تركيا اردوغان.. حلم الماضي وحقيقة الحاضر

تركيا اردوغان.. حلم الماضي وحقيقة الحاضر
الثلاثاء ٠٩ فبراير ٢٠١٦ - ١١:٤٦ بتوقيت غرينتش

لم يمض وقت طويل من الاضطرابات التي حصلت في سوريا، وتجنيد الارهابيين من كل حدب وصوب بدعم قطري سعودي تركي حتى ظهر الى العلن اردوغان المدافع!! عن الشعب السوري والمتحدث باسمه ليعير احزاب المعارضة التركية التي ايدت الحكومة السورية بالقول: "انها ستخجل في القريب العاجل من زيارة دمشق ".

ثم استطرد السلطان العثماني اردوغان متفاخرا، انه سيذهب وأعضاء حزبه إليها ليلتقوا بأخوتهم، ويتلون "سورة الفاتحة فوق قبر صلاح الدين"، والصلات في باحات جامع بني أمية، والكلية السليمانية ومحطة الحجاز.
ولربما لاحاجة الى تعريف صلاح الدين والمسجد الاموي اذا ماذكره اردوغان .. لكن الذي يجب ان يستوقفنا هو السبب من وراء اشارته الى الكلية السليمانية ومحطة الحجاز.
ولمن لايعرف نقول ان الكلية المذكورة بُنيت من قبل المعمار العثماني سنان، والاهم من ذلك انها تعود الى السلطان العثماني سليمان القانوني المدفون في هذه الكلية الى جانب زوجته خرّم سلطان.
واما محطة الحجاز فقد تأسست في فترة ولاية السلطان العثماني عبد الحميد الثاني، لنقل الحجاج من دمشق الى الحجاز.. لكن الملفت ان هذا الخط الذي لم يعمل سوى لتسع سنوات قد تم نسفه منذ الثورة العربية الكبرى بعد تحريض من لورنس العرب، وهو لايعمل منذ عام 1917، والى الان. وهنا علينا الانتباه لماذا لم يذكر اردوغان سوى المعالم العثمانية، ودمشق اقدم مدينة في التاريخ وفيها من المعالم ما لا يحصى؟
وربما هذا هو الجواب الوافي للذين يتبجحون بان اردوغان غير طامع في سوريا وانه يدافع عما يسمونه بالمعارضة السورية، وانه حريص على الشعب السوري .
وجائت تلك التصريحات في ظروف كان معها اردوغان واثق من اسقاط النظام السوري، واعادة الهيمنة العثمانية. ولذلك تزامن تصريحاته التوسعية بالهجوم على حزب العمال الكردستاني المعارض ووصفها بالارهابية، الى جانب مطالبته مجلس الأمن الدولي باقامة مناطق عازلة داخل الحدود السورية تحت ذريعة إيواء النازحين. قائلا ان تركيا لا يمكنها ان تسمح لنفسها "بعدم الاكتراث" بالنزاع الذي يمزق جارتها .
وكل متتبع يعلم ان هذه التصريحات متضاربة في المفهوم والمعنى ايضا. لأبسط امر وهو ان الجار لايخطط لزيارة كلية ومحطة على جثث الجيران، ففي كل التقديرات ان كل من يسقط من الطرفين هم سوريون باستثناء الارهابيين الوافدين من الخارج.
لكن الرياح لم تأتي بما كانت تشتهيه سفينة اردوغان الملغومة بالعثمنة الحديثة. استمرت مقاومة الجيش العربي السوري وانظمت اليه قوى المقاومة ولم يسقط النظام السوري على غرار ليبيا القذافي .. وبائت كل المخططات بالفشل .
ومن هنا بدء التراجع العثماني، ولكن بعيدا عن التخلي عن اصل الفكرة التوسعية على حساب الشعب العربي السوري، ولذلك وجد نفسه بحاجة الى ارسال رسالة واضحة في هذا الصدد فقام بنقل رفات سليمان شاه جد عثمان مؤسس الدولة التركية  من قلعة جعبر السورية، ليس الى داخل تركيا بل الى قرية أشمة السورية والتي تبعد عن الحدود التركية حوالي 200 م.
وكان هذا مؤشر واضح لنظرة اردوغان الحقيقية الى سوريا .. والتاكيد على عدم تخليه عن حلمه العثماني .
جرت كل هذه الامور وبكل هذا الوضوح والاخوة العرب في السعودية وقطر يمدونه بالمال والافراد، ليس حبا بعثمان بل كرها لعلي كما يقال ..
واليوم وبعد قلب الطاولة من قبل الروس، وتقدم الجيش السوري، والارباك الداخلي في تركيا لم يبق امام اردوغان سوى الاستفادة من الورقة السورية لتمرير ماربه ... ففي تفعيل تهريب اللاجئين السوريين ونزوحهم بهذا الكم الهائل نحو اوربا حقائق لايمكن لكل عاقل ان يتجاوزها، وهو لو كانت تركية تهتم حقا بالسوريين النازحين الذين يسميهم اردوغان بالمعارضة السورية والجيران .. اذا لماذا يرجح هؤلاء الموت غرقا على البقاء في المخيمات التركية، هل المخيمات عرضة للقصف الجوي والاجتياح البري من قبل الحكومة السوري؟ طبعا لا.
لكن واقع الامر ان اردوغان اصبح يكشف عن وجهه الحقيقي القبيح. اذ كيف يمكن له ان يمنع خمسة عشر الف نازح سوري الى داخل تركيا، ولا يتمكن من منع تدفق المسلحين الى داخل سوريا ..
ويبدو ان اردوغان يريد اما ابتزاز الغرب بالجثث السورية الغارقة في البحر وتدفق اللاجئين السوريين، او السماح له باجتياح سوريا .
ان ابقاء العوائل السورية الهاربة من الحرب وليس من الجيش السوري خلف الحدود التركية .. وتدفق اللاجئين الى الغرب .. قد احرج اوربا الى درجة لم يجعل امامهم سوى ان يرضخوا لابتزاز اردوغان على حساب الشعب السوري .. واخرها اربع مليارات اعلنتها ميركل كمساعدات، ليس لحلاة عيون السوريين كما يقال، بل للحد من توجههم الى الغرب الذي ساهم في تدمير بلدهم سوريا، وسمح لالاف الارهابيين بالعبور الى سوريا وباتت الورقة السورية هي البقرة الحلوب لتركيا في ابتزاز الغرب واستغلال الشعب السوري .. واليوم وبعد ان فرضت الحقيقة نفسها، واضحى الجيش السوري على قاب قوسين او ادنى من الحدود مع تركيا، لازال اردوغان يلعب لعبة الخيال والحلم. فتارة يضغط على من يسميهم بالمعارضة للمطالبة بوقف الحرب على الارهاب من قبل الجيش السوري كشرط للمفاوضات. وتارة يتحجج بخشيته من انشاء دولة كردية على حدوده، واخرى استغلال نزوح السوريين الذين هم في الاساس ضحية دعم اردوغان للارهابيين ..
ولاندري متى سيستفيق اردوغان من حلمه الذي سوف يكلفة نتائج كارثية، على العدالة والتنمية اولا، والاقتصاد التركي المتهاوي، وارتداد الارهاب نحو داخل تركيا ايضا .. لان الارهاب لاعهد له ..
• رائد دباب