، الى دويلات قومية وطائفية، متناحرة، وهذه المهمة لا تملك قيادات مثل هذه الدولة من خيار سوى التنفيذ، لانها تدين بالولاء لامريكا، التي تعتبرها ولية نعمتها وسبب بقائها وديمومتها، لذلك ليس هناك من غرابة في ان ينفذ نظامان قبليان اوامر الاسياد حتى لو انتهت باحراق المنطقة ومن فيها.
يبقى هناك سؤال محير وهو: كيف نفسر الانصياع التركي الى هذا الحد للارادة الامريكية بشأن دعم “داعش” رغم كل المخاطر المترتبة عن هذا الدعم على تركيا كشعب وكوجود؟، لكن هذه الحيرة ما اسرع ان تتبخر بمجرد الوقوف على مرض جنون العظمة، المصاب به الرئيس التركي رجب طيب اردوغان، والحالم باعادة “مجد” الدولة العثمانية، فجميع سكنات وتصرفات وسلوكيات وافكار هذا الرجل، تشعرك انه يتقمص شخصية سلاطين ال عثمان، ومثل هذه الشخصية، كما هي شخصية كل مستبدي التاريخ، لن تغادر المشهد السياسي التركي الا بعد خراب تركيا، وما اسقاطه للسوخوي الروسي الا الخطوة الاولى على طريق هذا الخراب.

* نبيل لطيف - شفقنا