قمة اسطنبول.. وصدمة سياسة الانفتاح الايرانية!

قمة اسطنبول.. وصدمة سياسة الانفتاح الايرانية!
الثلاثاء ١٩ أبريل ٢٠١٦ - ٠٦:٠٤ بتوقيت غرينتش

قمة اسطنبول تقرب جناحا السياسة الخارجية في ايران المعتدلة والمبدئية اكثر تجاه الوضع العربي والاسلامي.. وقد ظهر ذلك سريعا في العرض العسكري الايراني لمناسبة يوم الجيش (17 أبريل) وفي عدم المشاركة في اجتماع الدوحة النفطي وفي اضطرام معركة حلب، ولربما هناك معارك اخرى في الطريق!

لا يخفى على المتابع ان هناك اتجاهين بارزين في السياسة الخارجية الايرانية فيما يتعلق بالتعامل مع العالم العربي، مصدر المشاكل بالنسبة لايران.. أحدهما ثوري مبدئي يعتمد مقولة المواجهة حتى النهاية مع المشروع الاميركي الغربي والمتجلي في ادواته الصهيونية والتكفيرية السعودية.. وآخر يقول بأهمال العالم العربي والتعامل معه بفوقية لانه لايرقى الى مستوى الدولة الايرانية التي تعتبر نفسها قوة اقليمية عظمى من المهين لها ان تصطدم بمشيخات مثل الامارات والكويت وقطر والبحرين...

وفيما الاتجاه الاول يعتبر ان مبادئه ومسؤوليته الشرعية توجب عليه الوقوف مع الشعوب العربية والاسلامية وخاصة الجرح الاسلامي المقدس فلسطين التي جاء اغتصابها كواحدة من حلقات المشروع الاستعماري الغربي... يركز الثاني على بعض البلدان في المنطقة العربية بشكل انتقائي كمصر والجزائر وسلطنة عمان والعراق بالطبع لعمق العلاقة بين الشعبين، وعلى جيران ايران المسلمين الاخرين من غير العرب خاصة تركيا وباكستان باعتبارهما دولتين تليقان بان يكون لايران علاقات استراتيجية وتعاون طويل الامد معهم.

لكن لماذا تظهر مشاكل ايران مع جيرانها بالتحديد ولا نجدها بهذا الشكل مع 8 دول غير عربية على حدودها الشمالية والغربية والشرقية؟!
اغرب من ذلك المشاكل مع تركيا والاشكالات الجزئية مع باكستان أو اذربيجان منشأها عربي بشكل مباشر أو غير مباشر!
فالخلاف مع تركيا جاء نتيجة الموقف من سوريا وبعض الاعمال الارهابية التي تحصل على الحدود مع باكستان مدفوعة الثمن من السعودية والامارات.

لذلك هناك شعور عام في ايران يقضي باهمال الوضع العربي وترتيب الامور مع الاوروبيين والاميركيين، لكن المشكلة تكمن في مسألة فلسطين التي ان لم يجر حلها ستبقى تنخر بكل المنطقة والعالم، واعتقد ان الغرب اوقع نفسه في ورطة عندما جاء بهذا الكيان اللقيط الى ارض فلسطين.. خطأ وخطيئة العمر التي ستلازم الغرب حتى مماته!

في قمة اسطنبول ظهر الموقف العربي بكل ثقله لتجريم ايران وعزلها.. ومع ان كثير من الدول الاسلامية مجرد حبر على ورق، لا تزيد او تنقص من قيمة اي قرار، دول مثل جيبوتي وجزر القمر وبوركينافاسو والمالدييف وبروناي، وحتى الاردن والسودان.. رغم اليد الايرانية الممدودة اليهم او التي آلت ان لا تصعد معهم على الاقل خلال السنتين الماضيتين عمر حكومة الرئيس روحاني.

الموقف العربي (السعودية وحلفائها) ليس بالضرورة دليل قوة ونجاح، بالعكس قد يكون هروبا للامام واثباتا للفشل: فالعدوان على سوريا لم ينجح الى الان رغم كل الحبال والعصي التي جمعوها على مدى اكثر من 5 سنوات، بالعكس تغير الوضع الميداني والدولي للحد الذي اتهمت "معارضة الرياض" المفوض الاممي ديمستورا بمحابات حكومة الرئيس الاسد، وهذه المرة الثالثة التي تصطدم فيها السعودية مع المفوضين الامميين في الشأن السوري، بعد كوفي أنان والاخضر الابراهيمي..

في اليمن ايضا على هذا المنوال مرتزقة السعودية يتراجعون يوما بعد يوم رغم الفريق الاجرامي الذي شكلوه مؤخرا (منصور هادي - علي محسن الاحمر - أحمد عبيد الدغر) وتحالف العدوان يتفكك فيما اموال آل سعود وآل نهيان تتبدد دون فائدة، ووصل الامر من العجز والاختلاف ان يدعو رئيس دولة الامارات الغائب بسبب مرضه عن الساحة تماما تاركا الملعب والبيت لـ"مطيرته" شقيقه محمد بن زايد، وصل به الامر ان يطلب من اميركا تولي الحرب في اليمن بنفسها بحجة محاربة تنظيم القاعدة!
وهكذا مآل السياسة السعودية في العراق ولبنان.. من اخفاق لاخر ومن فشل لفشل، رغم انها استخدمت كل ما في جعبتها من سهام واوراق..

الخطر الآخر الذي تواجهه السعودية والتي قد يدفع بها الى تصعيد اكثر مع ايران رغم كارثية نتائجه، هو اهتزاز العلاقة مع الولايات المتحدة على خلفية ملفات متعددة، فالاصول السعودية الموجودة في اميركا (حدود 1000 مليار دولار) معرضة للتجميد اذا ما اقرّ الكونغرس قانونا يسمح لضحايا حادثة 11 سبتمبر بمقاضات دول اجنبية، علما ان 15 ارهابيا من منفذي الهجمات الـ 19 هم سعوديون.. اضافة الى الخلافات بين اميركا والسعودية في العديد من الملفات الاخرى، كسوريا واليمن والتنمية وحقوق الانسان.

لذلك جاء الحل السعودي يعتمد على خطوتين:
1- تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني والبحث عن مشتركات اساسية وجوهرية معه، كمواجهة القوة الايرانية التي ترفض الوجود الصهيوني المحتل لفلسطين، لأن السعودية تعتقد ان "اسرائيل" هي مفتاح العلاقة مع اميركا واوروبا.

ليس هي فقط، بل بدأت تدفع بشركائها الخليجيين الذين لا يقلون عمالة منها وبدول عربية اخرى للتطبيع والاعتراف بالعدو الصهيوني..

وتوجت السعودية سلوكها المتصهين قبيل قمة اسطنبول باعترافها بكامب ديفيد عبر صفقة "تيران صنافير" فدخلت مرحلة التعاون والتنسيق مع الصهاينة.

هذه المسألة وللاسف الشديد لم نلحظ فيها اي رد فعل على المستوى الفلسطيني، بل لا تزال بعض الحركات الفلسطينية المقاومة تجامل السعوديين الذين يطعنونها في العمق من خلال تحشيد الاخرين للتطبيع، الا ان نتهم تلك الفصائل بانها رضخت للارادة الصهيونية - الاعرابية وهي ايضا تنوي التطبيع!.

2- الاستراتيجية الاخرى هي التحشيد ضد ايران (عدو اميركا واسرائيل الاول في المنطقة) بدعوى التدخل في الشؤون العربية واخرى مواجهة المد الفارسي وثالثة السياسات الطائفية، وذلك لاثبات قدرتها للاميركيين في تحريك محيطها الاقليمي والتاثير على اتجاه بلدانه.. وقد تكون السعودية نجحت في قطع او اضعاف علاقة البعض مع ايران، الا ان الدول المحترمة والمؤثرة لم تسقط في القمامة السعودية والخليجية.. وبقي الامر مقتصرا على جيبوتي وجزر القمر.

ويوم امس سحب الاردن سفيره من طهران للتشاور.. فما هو وزن الاردن الذي كان ملكه السابق يلعق ارضية البلاط الشاهنشاهي لكي يتصدق عليه الشاه ببضعة ريالات ايرانية او دولارات.. الاردن هذا موطن النشامى كما يسمون انفسهم بقي مطلوبا 36 مليون دولار كان قد استادنها من زمن الشاه، وحتى عام 2000 لم يستطع ان يسددها فحولها الايرانيون الى صدقات وهبات و...

اعتقد ان ايران ستحرك اكثر من ملف في وجه السعودية ملفات فتحها الغباء السعودي نفسه، وقد يصل الاحتكاك بينهما الى مراحل خطرة، وفق ما نفهمه من الاستعراض العسكري الايراني والمناورات البرية والاختبارات الصاروخية، لكن ما هو الهدف الايراني من ذلك كله؟
هل هو جرّ السعودية مرغمة على الحوار والتفاوض، ام الانتقام والثأر من العداء السعودي غير المبرر والمتصاعد تجاه ايران وحلفائها.. واذا كان الانتقام فالى اي مدى وهل سيشمل شلتها من الخليجيين ام لا؟ وبالتالي ما هو موقف حلفاء السعودية من كل ذلك وهل ستسعفها احلافها ام تترك تحت رحمة الايرانيين كما تركت لوحدها في اليمن مع مرتزقتها الكولومبيين؟!

الايام المقبلة ستحدد الجواب.. خاصة نتائج لقاء ظريف - كيري المرتقب، وما سياتي به التهديد الايراني القاضي "انما للصبر حدود"!

• علاء الرضائي

2-208