بين "إسرائيل" و"داعش"؛ فشل حل الدولتين العجيبتين!

بين
الثلاثاء ٢٣ فبراير ٢٠١٦ - ١٠:٢٠ بتوقيت غرينتش

لقد كان المشروع الصهيوني لليهودية السياسية القائمة على تأسيس دولة عنصرية في قلب المنطقة العربية جزءاً محورياً من المشروع الاستعماري العام.

لقد كان المشروع الصهيوني لليهودية السياسية القائمة على تأسيس دولة عنصرية في قلب المنطقة العربية جزءاً محورياً من المشروع الاستعماري العام.
ولذا حق القول إن الكيان الصهيوني يمثل «الإمبريالية الصغرى» إلى جوار «الإمبريالية الكبرى» التي تتحول عبر الزمن في تمثلاتها الكيانية، وإن بقيت في جوهرها كما هي.
كانت «إسرائيل» هي هذا المشروع، وقد تجسد في شكل ما يعتبر في عرف القانون الدولي العام والتنظيم الدولي الجماعي «دولة»، وبالأحرى دولة رهن التأسيس. ولقد كان ملف عضويتها في الأمم المتحدة مرتبطاً بتنفيذ حل الدولتين (دولة عربية وأخرى يهودية) وفق قرار تقسيم فلسطين الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1947. ولم يكن إعلان قيام دولة «اسرائيل» في 15 مايو/ أيار 1948 ليستمد أي لون من ألوان الشرعية الدولية ويكون محلاً للاعتراف الفردي أو الجماعي بين أعضاء المنتظم الدولي، إلا في ضوء القرارات السابقة للأمم المتحدة في المقام الأول.
ولكن دول العالم التي اعترفت ب"إسرائيل" دولة ثم صوتتّ على قبول عضويتها في المنظمة الدولية، قد تخلت عن الالتزام المبرم بقرارات هذه المنظمة، حتى ليمكن اعتبار «اسرائيل» مجرد «دولة بحكم الأمر الواقع» De Facto أكثر منها «دولة بحكم القانون» De Jure.
ولم تكن الإمبريالية الجديدة عقب الحرب العالمية الثانية – الإمبريالية الأميركية – إلا لتغتنم الفرصة السانحة، وتقابل «اللوبي الصهيوني» لديها في منتصف الطريق لتحوّل «إسرائيل» إلى ما يشبه «غنيمة حرب» عن طريق الاستفادة من وجودها في قلب «المنطقة العربية – الإسلامية المركزية» كنقطة ارتكاز للمشروع الإمبريالي العام الذي باتت تتولى أميركا قيادته بالأصالة عن نفسها، وبالنيابة عن المعسكر الغربي كله.

من الكفاية الاستراتيجية إلى العجز الاستراتيجي
أخذ الكيان الصهيوني يتحول رويداً رويداً من كيان «لقيط» وملحق بالغرب التقليدي (بالقيادة البريطانية والفرنسية حتى «حرب بورسعيد» عام 1956 المعروفة دولياً بحرب السويس) إلى أن أخذت "إسرائيل" موقعها في أحضان «الإمبريالي الوريث» بمقتضى «مبدأ أيزنهاور» لعام 1957، ملحقة به، بل وملحقة أيضاً باللوبي اليهودي في الولايات المتحدة وجمهور «الدياسبورا». وفي الحالتين، كان الكيان الصهيوني يعتبر قائماً بواجب «حد الكفاية» الاستراتيجية من وجهة النظر الغربية. وتأكيداً لذلك، شنّت إسرائيل عدوان الخامس من يونيو/ حزيران 1967، وما أن ألحقت الهزيمة العسكرية بالنظم العربية، وخاصة في مصر الناصرية، حتى أخذت لنفسها موقعاً جديداً له ملامح «شبه استقلالية» بها شبهة التعامل المتكافئ نسبياً من نقطة القوة، إزاء الولايات المتحدة الأميركية بالذات.
وبالتوازي مع خلق هذه الظاهرة تدريجياً عقب عام 1967، أخذ الكيان الاسرائيلي يستقوي إزاء «الدياسبورا» وخاصة اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة، كما أخذت تتشكل عملية أسماها البعض «الأسرلة» من خلال السعي إلى إدماج واستيعاب «الأقلية» العربية الفلسطينية، بدلاً من تهميشها بالكامل.
بعد حرب أكتوبر 1973، والانتصار العربي – الجزئي – فيها، أخذت تبيّن ملامح «الحدود» الاستراتيجية للدور الإسرائيلي إزاء الامبريالية الكبرى، فلم تعد ذلك الكيان الذي لا يقهر إزاء الطرف العربي، وإنما لدورها حدود، من وجهة نظر الغرب وأميركا.
ولكن "إسرائيل" برغم ذلك، لم تفقد دورها الاستراتيجي باعتبارها «نقطة ارتكاز».
تبينت حدود «العجز الإسرائيلي» في مواجهة التطورات المتلاحقة في الجوار العربي، وحاولت إسرائيل ما وسعها الجهد تقليص الخسائر الاستراتيجية المحتملة، فعقدت اتفاقيتي كامب ديفيد مع السادات، وانخرطت في «الحرب الأهلية اللبنانية» إلى حد «مجزرة صبرا وشاتيلا». ولما أعيتها الحيل إزاء المقاومة الفلسطينية، سواء في أثناء مقامها بالأردن حتى مذبحة أيلول الأسود سبتمبر 1970، أو أثناء انتقالها إلى الجنوب اللبناني بعد ذلك وتأسيس «فتح لاند»، لم يكن أمامها من سبيل إلا معاودة التوسع الاحتلالي والتهويد. وكان ما كان من احتلال جنوب لبنان عام 1978، بعد سلسلة من أعمال التوغل والاستعراض العسكري المحسوبة.
كان نشوء المقاومة الفلسطينية – اللبنانية واستمرارها المتوهج، برهاناً قاطعاً على محدودية القوة الاستراتيجية الإسرائيلية، وبالتالي محدودية فاعليتها كمحور ارتكاز للإمبريالية الكبرى في المنطقة. وتبينت المحدودية بحالتيها من قصور دورها أمام مشاهد حروب الخليج (الفارسي) الثلاث المتتابعة: الحرب العراقية الإيرانية لنحو ثماني سنوات (1980-88)، ثم حرب «الدخول» و«الخروج» العراقي من الكويت (1990-91) ثم حرب الغزو الأميركي المجنون للعراق 2003.
في حروب الخليج (الفارسي) الثلاث كان هناك «ضوء أحمر» – إذا صح التعبير – من قبل الإمبريالية الكبرى في شكل «توجيه استراتيجي» للإمبريالية الصغرى بـ«عدم التدخل المباشر»!
رغم كل ذلك لم تفقد اسرائيل دورها كنقطة ارتكاز ضمن المشروع الاستراتيجي الأكبر للولايات المتحدة، وخاصة بعد صيرورتها «القوة العظمى الوحيدة» إثر انهيار الاتحاد السوفياتي ومنظومته الاشتراكية الأوروبية عام 1991.

كامب ديفيد ومحاولة تجاوز «الحدود»

حاولت "إسرائيل" التغلب على معضلة «حدود الدور الاستراتيجي» وجوانب العجز والقصور، عبر الإخلال الفادح بقواعد التوازن الاستراتيجي والتسليحي في منطقة «الطوق» بعد كامب ديفيد 1978، ثم بعد عقد «معاهدة السلام» مع مصر عام 1979.
برغم انسحاب "اسرائيل" بقواتها العسكرية من شبه جزيرة سيناء – مما يمثل نتاجاً جزئياً لوقائع حرب 1973 - إلا أن سوء الإدارة السياسية الساداتية لمرحلة ما بعد الحرب انطلاقاً من مقولتي «حرب أكتوبر آخر الحروب مع إسرائيل»، و«99% من أوراق اللعبة في يد أميركا»، مقابل تفوق الإدارة الاستراتيجية الإسرائيلية، قد خلق واقعاً جديداً. لا يتمثل الواقع الجديد فقط من خلال التفوق التسليحي التكنولوجي للكيان الصهيوني إزاء مصر وسائر المنطقة العربية، وإنما من خلال ثلاثة أمور مترابطة تمثل النتاج المتكامل لمعقبات كامب ديفيد ليس باعتبارها اتفاقاً تعاقدياً ثنائياً (مصرياً/ اسرائيليا) فحسب، ولكن باعتبارها «نهجاً» أو «طريقاً» إذا صح هذا التعبير: الأمر الأول «نزع سلاح سيناء» بصفة فعلية من خلال ما نصت عليه «معاهدة السلام» وخاصة الملحق الأمني بما قنّنه من أماكن لتمركز القوات المصرية في شبه الجزيرة، وأنواعها، وأعدادها، وحركتها الاستراتيجية والتكتيكية.
الأمر الثاني: إطلاق يد "إسرائيل" ومشروعها الاحتلالي للضفة الغربية بالذات، وخاصة بعد سقوط اتفاقية كامب ديفيد الثانية والخاصة «بالحكم الذاتي الإداري للسكان» بفعل الاعتراض الشعبي الفلسطيني في المقام الأول، ما أتاح المجال أمام «التوسع الاستيطاني» من دون قيود.
الأمر الثالث: يتعلق ب«الطلاق البائن» بين عملية السلام الرسمي (المصري/ الاسرائيلي) أساساً و«الواقع الفلسطيني» إيذاناً بحال جديد للطلاق البائن بين النظام الحاكم في مصر (نظام مبارك) والواقع العربي ككل.
وكان الأداء العربي الرسمي في غمار «حروب الخليج (الفارسي) الثلاثة» إيذاناً آخر بأن الوطن العربي غير قادر على إفراز بديل من الدور المصري، فحدث «الفراغ الاستراتيجي» الأكبر، الذي نفذت منه «الإمبريالية الكبرى» إلى حد تنفيذ الغزو الأميركي للعراق بعد ذلك عام 2003.

أحداث «الربيع العربي» ودلالته إسرائيلياً

وقعت أحداث «الربيع العربي» وما تزال إسرائيل واقعة في «حيز» القصور الاستراتيجي من وجهة النظر الغربية والأميركية، إذ لم يكن لها دور مباشر أو كبير أو ملموس في أحداث الثورات والاحتجاجات الشعبية العربية، عدا محاولات محدودة للتجسس التقليدي، باستثناء الحالة السورية نظراً إلى التداخل المزدوج في منطقة الجولان.
وبرغم أن "إسرائيل" تعتبر «الكاسب الأكبر» في «المباراة الصفرية»zero-sum game القائمة على قدم وساق في المنطقة العربية عقب أحداث «الربيع العربي»، إلا أن هذه الأحداث نفسها لا تؤدي إلى نفي فرضية «محدودية الدور الاستراتيجي» ل"إسرائيل" بل وفرضية «العجز الاستراتيجي الاسرائيلي» من وجهة نظر المصالح الغربية في المنطقة العربية – الاسلامية المركزية، المسماة غربياً بالشرق الأوسط أو الشرق الأوسط بالمعنى الواسع. لا بل ربما أن أحداث «الربيع العربي» أكدت ثبوت الفرضيتين المذكورتين إلى حد كبير.
وقد جاءت توابع الزلازل المشرقية بفرصة متولدة من رحم الأحداث، أو الحدث المعقد، فيما أسماه أصحابه «تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام». هنالك وجد الغرب - بالقيادة الأميركية - نفسه أمام مولود يكبر أمام عينيه، بعد أن كان جنيناً في الرحم العربي رعاه الغرب وبعض العرب و«تركيا أردوغان»، كجزء من لعبة الاستراتيجيا التداخلية في المنطقة، في بادئ الأمر.
وسرعان ما استفاد التنظيم من رعاية الأجنّة في البطون، ثم رعاية الولادة الملتبسة أو المبتسرة، ورعاية للمولود «الذكر» الجميل! فإذا به يستوي سريعاً غلاماً ممشوق القوام، وأخذ يخطب وّده كثيرون وكثيرات، حتى غرّته القوة، فأخذ يمد يديه ورجليه في مناطق «الرعاة» على تخوم الجوار. ولما أتت عمليات جسّ النبض التي يقوم بها بثمرات شهية، وذهبت إلى ما هو أبعد من ذلك بكثير، إلى حدود «التوسع الأرضي» الكبير في العراق والشام، أغراه مدد القوة الجديد بتجربة الدخول المتزامن في جبهات عديدة في وقت واحد: إلى مصر في شبه جزيرة سيناء، وبعض مناطق الوادي الداخلي، وإلى المغرب العربي (ليبيا وتونس) والصحراء الكبرى (مالي + التحالف مع بوكوحرام في نيجيريا وتشاد والكاميرون وأفريقيا الوسطى) ثم أوروبا الغربية نفسها (فرنسا وبلجيكا) بل وإلى عقر دار الولايات المتحدة ذاتها. فهنالك انقلب «المزاح الثقيل» إلى الجدّ، واستنفر الجميع إذ «جنت على نفسها براقش».
تلك كانت رحلة «دورة الحياة» Life cycle لتنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام»... رحلة من مرحلتين أساسيتين:
مرحلة أولى وجدها الغرب وأميركا فرصة لخلق كيان سياسي كبير يتمركز في بطن منطقة «الطوق» لإسرائيل: العراق وسوريا بصفة أساسية، ثم يخلق له حواشي استراتيجية أو ملحقات تأمينية مركزة مرة المذاق كالعلقم وكالخنجر في ظهر القوات المسلحة المصرية، ثم على التخوم الإفريقية شمال وجنوب الصحراء الكبرى بالذات. كان الغرب في البداية يشاهد متفرجاً، ثم لما دعته الأحداث وتداعياتها السيكولوجية-السياسية داخلياً ودولياً ذهب إلى التدخل العسكري، عبْر تحالف عريض للضربات الجوية ضد «داعش».
وحينما أخذت العزة بالإثم (تنظيم الدولة) كل مأخذ، ودعاه غرور القوة إلى التوسع غير المنتظم، وغير المدروس استراتيجياً بالقدر الكافي، قلب له الجميع ظهر المجنّ.
ولكن نقطة التحول الكبرى كانت الدخول الروسي على خط الحرب والأزمة السورية، بالهجمات الجوية الفعالة المنسقة على مواقع «داعش» وسواها من الجماعات المسلحة القوية على الأرض السورية. ولقد هدم الدخول الروسي الفرضية الغربية حول إمكان التعايش مع تنظيم «الدولة»!
من حيث أنه كشف سطحية التدخل الجوي الأميركي وحلفائه، وزاد من استفزاز «داعش» للتصرف العشوائي في كل اتجاه، كمن أصابه المسّ في الأساطير.
بانقضاض «الدب الروسي» على طائر «داعش» ونظرائه في قلب سوريا وعلى حدودها من كل اتجاه، تقلصت هوامش الاختيار، حتى بدا أنه لا خيار سوى الهجوم على «داعش» كهدف استراتيجي لا محيص عنه. سقط الرهان الاستراتيجي الغربي – الأميركي على «داعش» ككيان استراتيجي متمّدد في القلب العربي – الإسلامي، يمنعه من الحركة الجسمانية التكاملية، ويؤدي إلى «شلل حركي مضاعف» يغني عن تدخل الغرب الدائم لحماية مصالحه في المنطقة العربية - الإسلامية المركزية، ويعوض عن عجز إسرائيل الاستراتيجي المزمن باعتبارها كياناً «غريباً» عن هذه المنطقة، ومنبوذاً غير قادر على الحركة الحرة في محيط معاد.
لقد كانت تلك لحظة خاطفة من لحظات التفكير الاستراتيجي الغربي – الأميركي: القبول (قبول الأمر الواقع في الحد الأدنى) بدولة إسلامية في العراق والشام. دولة من داخل المنطقة لها «ظهير شعبي» بمعنى معيّن وإن يكن محدوداً، تصيب كامل الجسد بالسهر والحمّى. وكأن هذه «الدولة» – في التصور الاستراتيجي المذكور - تكون نظيراً لـ«الدولة اليهودية» – العنصرية – في الجوار الفلسطيني مباشرة. دولتان إذن، لا يهم أن تكونا متوافقتين أو متفاهمتين، ويفضل أن تكونا متعايشتين (تعايش الأمر الواقع) حتى إن لم تجمعهما علاقة حسن الجوار بالضرورة.
ذلك كان حلم الدولتين: عربية – إسلامية، وأخرى يهودية عنصرية.
فهل سقط حقاً حلّ الدولتين ذاك... حل «الدولتين» العجيبتين؟
ألا يا للخيال الاستراتيجي الأميركي الخصيب. دولتان نقيضان، تحميان بجناحين الواقع العربي القائم لمصلحة الغرب والولايات المتحدة.
ولكن ديالكتيك التاريخ العصي على التحكم الدقيق، يتمرد على كل حسبان وخيال. وإذا بتنظيم «الدولة الإسلامية» يتألب عليه الجميع. أما مشروع «إسرائيل – دولة الشعب اليهودي» فيترنح! إذ ماذا بوسع «الشعب اليهودي» أن يفعل بالشعب العربي المقيم على الأرض في حدود 1948، وفي حدود 1967، وخارج الحدود كلها على امتداد الدنيا. وها هي الديموغرافيا الفلسطينية تقلب حساب الجغرافيا السياسية اليهودية، وتقلبها جحيماً. حتى الاستيطان الصهيوني الخنجري تحولت أشواكه خناجر تطعن من الخلف ذويه، عبر الهبّة الشعبية الراهنة، هبّة الطعن والدهس، وسلاحها سكين ومِقَود، وحجر أيضاً وأمعاء خاوية! هي هبّة التذكير فحسب، تذكير المطعون بهوية الطاعن.
«الشعب اليهودي» الذي يريد دولته التي له، ما يزال يمارس سياسة الإنكار الجماعي Denial لهوية الذي لا تكتمل هويته إلّا به – إنها إذن في الحقيقة هوية الكائن المزدوج ذي الوجهين: وجه القاتل المندهش ووجه المقتول الذي قام.
وها هي "إسرائيل" الآن لا تدري ماذا تفعل بالشهيد الحي بعد قيامته المجيدة. أتتركه يقيم دولته الوطنية الخاصة، فيكون هذا «حل الدولتين»، أم تعيش معه أو تتعايش تحت سقف واحد ولو مكرهة فيكون «حل الدولة الواحدة»... وأحلاهما مرّ! وها هو مكر الجغرافيا يكمل مكر التاريخ، حيث الاستيطان في الأرض المحتلة يقيم تداخلاً بشرياً لا يمكن التنصل من نتائجه، وها هي القدس الشرقية تؤكد هويتها المقدسية في وجه مشروع «القدس: العاصمة الموحدة الأبدية للشعب اليهودي»!
يتهاوى إذن المشروع الاستراتيجي المتخيّل للغرب وأميركا الذي كان يخلق خلال الأعوام الخمسة الأخيرة، التالية لأحداث «الربيع العربي». جناحه «الإسلاموي» ينقضّ، وجناحه «اليهودي» يترنح في الأفق التاريخي، وليس اللحظي على كل حال، وينقضّ – كناتج فرعي لكل ما سبق - مشروع رآه الكثيرون في الأفق قوياً، فغاب ولو لأجل غير مسمّى شبحه الكريه: مشروع تقسيم المشرق العربي إلى دويلات صغرى على أسس مختلفة لتتماهى مع الكيان الصهيوني بطابعه العنصري المقيت، وينهض الكيان المذكور من بينها باعتبار «إسرائيل الدولة الوحيدة في المنطقة» كما قد يقول البعض.
وتلك في جميع الأحوال عملية Process بمعنى أنها تنشأ وتتطور في التاريخ، وتأخذ وقتها في ضوء تغير توازنات القوى ذات الصلة.
عملية «سقوط حل الدولتين» إذن لن تحدث في «نفخة» واحدة، وهي بدأت ولسوف تتم عبر الزمن. ولكنْ ويل لنا مما هو قادم بعد سقوط «حل الدولتين العجيبتين».
بيْد أنه لا ويل هناك، ولا ثبور، إنْ استبانت عظائم الأمور، عبر انبعاث الصفوة السياسية العربية من بين الركام، ولو انّها استجابت لنداء شعبها، والتحمت به لتصنع المعجزة!.

محمد عبد الشفيع عيسى - أستاذ في معهد التخطيط القومي في القاهرة - الاخبار

2-208