الملك السعودي وتصفية تركة سلفه

الملك السعودي وتصفية تركة سلفه
الأحد ٢٤ يناير ٢٠١٦ - ٠٧:١٠ بتوقيت غرينتش

بدت لحظة رحيل الملك عبدالله كما لو أنها شرارة معركة من طرف واحد جرى التخطيط لها بعناية من قبل الجناح السديري الذي يقوده الملك الجديد سلمان بن عبدالعزيز.. لم يشأ أنصار سياسة المواربة المعروفة عن السعودية المحافظة الالتزام بتقليد لم يعد ممكناً في ظل متغيرات سريعة، فقد اختار الملك الجديد خوض معركة السلطة على نحو عاجل وحاسم، لبدء عهده من دون تحديات من داخل البيت.

لم يُخفِ الملك الجديد ما كان يبيّته، فأوامر الإعفاء والتعيين بعد مرور ساعات من إعلان موت الملك عبدالله تنطوي على دلالات بالغة الأهمية، لا تقتصر على مجرد الكشف عن أزمة داخلية وصراع شرس بين الأجنحة في الأسرة المالكة، ولكن تمتدّ الى ما يمكن أن يصل اليه الصراع على السلطة بين الملك الجديد وبقية الأجنحة. صحيح أن معادلة السلطة تتركز الآن على ثلاثة أطراف كبرى ممثلة في بيوتات: عبد الله وسلمان ونايف، ولكن تزايد أعداد المهمّشين داخل الأسرة يبقي احتمالات توسّع رقعة الخلاف وتالياً الصراع مفتوحة على مديات أخطر وأبعد.

اختار الملك الجديد السير على خطى سلفه، بالآليات ذاتها التي عيّن وأعفى من خلالها منافسيه. وعلى الطريقة نفسها أيضاً، تجاهل الملك الجديد «هيئة البيعة» المعنيّة باختيار ولي العهد بعد موت الملك السابق.. في عملية تصحيح مفتعلة لآليات انتقال السلطة.

في واقع الأمر، إن الملك يتسلّح بتجربة سلفه في اختراق المألوف في التعيين والإعفاء، وعليه من غير المستبعَد صدور أوامر أشد راديكالية من تلك التي كانت في عهد الملك عبدالله. مؤشر ذلك يظهر في القرارات المفاجئة والسريعة التي صدرت في الساعات الاولى من إعلان سلمان ملكاً على البلاد، ولمّا يوارى جثمان عبدالله في الثرى.

من وجهة نظر البعض، قد يبدو الملك سلمان مدفوعاً بروح انتقامية، وتكشف قراراته عن جانب خطير من الخلاف المستتر والطويل مع جناح سلفه كما تظهر ذلك التعيينات والإعفاءات.

وكما كان عبدالله اللاعب الوحيد في ميدان السلطة، فإن الملك سلمان يبدو هو الآخر كذلك، إذ يقود ويعفي ويعيّن، وليس هناك من قوة أخرى يمكن أن تمتنع عن التنفيذ أو تعترض وإن في الشكل.

لا ريب في أن الملك سلمان يعتمد سياسة تصفية حساب من جهة مع جناح الملك عبدالله، وفي الوقت نفسه يمهّد الطريق لوصول أبنائه الى السلطة، والذي بدأ بتعيين نجله محمد بن سلمان في منصب وزير دفاع ومن ثم وليا لولي العهد، وهو من المناصب السيادية الموصلة الى العرش.

سوف ينشغل الملك الجديد ولفترة من الوقت بترتيب البيت الداخلي وبما يتناسب مع تعديل ميزان القوى لمصلحة الجناح السديري. ولكن تركة سلفه ثقيلة، وقد تؤول الى مواجهة، علماً أن العاهل الجديد يتطلع، بحسب وتيرة التغييرات السريعة التي استهلّ به عهده، إلى حسم سريع.

في الأدوار الخارجية، بدا أن السباق بين وزير الداخلية محمد بن نايف ومن ثم ولي العهد، ووزير الحرس الوطني متعب بن عبدالله نحو واشنطن قد انتهى لمصلحة الأول. فالزيارات التي قام بها محمد بن نايف الى الولايات المتحدة خلال العام 2014 كانت أشبه بتقديم أوراق اعتماد، وقد نجح في تسويق نفسه بكونه المحارب الشرس لتنظيم «القاعدة» والإرهاب عموماً، وبأن المرحلة الراهنة تتطلب تعزيز دوره في الحرب على الإرهاب.

مهما يكن، لا شيء في الأفق يجعل أحداً مطمئناً الى ما يمكن أن تسير عليه الأمور، فالمتغيرات السريعة في الداخل والإقليم تفتح الباب على مروحة واسعة من الاحتمالات والخيارات.

تزايد أعداد المهمّشين في العائلة المالكة يزيد من فرص النزاع الداخلي واتساعه، واضطراب الأوضاع الإقليمية يضع استقرار المملكة على المحك.

ثمة تحديّات جديدة تواجه الملك، تبدأ بصراع الأجنحة شبه المعلن وسوف تكون له انعكاساته المباشرة في العهد الجديد، وهناك التحدي الاقتصادي بعد الهبوط الحاد لأسعار النفط وتالياً تراجع دور الدولة الريعية وما ينطوي عليه من أخطار جديّة تتعلق بالاستقرار والأمن الداخلي. وهناك تحدي المشروعية، إذ من المؤكد أن مشروعية النظام اليوم ليست كما كانت عليه قبل عام، فهناك نقمة بأشكال متعددة على العائلة المالكة لأسباب كثيرة منها ما هو محلي (الفساد المالي والاداري، وقمع الناشطين والإصلاحيين)، ومنها ما هو خارجي (قيادة الثورة المضادة والتواطؤ مع الغرب والولايات المتحدة ضد الشعوب).

يبدأ الملك سلمان عهده في ظل ثورة اتصالية غير مسبوقة، وما لم يقل في بدايــة عــهد المــلك عبدالله سنة في آب 2005، يُقال اليوم على مواقع التواصل الاجتماعي عن الملك الجديد، حيث يطلق ناشطون حملات تشكيك في آلية البيعة، فيما يطالب آخرون بملكية دستورية وأن الشعب هو مصدر السلطات.

لا بدّ من الإشارة الى أن السعودية بدأت منذ إعلان الملك عبد الله في 3 شباط 2014 عن تجريم المقاتلين السعوديين المدنيين والعسكريين في ملاحقة كل الناشطين بمن فيهم المدافعون عن حقوق الإنسان والإصلاحيون بذريعة الحرب على الإرهاب. ومنذاك، يخضع عشرات الناشطين لتدابير قمعية أثارت حفيظة منظمات حقوقية دولية مثل العفو الدولية و «هيومان رايتس ووتش» وأرغمت حكومات غربية على تبني موقف ناقد للانتهاكات المتصاعدة في المملكة السعودية. وفي الداخل، سوف تأكل تلك الانتهاكات من رصيد السلطة وتماسكها، خصوصاً في حال اندلاع أي أزمة داخلية أو إقليمية ذات انعكاسات محلية.

إعلان الملك الجديد عن السير على «خطى أسلافه» يحمل رسالة سلبية، لأن ما هو مطلوب هو كسر الخط السلفي في السياسة السعودية، والذي ينتمي الى عالم لم يعد قائماً، وأن المطلوب هو قرارات جوهرية في مجال الإصلاح السياسي والتي لا يبدو أن الملك على استعداد لاتخاذها، حتى الآن على الأٌقل.

ويبقى السؤال، هل ينجح الملك سلمان في احتواء خلافات الأسرة المالكة وفرض واقع جديد؟

بدا المراقبون للواقع السياسي السعودي هذه المرة متشائمين على غير العادة. وإن عبارة «الانتقال السلس للسلطة» اختفت من قراءات الصحافيين الأجانب، وحلّت مكانها عبارة أخرى، كانت صحيفة «واشنطن بوست» قد لفتت اليها. ومفادها أن عملية انتقال السلطة باتت الأشد غموضاً في تاريخ السعودية. وهي بالفعل كذلك، فقد كسر الملك الجديد تقليداً سائداً بقرارات راديكالية، الأمر الذي قد يفجّر صراعاً دموياً على السلطة، ولعل الموقف الذي أعلن عنه الأمير طلال وتخوّفه من «انهيار النظام بسبب الخلافات» يعبّر عن قلق جدي وسط عدد كبير من أمراء آل سعود من أن يسير الملك على السياسة ذاتها التي انتهجها سلفه، فتصبح السلطة حكراً على بيت وليس أسرة.. ولكن في ظروف مختلفة، ووفق حسابات أيضاً مختلفة.

بقلم فؤاد ابراهيم/ السفير