تركيا والسعودية وإغتيال المعارضة السورية

تركيا والسعودية وإغتيال المعارضة السورية
الجمعة ١٢ فبراير ٢٠١٦ - ٠٣:٤١ بتوقيت غرينتش

يمكن القول ان المعارضة السورية المدعومة من محور الشر في أسوء أوضاعها منذ اندلاع الحرب على سوريا، فهي بين نارين: الجيش العربي السوري وحلفائه الذي يحرر كل يوم منطقة من براثنها ويطهر بؤرة من دنسها، ونار الخذلان الأميركي والعجز السعودي التركي.

أكثر من قضية تواجهها اليوم هذه المعارضة، وخاصة المحسوبة على محور الشرّ السعودي التركي القطري:

1. ضربات الجيش العربي السوري وحلفائه (روسيا وإيران والمقاومة) كشفت وبشكل واضح ان من يسمون أنفسهم بالمعارضة لا يملكون قوة على الارض سوى المجموعات الارهابية، من "داعش" و"النصرة" ومن يرتبط عضويا بهما.. في حين ان المعارضة المعتدلة باتت اليوم أقرب الى النظام منه الى محور الشر السعودي ـ التركي ـ القطري.

2. ان تشرذم المعارضة بسبب اختلاف ولاءاتها والاجندات التي تمثلها جعل الموقف الدولي الذي تقوده روسيا وأميركا يبتعد عنها يوما بعد يوم.. وقد تجلى ذلك واضحا في رد وزير الخارجية الأميركي (جون كيري) على احد المعارضين ورفضه ان تذهب واشنطن الى حرب روسيا من اجل المعارضة السورية والاجندات الاقليمية التي تمثلها.. وقد سبق هذا الموقف تهديد الولايات المتحدة بسحب الدعم عن معارضة الرياض اذا لم تشارك في جنيف 3، فهرولت مسرعة الى المفاوضات على متن طائرة ملكية سعودية قبل تعطيل العملية التفاوضية.

وفي هذا الموقف الأميركي حقيقة صادمة، وهي: هل تجهل هذه التي سماها الاتراك والقطريون والسعوديون والصهاينة و... بالمعارضة، هل تجهل حقيقة وضعها وانها مجرد أدوات و"ارجوزات" استعملت لتدمير سوريا المقاومة، وانها لا تستطيع ان تفرض شيئا على من يمسك بخيوطها.. لانها لا تمثل شيئا اساسا؟.. بالضبط كما هي السعودية وقطر وكيان الاحتلال الصهيوني وحتى تركيا، من الذين ان رفع عنهم الغطاء والدعم الأميركي ستنكشف عوراتهم ويرحلون من جنة الشرق الاوسط الى الابد.

3. وصل النزاع حول تمثيل المعارضة الى مرحلة التهديد بالقتل، بل السعي لاغتيال بعض الرموز المعتدلة، بعد ان كان الامر مقتصرا على اقتتال الارهابيين المسلحين فيما بينهم حول الاموال وبسبب تباين الولاءات التي يمثلونها.. هذه المرة دخلت المخابرات التركية مباشرة على الخط بعتبارها الاكثر خبرة وقدرة من نظيرتيها السعودية والقطرية، فهؤلاء مجرد محفظة "فلوس".. الأمر الذي رصدته وكشفته السلطات السويسرية وهمست به في آذان ضيوفها خلال التحضير لجنيف 3!

4. مع تقدم الجيش العربي السوري وحلفائه على الميدان يتضح ايضا بطلان الحديث الغربي (الأميركي بالتحديد) عن "ارهابيين طيبين".. وهذه القضية لو حسمت دوليا وهو ما تسعى اليه روسيا وإيران وسوريا، فأن الوضع سينقلب دولياً لصالح الحكومة السورية سياسيا واعلاميا، لذلك يسعى محور الشر السعودي التركي القطري الى اعاقته و"التفاهم" أو "المصالحة" حوله!


5. عجز محور الشر عن اسعاف الارهابيين الذين جندوهم لحرب سوريا المقاومة وتدميرها على مدى خمس سنوات خوفا من رد الفعل الروسي وتطور الحرب اقليمياً مع عدم رغبة أميركا بخوض غمارها.. فرغم الصراخ المتعالي من الجماعات المسلحة ومطالبتها باسلحة نوعية لمواجهة الطيران الروسي والسوري ودبابات T90 الحديثة التي دخلت المعارك مؤخراً، يقف محور الشرّ (تركيا والسعودية وقطر) وكل من ورائهم حتى الأميركان عاجزين عن اسعافهم ونجدتهم، خوفا من صلابة المحور الروسي ـ الإيراني الذي على استعداد ان يذهب اكثر من ذلك اذا ما تطور الموقف.

وحسب اعتقادي كانت الرسالة الإيرانية واضحة عند اعتقال المارينز الأميركيين الذين تسللوا كيلومترين فقط داخل المياه الإيرانية، الرسالة لم تكن للأميركان فقط بل للجيران الذين اصابهم وهم "العدوان" جراء امعانهم في قتل الابرياء...

6.  الخلافات التي بدأت تتفاقم بين أنظمة محور الشر وداعميه الدوليين، والتي عبر عنها الرئيس التركي (أردوغان) في هجومه على الادارة الأميركية واتهامها بأغراق المنطقة بالدماء.. وبينما الدماء التي سفكها أقذر الارهابيين في العراق على مدى 12 سنة (منذ سقوط نظام صدام) ومن ثم منذ خمس سنوات في سوريا نزلو بالمظلات ولم تجمعهم  المخابرات التركية الاردوغانية وتدفع بهم عبر حدودها لقتل العراقيين والسوريين بالسيوف والسكاكين وبالانتحاريين..

قد يكون هذا الموقف الأميركي ـ الأوروبي الجديد تجاه محور الشر سببه التغييرات الجيوستراتيجية التي شهدها الغرب، أثر ثلاثة تحولات، هي: موجة الارهاب التي طالت الغرب (أوروبا وأميركا)، وموجة النزوح وأزمة اللاجئين، والاتفاق النووي بين إيران و5+1.. ناهيك عن أمرين آخرين هما تحول الاهتمام الأميركي نحو الشرق الاقصى والصين بالتحديد، وتدني أهمية نفط الشرق الاوسط مع ظهور النفط الصخري ووجود النفط الكندي.

7. إنكفاء الدور الصهيوني في الساحة السورية بعد ان كانت حكومة الاحتلال لاعبا أساسيا فيها.. والسبب:

أولاً، التحديات التي تواجهها دويلة الاحتلال بعد نشوب الانتفاضة الثالثة التي يعمل محور الشرّ وبمساعدة سلطة رام الله على وأدها ومحاصرتها.

ثانياً، العزلة الدولية التي يعيشها الاحتلال بسبب ممارساته الارهابية ضد الفلسطينيين وانغلاق أفق التسوية وفشله الذريع في التحريض ضد الجمهورية الاسلامية.

ثالثاً، عجز وفشل المجموعات الارهابية في سوريا والتي تعاملت مباشرة مع الاحتلال وخوف الاخير من تسخين جبهة الجولان التي تنتظر مجرد خطأ يستدرج إليه العدو لتتحول الى جنوب لبنان أخرى.

8. القضية المهمة الأخرى فيما يتعلق بالمعارضة السورية هو ان الواقع الميداني وعجز وفشل المجموعات الارهابية من تحقيق اي تقدم بل تراجعها ومن يدعمها، اضافة الى عمليات المصالحة التي تقوم بها الحكومة السورية، خلق تياراً ديمقراطياً قوياً داخل المعارضة كان موجودا في السابق لكن استراتيجية محور الشرّ وداعميه الدوليين غيبتهم وجعلت الارهابيين ومرتزقته في الواجهة ويستفردون بقرار المعارضة لخمس سنوات..

هذا التيار الديمقراطي المتنوع بتنوع الفسيفساءالمجتمعية السورية، يؤمن بوحدة البلد وسيادته ومعارضة أي امارة اسلامية يريدها محور الشر وبعدم اقصاء ايّ من مكونات سوريا الاثنية.. وهو ايضاً حاضر على الارض من قبل بعض القوى وفي مقدمتها الكردية التي بدأت الولايات المتحدة اللجوء اليها لمحاربة "داعش" مما أثار حفيظة تركيا التي تساوي بين الاكراد و"داعش"!، بل هي مستعدة للتعاون مع "داعش" في مواجهة الاكراد وغيرهم، كما هو على مدى الفترة السابقة.

ورغم ان الخطوط العامة لحلّ الازمة السورية تبدو اليوم بيد التفاهم الدولي الروسي (المدعوم بالتصورات والرؤى الإيرانية) والأميركي الذي يبدو أنه يفقد حلفائه نتيجة للتباين في المواقف والرؤى.. الّا ان الأميركان يسعون الى مداراة فشلهم في سوريا من خلال مشورع "سني ستان" العراقي ـ السوري الذي يحاول استلام مناطق "داعش" وخلق وجود جديد بعد فشل مشروع الخلافة الاسلامية الداعشية الذي كان لأميركا ومحور الشر دور كبير في ظهوره وقيامه، علماً ان المشروع الأميركي الجديد سيواجه مشاكل كبيرة من داخله ومحيطه الاقليمي.

هنا تظهر أهمية القوى الوطنية العراقية والسورية على اختلاف انتماءاتها الاثنية في وأد هذا الشورع وضربه في مراحله الاولى، ليبقى حلم تجزئة العراق وسوريا وخلق كيانات جديدة وهمية تقسّم ما قسمه المستعمرون في سايكس بيكو جزئاً من فشل الاستراتيجية الامريكية بشرق اوسط جديد تكون "اسرائيل" سيدته.. هذا المشروع الذي وقفت بوجهه دول وقوى المقاومة ودفعت من أجل وقوفها دماء هي من أطهر ماسال على اراضينا.

بقلم: علاء الرضائي

106-1