نتمنى أن تُسعِف الذاكرة الملك سلمان

نتمنى أن تُسعِف الذاكرة الملك سلمان
الإثنين ٠٨ فبراير ٢٠١٦ - ٠٨:١٧ بتوقيت غرينتش

فی کلمة القاها خلال افتتاح مهرجان الجنادرية في الرياض قال الملك السعودي سلمان ان: “من حقنا الدفاع عن أنفسنا من دون التدخل في شؤون الآخرين ، وندعو الآخرين إلى عدم التدخل في شؤوننا “، ولم يكتف سلمان بتحذير الاخرين بعدم التدخل في شؤون بلاده ، بل اعطى لنفسه الحق في الدفاع عن العرب والمسلمين امام تدخل الاخرين بقوله: “نتعاون مع إخواننا العرب والمسلمين في كل الأنحاء في الدفاع عن بلدانهم وضمان استقلالها والحفاظ على أنظمتها كما ارتضت شعوبهم”.

لا يحتاج الانسان لكثير من الذكاء او قوة ذاكرة ، ليعرف ان ما قاله الملك السعودي يتناقض كليا مع واقع السياسة السعودية ، لاسيما بعد تسلم سلمان مقاليد الحكم في السعودية ، فالرجل يرى من حقه ليس فقط التدخل في شؤون البلدان الاخرى ، عربية كانت او اسلامية ، بل وشن حرب ضروس عليها بشكل مباشر او بالوكالة ، كما يحدث الان في العديد من دول المنطقة ، تحت ذرائع تضحك الثكالى ، وفي مقدمتها نشر الديمقراطية وحقوق الانسان ، والتصدي للنفوذ الايراني “الوهمي”.

بالرغم ان من الصعب تذكير الملك سلمان بكل هذا الحجم الهائل من التدخل المباشر وغير المباشر ، الذي يقوده ابنه محمد ، في البلدان الاخرى ، بسبب الكهولة وضعف الذاكرة ، لكننا سنمر مرورا سريعا على اهم هذه التدخلات التي دفعت المنطقة كلها الى حافة الفوضى والانهيار:
-التدخل السعودي غير المفهوم واللامنطقي في العراق ومنذ عام 2003 ولحد الان ، تسبب في كل المآسي التي يعيشها الشعب العراقي ، فلم تدخر السعودية وسيلة الا واستخدمتها لتخريب العملية السياسية في العراق ، رغم ان النظام هناك ديمقراطي وان جميع المسؤولين وصلوا الى سدة الحكم عبر صناديق الاقتراع ، الا ان السعودية تجاهلت كل ذلك واخذت تنفخ بالبوق الطائفي واشاعة ظاهرة لم يعرفها العراقيون من قبل ، الا بفضل الرياح الوهابية الصفراء التي هبت من السعودية على ربوع العراق ، حيث لم تنفك السعودية عن الحديث عن وهم “تهميش السنة” ، ونصبت نفسها المدافع عن سنة العراق ، وارسلت الجماعات التكفيرية ، السلاح السعودي المفضل من افغانستان وحتى اليوم الى العراق ، الامر الذي ادى الى قتل وتشريد الملايين من العراق ، ومازالوا.

-التدخل السعودي السافر في سوريا ، بدأ اول الامر برفع شعار الديمقراطية وحقوق الانسان ، وانتهى كما انتهى الوضع في العراق الى حرب “طائفية ضروس” مازالت تقودها السعودية ومن ورائها تركيا وقطر على الشعب السوري ، وبدات ذات المصطلحات الوهابية الاثيرة للجماعات التكفيرية الممولة من السعودية تزكم انوف السوريين مثل “الروافض” و “النصريين” و “المشركين” و”المرتدين” ، فدخلت سوريا ومنذ خمس سنوات في ذات النفق العراقي ، ومازالوا ، بل ان السعودية وبعد الانتصارات التي حققها الجيش السوري ، اخذت تهدد بغزو سوريا لمحاربة “داعش”!!!!.

-في اليمن تجلى التدخل السعودي بابشع صوره ، حيث تشن السعودية ومنذ نحو 11 شهرا حربا ظالمة على الشعب اليمني تحت شعار اعادة الشرعية لرئيس مستقيل هارب ، وقتلت ومازالت تقتل الالاف من الشعب اليمني العربي المسلم دون جريرة ارتكبوها ، الا لكون القدر جعلهم جارا لمملكة آل سعود ، حتى ان مجازر السعودية ضد الشعب اليمني جعلت المنظمات الدولية ترفع صوتها احتجاجا رغم كل الاموال التي دفعتها السعودية لاسكاتها.

-في ليبيا كان التدخل السعودي الى جانب التدخل القطري ، سببا في دفع ليبيا الى الانهيار والتقسيم ، وتقديم هذا البلد ، كما اليمن ، لقمة سائغة للجماعات التكفيرية من امثال “داعش” والقاعدة ، اللتان سيطرتا على اجزاء واسعة من ليبيا ، حتى انشطرت ليبيا عمليا الى شطرين.

-في البحرين كان التدخل السعودي غزوا صريحا لهذا البلد الذي انتفض شعبه ضد نظام استبدادي لا يمثل حتى سنة هذا البلد ، فما كان من السعودية لتسويغ تدخلها واحتلالها لهذا البلد ، ان صبغت الحراك الشعبي المطلبي البحريني الى حرب بين “السنة والشيعة” ، وانها غزت البحرين للدفاع عنها امام وهم “التدخل الايراني” ، ومازال الشعب البحريني يرزح تحت الاحتلال ويقدم يوميا خيرى ابنائه قرابين على طريق الحرية والتحرر.

-اما التدخل السعودي غير المباشر في مصر ونيجيريا والصومال ومالي وباكستان وافغانستان والقوقاز واسيا الوسطى والصين وحتى اوروبا وامريكا ، عبر الترويج للفكر الوهابي الظلامي والمدعوم بالدولار النفطي ، فلا يمر يوم الا ونشهد عملية تفجير هنا وهناك يذهب ضحيتها المسلمون حصرا ، حتى اخذت الاصوات تتعالى في داخل البلدان التي غطت كل هذه العقود الماضية على الوجه القبيح للوهابية في العالم ، محذرة من خطر الوهابية المدعومة من قبل آل سعود.

اما كلام الملك سلمان عن ان السعودية تدافع عن الانظمة التي ارتضت بها الشعوب ، فلا ندري ما هو دليل السعودية على هذا الرضى ؟،وهل هناك جهاز خارق يمتلكه الملك يقيس به رضى الشعوب ؟، وهل برر هذا الجهاز للسعودية غزو البحرين لان لدعم رضى الشعب البحريني على الملك الخليفي المستبد؟، وهل اعطى هذا الجهاز بيانات للملك بوجود رضى لدى الشعب اليمني على رئيسه المخلوع فشن حربا ضرورسا على اليمن ؟، وهل كشف الجهاز عدم شعبية الرئيس السوري ، لترسل السعودية على ضوء ذلك مئات الالاف من الوهابية ليعيثوا فسادا في سوريا؟، وماذا عن الشعب العراقي وهل سجل الجهاز السعود عدم رضى على حكومته ، ليكون هدفا للجماعات التكفيرية الوهابية ومنذ عام 2003؟ اخيرا نطلب من الملك ان يكشف لنا بيانات جهازه عن رضى الشعوب الخليجية والعربية والاسلامية على حكوماتهم ، حتى نعرف ما الذي تخطط له السعودية مستقبلا لهذه البلدان والشعوب.

للاسف الشديد ان تدخل السعودية في شؤون الدول الاخرى لاسيما الفقيرة منها ، كان مكشوفا وسافرا ، فالسعودية صادرت حتى قرارات حكومات مثل جيبوتي والصومال وجزر القمر والسودان ، لانها تملك المال ، وتستغله ابشع استغلال ، وما مسرحية قطع العلاقات الدبلوماسية لهذه الدول مع ايران على خلفية جريمة اعدام الشيخ العلامة الشهيد نمر باقر النمر ، الا بعض جوانب هذا التدخل.

اخيرا اتمنى ان تسعف الذاكرة الملك سلمان ولو لمرة واحدة فنذكره انه لا العراق ولا سوريا واليمن ولا البحرين والصومال ولا ليبيا ، سبق وان تدخل في شؤون السعودية ، حتى تتدخل السعودية بهذا الشكل العدواني في شؤونها ، ولكن للاسف الشديد ان هذه الدول تدفع ثمن وجود قيادة متهورة وغير ناضجة في السعودية ، ترى في خلق الازمات والنفخ في نار الفتنة الطائفية ، طوق نجاة لانقاذ نظامها ، الذي لم يعد له القدرة على مواكبة الحياة ، حتى ملّه حلفاؤه ، وبات عبئا عليهم ، فهو نظام يعيش خارج التاريخ.

بقلم: منيب السائح/ شفقنا