الـ «أواكس» قادمة.. ما الذي ستحمله الى سوريا؟

الـ «أواكس» قادمة.. ما الذي ستحمله الى سوريا؟
الإثنين ٠١ فبراير ٢٠١٦ - ٠٦:٤٣ بتوقيت غرينتش

آخر مرة حلقت طائرات «أواكس» حلف شمال الأطلسي (الناتو) في منطقة حرب، تم حينها تدمير جيش ليبيا، وصولاً إلى قتل معمر القذافي.

ولكن أياً من تلك «الإنجازات» لم يكن هدف تحرك الـ «أواكس»، كما كرر «الأطلسي» مراراً وهو يقود من على متنها جزءاً مهماً من عمليات التحالف الغربي في تلك الحرب. الآن، يبدو أن تلك الطائرات تتجهز للتحليق فوق العراق وسوريا، لدعم «تحالف» واشنطن في الحرب ضد «داعش». خطوةٌ رمزية مهمّة تشير، متزامنةً مع تحركات موازية، إلى تصعيد كبير محتمل في العمليات العسكرية خلال الفترة المقبلة، يرجح أن يعمل على أخذ زمام المبادرة من الحملة الروسية.
الطلب من «الأطلسي» إرسال طائرات الـ«أواكس» يتم النظر فيه بعدما أرسله وزير الدفاع الأميركي آشتون كارتر، تحت عنوان حشد الدعم لعمليات «التحالف». سيكون اجتماع وزراء دفاع «الناتو» في 10 و11 شباط الحالي، مناسبة للتداول في الطلب. سيكون أيضاً مناسبةً مثلى لإعلان تصعيد الحملة، فعلى هامشه سيُعقد مؤتمر الدول الـ 26 المؤثرة في التحالف الغربي ضد «داعش».
خلال الحرب على ليبيا، كانت طائرات «أواكس» تنهض عملياً بمهام مركز قيادة، بالترابط مع مراكز أرضية، لتنسيق وتوجيه عمليات القصف الجوي وعمليات هجومية أخرى. كان القادة العسكريون في «الناتو» يتباهون بمزايا مهام القيادة الممكنة من على متنها. اصطحبوا وقتها مجموعة صحافيين لإطلاعهم على سير العمليات من الجو، ليرددوا أمامهم أن كل شيء تحت السيطرة، لدرجة أن «الحلف» يمكنه رصد عبور «القطط» في شوارع طرابلس.
تلك الحرب بدأتها حملةٌ من دول غربية، تتقدمها فرنسا وبريطانيا مع واشنطن، قبل أن يتقدم «الأطلسي» لقيادة العمليات برمتها. ليس معروفاً بعد إن كان مصير الحملة على «داعش» سيكون مشابهاً. لكن، قبل كل شيء، أهم الامتيازات التي طوّرها ويقدمها «الحلف»، قدرته المجرّبة على قيادة العمليات العسكرية الواسعة والمتشابكة.
يعتمد «الناتو» عادة لهجةً متريثة وحذرة، خصوصاً أن خطوة إرسال الـ «أواكس» ستمثّل أول انخراط قتالي له في سوريا والعراق. لكن أمينه العام يانس ستولتنبرغ بدا متحمساً للفكرة، برغم الجدل حولها في ألمانيا، بما أن جنودها يمثلون حوالي ثلث الطواقم العسكرية المشغّلة لطائرات «أواكس» الأطلسية.
قبل أيام، كان ستولتنبرغ يعقد مؤتمراً صحافياً حول جردة «الحلف» للعام 2015. سأله صحافي ألماني عن الخشية في برلين من أضرار دخول «الأطلسي» بما سيجعل التحالف «مشروعاً غربياً». لكن أمين عام «الناتو» استهجن بشكل لافت تلك الهواجس، متحدّثاً كما لو أن أمر المشاركة تم اتخاذه ولا ينتظر سوى الاعلان: «من الصعب فهم كيف يمكن لشيء أن يكون غربياً أكثر من تحالف تقوده الولايات المتحدة، مع بريطانيا وألمانيا وفرنسا وكل الحلفاء الغربيين، في الحقيقة كل دول الناتو هي جزء من التحالف».
كل ما قاله ستولتنبرغ صحيحٌ بالفعل. أو للدقة، بات صحيحاً الآن. فمع انطلاق «التحالف» بقيادة واشنطن، كان واضحاً أنه تحالفان وليس واحداً. الدول الأوروبية رفضت حينها إرسال مقاتلاتها وجنودها لمهام في سوريا، مكتفية بدعم حملة العراق. قال مسؤولون أطلسيون حينها إن هناك خلافات في التقديرات السياسية، تدور بمجملها حول «الأفق السياسي» في سوريا.
الآن يبدو أن دول «الناتو» صار لديها ما يكفي من «الإجماع» للذهاب إلى تلك الحرب، وإن لم تعلن تفاصيلها، بعدما غادرت الدول الأوروبية تحفظاتها وانضمت للحملة تباعاً. أما مشكلة القوات المساندة على الأرض، فالواضح أن حلولها ستكون بمواصلة المسار الذي اتبعته واشنطن: دعم قوات «سوريا الديموقراطية»، المكونة بشكل أساسي من تشكيلات «قوات حماية الشعب» الكردية وبعض قوات العشائر السورية.
التجهّز لإرسال «أواكس» الأطلسي يتزامن مع مجموعة تطورات تشير إلى تصعيد قادم للحملة. واشنطن أقرت بإرسال قوات خاصة لدعم عملياتها في سوريا، مع إعادة تهيئتها المطار الصغير قرب «الرميلان» ليكون مدرج هبوط للطائرات الحوامة وطائرات الشحن للعتاد والذخائر. التصريحات الأخيرة لجو بايدن، نائب الرئيس الأميركي، كانت تشي أيضاً بعام ساخن. قال متوجهاً لحشد انتخابي للديموقراطيين: «أعدكم بالمزيد بعد استعادة الرمادي، راقبوا ما يحدث في الرقة في سوريا وفي الموصل نهاية العام الحالي».
إحدى القضايا الرئيسية التي على التحالف الغربي التعامل معها، كما أشارت واشنطن سابقاً، هي إغلاق الفجوة في الحدود السورية - التركية المفتوحة أمام «داعش». شريط بحدود 90 كيلومتراً قالت واشنطن، أوائل كانون الأول الماضي، إن لديها «اتفاقاً كاملاً» مع أنقرة حول كيفية إغلاقه، عبر مزيج من «سلاح الجو والتحالف والقوات التركية وقوات معارضة على الأرض».
لم يعد المسؤولون الأميركيون لتوضيح إن كان بدأ تطبيق «الاتفاق» وأين وصل. أنقرة اعترضت مراراً على أي مشاركة للأكراد تجعلهم يبسطون سيطرتهم قرب تلك الحدود. لكن قبل أن تخرج تقارير صحافية، تتحدث عن تجهيز قوات «سوريا الديموقراطية» لمحاربة «داعش» في ذلك الجيب الحدودي، كان مسؤولون في «الأطلسي» يتحدثون عن دور محوري لفريقين: القوات الكردية والجيش السوري.
كانت قضية الحرب على «داعش» حاضرةً خلال اجتماع قادة أركان جيوش «الناتو»، في بروكسل يوم 21 كانون الثاني الماضي. خلال مؤتمر صحافي بعد ختامه، سألت «السفير» رئيس اللجنة العسكرية لـ «الحلف» بيتر بافل عن مستجدات تطبيق تلك «المنطقة المغلقة»، فرد بأن «إغلاق هذه الفجوة لن يكون بجهود من الولايات المتحدة أو تركيا، بل العكس، سيكون بجهود قوات سورية، من جهة المدعومة بالمقاتلات الروسية، ومن جهة أخرى من الأكراد»، قبل أن يضيف «ثم بعدها يمكن بالفعل لهذه المنطقة أن تغلق، وستكون حينها كل الحدود بين سوريا وتركيا بيد قوات أخرى وليست بيد داعش».
لكن بافل لفت إلى أنه لم يستشعر رغبة روسية في زيادة التواصل العسكري، خلال اتصالاته بكبار القادة العسكريين الروس. كما استبعد أن تحمل الفترة المقبلة تنسيقاً بين الجانبين فوق سوريا، طالما استمر خط سير العمليات على حاله. قال حينما سألناه عن ذلك إنه «ربما سيكون هنالك تأثير أفضل بكثير عندما يزيد سلاح الجو الروسي معدّل هجماته ضد داعش. حتى الآن، هي (آثار الحملة الروسية) مسألة تتعلق بالتعقيد، لأن علينا تجنب تصادم الكثير من النشاطات (الجوية) بدلاً من العمل على التنسيق»، مردداً أن غارات روسيا تركز على المعارضة «المعتدلة» أكثر من «داعش ومجموعات إرهابية أخرى» بمعدل «70 إلى 30 في المئة».
هيمنة هذا التضارب مسألة أكد عليها أيضاً قائد قوات «الحلف» في أوروبا فيليب بريدلوف. حينما سألته «السفير» حول حديثه سابقاً عن قدرات دفاع القبة المحصنة، التي نشرتها موسكو في الساحل السوري، وتحديها لتحرك قواتهم، قال إنها «لم تصبح بعد نظاماً كاملاً، لكننا قلقون كيف تنمو، فهذه قدرات تحتّم على أي قوة التعامل معها حينما تريد دخول هذه المنطقة»، قبل أن يستدرك «بالطبع، الآن، لدى القوات الروسية وقوات الحلفاء اتفاق تقني حول السلامة، وهو يسمح لكلا القوتين بالعمل في المنطقة».
لكن لا يمكن إغفال أن نشر «الناتو» طائرات «أواكس» سيعطي لتحالف واشنطن عنصر أفضلية. طائرات التحكم والإنذار تلك تمتلك رادارات متطورة، يمكنها تحديد وتتبع طائرات في دائرةٍ نصف قطرها يزيد على 400 كيلومتر، كما أنها تتفوق على الرادارات الأرضية بقدرتها على تقديم بيانات تفصيلية عن طائرات تحلق على ارتفاع منخفض. خلال ثوان، يمكنها الانتقال إلى وضع هجومي تجاه الأهداف التي ترصدها. سيكون في نطاق عمليات رصدها أيضاً منظومة الدفاع الجوي الروسي المتطورة «إس-400»، المتمركزة الآن في الساحل السوري.
طلبات نشر «أواكس» كانت من بين طلبات وجهتها واشنطن إلى دول أخرى كي تزيد مساهمتها. على الأقل، لا تزال الخطة المرصودة لـ «داعش» في سوريا تسير على المنوال ذاته، كما عرضه القادة العسكريون الأميركيون منذ أشهر: الاعتماد على تحالف قوات «سوريا الديموقراطية»، التي حققت إنجازات مهمة حتى الآن، بهدف عزل الرقة ومحاصرتها، لكن من دون اقتحامها.
صحيح أن عمليات التحالف الغربي شهدت تراجعاً بعد بدء الحملة الروسية، لكن، بالمجمل، بقي تركيز واشنطن منصبّاً على العراق. بحسب رصد «مركز دراسات الحرب»، نفذ تحالف واشنطن في سوريا أقل من نصف الغارات التي شنها على مواقع «داعش» في العراق. حتى منتصف الأسبوع الماضي، بلغت الطلعات الجوية نحو 6400 في العراق مقابل نحو 3100 في سوريا.
دعوات واشنطن حلفها للاستنفار، والمطالبة بانخراط «الناتو»، كلها قضايا استجدت. لذلك سيكون اجتماع وزراء دفاع «الأطلسي»، ونواة التحالف الغربي، مناسبةً مهمة لمعرفة إن كانت خطط العمليات ووتيرتها شهدت أي إعادة صياغة.. إن كانت «أواكس» ستحمل معها أي أجندة سياسية جديدة؟
وسيم ابراهيم / السفير