في ذكرى استشهاده..

الإمام علي.. عطاء متدفق وقمة للايمان والتضحية والاخلاص

الإمام علي.. عطاء متدفق وقمة للايمان والتضحية والاخلاص
الجمعة ٢٤ يونيو ٢٠١٦ - ٠٥:٢٦ بتوقيت غرينتش

جاء يوم التاسع عشر من شهر رمضان يحمل بين أحداثه أعظم فاجعة مرت على المسلمين بعد فقد نبيهم صلى الله عليه وآله وسلم، هذه الفاجعة التي خطط لها أشقى الأشقياء عبد الرحمن بن ملجم المرادي(لعنه الله) في مكة المكرمة مع نفر من الخوارج في مثل هذا اليوم من شهر رمضان من سنة اربعين للهجرة النبوية، وشاء الله تعالی ان يجعل شهادة الإمام علي بن أبي طالب في بيت من بيوته المبارکة، فکانت بداية حياته في بيت الله الحرام ونهايتها في مسجد الکوفة الشريف.. للتعرف على شخصية هذا الإمام الهمام.. يترك الانسان حائرا في اختبار اي الابواب.. فمن اي باب ولجت اليه تجد عنده عطاء متدفقا وقمة في الايمان والشجاعة والتضحية والاخلاص.. وحري بکل صاحب فکر ومروءة ان يقف متأملا هذه الرحلة بعيدا عن التعصب الأعمى.

أمتدَت يد الشيطان لتصافح ابن ملجم في عتمة الليل، وفي ختلة وغدره هوت بالسيف علی هامة، طالما استدبرت الدنيا واستقبلت بيت الله الحرام وهي ساجدة وغادرتها منها في تلك الحال، وفي احرج الساعات التي يمر بها والمسيرة الاسلامية. انه الفوز بالشهادة والفوز بالثبات علی القيم الرسالية الفريدة والثبات علی الحق والجهاد في سبيل إرساء قواعد الدين، إنها ثورة القيم الالهية علی القيم الجاهلية بکل شُعبها وفروعها.

لقد تواطأت زمر الشر في عهد الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، علی ان لاتبقی للحق راية  تخفق أو يدا تطول فتصلح أوصوتا يدوَي فيکشف زيغ الظالمين والمنحرفين، فبالامس کان ابو سفيان يمکر ويغدر ويفجر ويخطط لقتل النبي الاکرم صلی الله عليه وآله وسلم، لوأد الرسالة الالهية في مهدها ولکن الله أبی إلا أن يتم نوره. نعم.. لقد بدأت کل القوی الطامعة والانتهازية التي خسرت مواقعها السياسية والاجتماعية والاقتصادية تتحرك ضد الإمام علي، واخذت تتکاتف کل العناصر التي شارکت بنحو واخر في مقاتلة عثمان والتحريض عليه يوم امس، رافعة شعار المطالبة بدم عثمان مندَدة بسياسة الامام الحکيمة والنزيهة فنکثت طائفة وقسطت اخری ومرقت ثالثة.

ولما کان صراع الإمام علي (سلام الله عليه) مع معاوية صراع ومباديء وقيم واخلاق، صراع نهج نهج الحق والمبادئ والاخلاق، في مقابل نهج الباطل والتضليل والکذب والجور والغدر ولايمکن لهذين النهجين ان يلتقيا بحال، ولهذا استعد الإمام علي عليه السلام بعد فترة لاستئناف قتال القاسطين في الشام - معاوية واتباعه - مرة اخری. أمر الإمام علي (سلام الله عليه) بتعبئة الجيش واعلن حالة الحرب، فعقد للحسين عليه السلام راية ولابي ايوب الانصاري اخری ولقيس بن سعد ثالثة. وبينما کان امير المؤمنين عليه السلام يواصل تعبئة قواته، کان يجري في الخفاء تخطيط أرهابي لئيم حاقد، من اجل اغتيال الامام حيث اجتمعت ضلالتهم العمياء علی ان يطفئوا نور الهدی ليبقی الظلام يلفَ انحرافهم وفسادهم.. ولقد اجتمعت عصابة ضالة علی قتل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام حيث لايبعد ان کان محرَکها معاوية، واتفقوا ان يداهموا الإمام عند ذهابه لصلاة الفجر، فما کان احد يجرؤ علی مواجهة الامام عليه السلام.

ولما کانت ليلة تسع عشرة من شهر رمصان شهر الله، عام (40) للهجرة، کان الإمام عليه السلام يکثر التأمل في السماء وهو يردد "ما کذبت ولاکذَبت إنها الليلة التي وعدت بها" وأمضی ليلته بالدعاء والمناجاة ثم خرج الی بيت الله.. مسجد الکوفة الشريف.. لصلاة الصبح فجعل يوقظ الناس علی عادته الی عبادة الله فينادي: الصلاة.. الصلاة. ثم شرع عليه السلام في صلاته وبينما هو منشغل يناجي ربه..أمتدَت يد الشيطان لتصافح ابن ملجم في عتمة الليل، وفي ختلة وغدره هوت بالسيف علی هامة رجل لبس ثوبا من تراب الحروب 84 غزوة في سبيل الله يرجع فيها وقد لبس ثوبا من الغبار.. غبار الحروب وناهيك به من ثوب... انه ثوب من الحمد لا يبلی.

أُغتيل الإمام علي عليه السلام وهو في أفضل ساعة حيث يقوم بين يدي الله سبحانه في صلاة خاشعة. ان اغتيال امير المؤمنين عليه السلام انما هو اغتيال للانسانية جمعاء.. اغتيال للايمان کله.. اغتيال لفکر وعقيدة رسول الله صلی الله عليه وآله وسلم، ولهذا لم تستهدف الجريمة رجلا کباقي الرجال، إنما استهدفت امل رسول الله صلى الله عليه والة والقيادة الاسلامية بعد رسول الله صلی الله عليه وآله وسلم واستهدفت اغتيال رسالة وتاريخ وحضارة وامة، کلها تتمثل في شخص علي بن أبي طالب عليه السلام وصي رسول الله وحامل علمه والمواصل لسيرته وعمله.

لقد آزر الإمام عليه السلام، رسول الله صلى الله عليه وآله سلم منذ بداية الدعوة وجاهد معه جهادا لامثيل له في تاريخ الدعوة المبارکة حيت تفری الليل عن صبحه واسفر الحق عن محضه ونطق زعيم الدين وخرست شقاشق الشياطين بعد ان مُني بذؤبان العرب ومردة اهل الکتاب  - من خطبة الزهراء عليها السلام امام ابي بکر وعمر وسائر المهاجرين والانصار بعيد رحيل رسول الله (صلی الله عليه وآله) - .

ليس ثَمّة مَن يجهل علي بن أبي طالب عليه السلام: مولى المتّقين، وأمير المؤمنين، ووارث علم النبيّين، وخليفة رسول ربّ العالمين، منبع الفضائل، ومنتهى المكارم، والقمّة الشامخة السامية التي ينحدر عنها السيل ولا يرقى إليها الطير وصرح العدالة الانسانية الخالد. لقد حارت العقول والأفهام أمام شموخ فضائله التي ملأتْ الخافقَين، ومكارم أخلاقه التي وسعتْ الكونَين. وشهد بفضله وعلوّ مقامه العدوّ قبل الصديق؛ لأنّ النور دائماً أقوى من الظلام، ووهج الحقيقة يأبى أنْ يكتمه تراكم الدخان؛ لذا سطع نور عليٍّ عالياً يُضيء دربَ البشريّة ويمدّها بمنهاج الرسالة المحمّديّة الخالدة، وتسابقتْ الأقلام لتتشرّف في تخليد هذه الشخصيّة العظيمة وتبجيلها.

تحدر الامام علي بن ابي طالب عليه السلام، من اکرم المناسب وانتمی الی اطيب الاعراق فابوه ابو طالب عظيم المشيخة من قريش وجده عبد المطلب امير مکة وسيد البطحاء ثم هو قبل ذلك من هامات بني هاشم واعيانهم. واختص بقرابته من الرسول الاکرم (صلی الله عليه وآله) فکان ابن عمه وزوج ابنته واحب عترته اليه، کما کان کاتب وحيه واقرب الناس الی فصاحته وبلاغته واحفظهم لقوله وجوامع کلمه.  اسلم علی يديه قبل ان تمس قلبه عقيدة سابقة اويخالط عقله شوب من شرك، ونشأ الامام في حجر رسول الله (صلی الله عليه وآله) منذ نعومة اظافره وتغذی من معين هديه فکان المتعلم الوفي والاخ الزکي واول من آمن وصلی.

وقد ذكر الامام علي عليه السلام ما أسداه الرسول الكريم اليه وما قام به تجاهه في تلك الفترة اذ قال: "وقد علمتم موضعي من رسول الله صلى الله عليه وآله بالقرابة القريبة، والمنزلة الخصيصة. وضعني في حجره وأنا ولد يضمني إلى صدره، ويكنفني إلى فراشه، ويمسني جسده ويشمني عرفه. وكان يمضغ الشئ ثم يلقمنيه. وما وجد لي كذبة في قول، ولا خطلة في فعل. ولقد قرن الله به صلى الله عليه وآله من لدن أن كان فطيما أعظم ملك من ملائكته يسلك به طريق المكارم، ومحاسن أخلاق العالم ليله ونهاره. ولقد كنت أتبعه اتباع الفصيل أثر أمه يرفع لي في كل يوم من أخلاقه علما ويأمرني بالاقتداء به، ولقد كان يجاور في كل سنة بحراء فأراه ولا يراه غيري. ولم يجمع بيت واحد يومئذ في الاسلام غير رسول الله صلى الله عليه وآله وخديجة وأنا ثالثهما. أرى نور الوحي والرسالة، وأشم ريح النبوة".

ان علي بن أبي طالب، اصدق من تفانی في سبيل ربه وضحی في سبيل انجاح رسالته في احرج لحظات صراعها مع الجاهلية العاتية في کل صورها في العهدين المکَي والمدني وفي حياة الرسول (صلی الله عليه وآله) وبعد رحلته ذائبا في مبدئه ورسالته وجميع قيمه مجسدا للحق بکل شُعبه من دون ان يتخطاها قيد أنملة وان ينحرف عنها قيد شعرة. ولازم رسول الله صلی الله عليه واله وسلم فتی يافعا في غدوه ورواحه وسلمه وحربه حتی تخلق باخلاقه واتسم بصفاته وفقه عنه الدين وتفقه ما نزل به الروح الامين فکان من افقه اصحابه واقضاهم واحفظهم وادعاهم وادقهم في الفتيا واقربهم الی الصواب حتی قال فيه الخليفة الثاني عمر الخطاب: لابقيت لمعضلة ليس لها ابو الحسن.

استشهد الإمام علي بن إبي طالب عليه السلام في اشرف الايام، في بداية العشر الاواخر من شهر رمضان المبارك التي فيها ليلة القدر التي هي خير من الف شهر، وهو في أعظم تکليف إسلامي حيث کان في طريقه لخوض غمار حرب جهادية، کما کان في اشرف بقاع الله واطهرها (مسجد الکوفة) وانتقل عليه السلام الى حياة الاخرة والنعيم، ليطل على حبيبه رسول الله المصطفى الاكرم وبضعته الزهراء البتول، وعلی احبائه من رعيله.. من حمزة وجعفر وعمار والنجوم والکواکب من الشهداء الذين عطروا الدنيا بدمائهم الزکية.. لتكون ذلك اروع خاتمة لاشرف حياة قضاها امير المؤمنين في البر والتقوى العبادة والجهاد في سبيل الله ومباديء الاسلام الحنيف واعلاء شأن الرسالة المحمدية الاصيلة هادية الانسانية في كل زمان ومكان.

لقد بقي الامام علي عليه السلام يعاني من جرحه النازف ثلاثة ايام حتی شهادته عليه السلام،  وفي خلال هذه الايام عهد بالامامة من بعده لولده الامام الحسن سبط رسول الله (صلی الله عليه وآله) ليمارس مسؤوليات قيادة الامة ويواصل مسيرة الامامة من بعده.

کان الامام عليه السلام طوال الايام الثلاثة من اغتياله حتى استشهاده - كما کان طول حياته - لهجا بذکر الله تعالی والثناء عليه، والرضا والتسليم بامره. کان يصدر الوصية تلو الاخری مرشدا للخير دالا علی المعروف محددا سبيل الهدی ومبينا طرق النجاة، داعيا لاقامة حدود الله تعالی وحفظها.

وحري بنا ان نراجع هذه الوصايا، خاصة وصيته الاخيره لولديه الحسنين ولجميع الناس (اوصيکما بتقوی الله والا تبغيا الدينا وان بغتکما والا تاسفا علی شيء منها زوى عنکما وقولا الحق واعملا بالحق واعملا للاجر وکونا للظالم خصما وللمظلوم عونا. اوصيکم وجميع ولدي واهلي ومن بلغه کتابي بتقوی الله ونظم امرکم وصلاح ذات بينکم ...).

فقد روی الکليني (ره) في الکافي باسناده عن ابن صفوان صاحب رسول الله صلی الله عليه وآله قال: لما کان اليوم الذي قبض فيه أمير المؤمنين عليه السلام، ارتج الموضع بالبکاء ودهش الناس کيوم قبض النبي صلی الله عليه وآله، وجاء رجل باکيا وهو مسرع مسترجع وهو يقول: اليوم انقطعت خلافة النبوة، حتی وقف علی باب البيت الذي فيه أمير المؤمنين عليه السلام فقال: رحمك الله يا ابا الحسن کنت أول القوم إسلاما، وأخلصهم إيمانا، وأشدهم يقينا، وأخوفهم لله، وأعظمهم عناءا، وأحوطهم علی رسول الله صلی الله عليه وآله، وآمنهم علی أصحابه، وافضلهم مناقب، وأکرمهم سوابق، وأرفعهم درجة، وأقربهم من رسول الله صلی الله عليه وآله، وأشبههم به هديا وخلقا وسمتا وفعلا، وأشرفهم منزلة، وأکرمهم عليه، فجزاك الله عن الاسلام وعن رسوله وعن المسلمين خيرا، قويت حين ضعف أصحابه، وبرزت حين استکانوا، ونهضت حين وهنوا، ولزمت منهاج رسول الله صلی الله عليه وآله إذ هم أصحابه، وکنت خليفته حقا، لم تنازع ولم تضرع برغم المخالفين وغيظ الکافرين وکره الحاسدين وصغر الفاسقين، فقمت بالامر حين فشلوا، ونطقت حين تتعتوا، ومضيت بنور الله إذ وقفوا، فاتبعوك فهدوا، وکنت أخفضهم صوتا، وأعلاهم قنوتا، وأقلهم کلاما، وأصوبهم نطقا، وأکبرهم رأيا، وأشجعهم قلبا، واشدهم يقينا، وأحسنهم عملا، وأعرفهم بالامور، کنت والله يعسوبا للدين أولا وآخرا، الاول حين تفرق الناس، والآخر حين فشلوا، کنت للمؤمنين أبا رحيما إذ صاروا عليك عيالا، فحملت أثقال ما عنه ضعفوا، وحفظت ما اضاعوا ورعيت ما أهملوا، وشمرت إذاجتمعوا، وعلوت إذ هلعوا، وصبرت إذ اسرعوا وادرکت أوتار ما طلبوا، ونالوا بك ما لم يحتسبوا، کنت للکافرين عذابا صبا ونهيا، وللمؤمنين عمدا وحصنا، فظفرت والله بنعمآئها، وفزت بحبائها، وأحرزت سوابقها، وذهبت بفضائلها، لم تفلل حجتك، ولم يزغ قلبك، ولم تضعف بصيرتك ولم تجبن نفسك ولم تخن، کنت کالجبل لا تحرکه العواصف، وکنت کما قال عليه السلام: أمن الناس في صحبتك وذات يدك، وکنت کما قال عليه السلام: ضعيفا فی بدنك، قويا فی أمر الله، متواضعا في نفسك، عظيما عند الله، کبيرا في الارض، جليلا عند المؤمنين، لم يکن لاحد فيك مهمز، ولا لقائل فيك مغمز، ولا لاحد فيك مطمع، ولا لأحد عندك هوادة، الضعيف الذليل عندك قوي عزيز حتی تأخذ له بحقه، والقوي العزيز عندك ضعيف ذليل حتی تأخذ منه الحق، والقريب والبعيد عندك في ذلك سواء، شأنك الحق والصدق والرفق، وقولك حکم وحتم وأمرك حلم وحزم، ورأيك علم وعزم فيما فعلت، وقد نهج بك السبيل وسهل العسير وأطفأت النيران واعتدل بك الدين، وقوي بك الاسلام والمؤمنون، وسبقت سبقا بعيدا، وأتعبت من بعدك تعبا شديدا، فجللت عن البکاء، وعظمت رزيتك فی السماء، وهدت مصيبتك الانام، فانا لله وإنا إليه راجعون، رضينا عن الله قضاءه وسلمنا لله أمره، فوالله لن يصاب المسلمون بمثلك أبدا، کنت للمؤمنين کهفا و حصنا وقمة راسية، وعلی الکافرين غلظة وغيظا، فألحقك الله بنبيه، ولا أحرمنا أجرك ولا اضلنا بعدك. وسکت القوم حتی انقضی کلامه وبکی، وبکی أصحاب رسول الله (صلی الله عليه وآله) ثم طلبوه فلم يصادفوه.(وقيل انه الخضر عليه السلام).

ونهض الامامان الحسن والحسين عليهما السلام بتجهيز أمير المؤمنين ومايترتب عليها من إجراءات الدفن من غسل وتکفين ثم صلی الإمام الحسن المجتبی عليه السلام علی ابيه ومعه ثلة من اهل بيته واصحابه ثم حملوا الجثمان الطاهر الی مثواه الاخير فدفن في النجف قريبا من الکوفة وتمت کل الاجراءات ليلا - بحار الانوار -.
ثم وقف صعصعة بن صوحان يؤبن الامام عليه السلام فقال: (هنيئا لك ياأبا الحسن! فلقد طاب مولدك، وقوي صبرك، وعظم جهادك، وظفرت برأيك، وربحت تجارتك، وقدمت علی خالقك فتلقاك ببشارته وحفتك ملائکته، واستقررت في جوار المصطفی فأکرمك الله بجواره، ولحقت بدرجة اخيك المصطفی، وشربت بکأسة الأوفی، فأسال الله ان يمنَ علينا باقتفائنا أثرك والعمل بسيرتك، والموالاة لاوليائك، وان يحشرنا في زمرة اوليائك، فقد نلت ما لم ينله أحد، وأدرکت ما لم يُدرکه أحد، وجاهدت في سبيل ربك بين يدي اخيك المصطفی حق جهاده، وقمت بدين الله حقَ القيام، حتی أقمت السنن وأبرت الفتن واستقام الاسلام وأنتظم الايمان،  فعليك منَي افضل الصلاة والسلام).

وذكر أبو جعفر محمد بن جرير الطبري في تاريخه وأبو الفرج الاصبهاني في مقاتل الطالبيين.
بسم الله الرحمن الرحيم.
هذا ما أوصى به أمير المؤمنين علي بن أبي طالب أوصى أنه يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون ثم إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين أوصيكما بتقوى الله وأن لا تبغيا الدنيا وإن بغتكما ولا تأسفا على شيء منها زوي عنكما وقولا بالحق واعملا للأجر للآخرة وكونا للظالم خصما وللمظلوم عونا أوصيكما وجميع ولدي وأهل بيتي ومن بلغهم كتابي هذا من المؤمنين بتقوى الله ونظم أمركم وصلاح ذات بينكم فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول صلاح ذات البين أفضل من عامه الصلاة والصيام وأن البغضة حالقة الدين ولا قوة إلا بالله انظروا ذوي أرحامكم فصلوهم يهون الله عليكم الحساب والله الله في الأيتام لا تغيروا أفواههم ولا يضيعوا بحضرتكم فإني سمعت رسول الله صلى الله عيه وآله وسلم يقول من عال يتيما حتى يستغني أوجب الله له الجنة كما أوجب لأكل مال اليتيم النار والله الله في القرآن فلا يسبقكم إلى العمل به غيركم والله الله في جيرانكم فإنهم وصية نبيكم ما زال يوصينا بهم حتى ظننا أنه سيورثهم والله الله في بيت ربكم فلا يخلون منكم ما بقيتم فإنه إن ترك لم تناظروا وإن أدنيما يرجع به من أمه أن يغفر له ما سلف من ذنبه والله الله في الصلاة فإنها خير العمل وإنها عمود دينكم والله الله في الزكاة فإنه تطفئ غضب ربكم والله الله في صيام شهر رمضان فإن صيامه جنة من النار والله الله في الجهاد في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم فإنما يجاهد في سبيل الله رجلان إمام هدى ومطيع له مقتد بهداه والله الله في ذرية نبيكم فلا يظلمن بين أظهركم والله الله في أصحاب نبيكم الذين لم يحدثوا حدثا ولم يؤووا محدثنا فإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أوصى بهم ولعن المحدث منهم ومن غيرهم والمؤوي للمحدث والله الله في الفقراء والمساكين فأشركوهم في معايشكم والله الله في النساء وما ملكت أيمانكم فإن آخر ما تكلم به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن قال أوصيكم بالضعيفين نسائكم وما ملكت أيمانكم، ثم قال الصلاة الصلاة ولا تخافن في الله لومة لائم يكفكم من أرادكم وبغي عليكم قولوا للناس حسنا كما أمركم الله عز وجل ولا تتركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيولي الله الأمر شراركم ثم تدعون فلا يستجاب لكم عليكم بالتواصل والتباذل والتبار وإياكم والتقاطع والتدابر والتفرق وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب حفظكم الله من أهل بيت وحفظ فيكم نبيكم واستودعكم الله خير مستودع وأقرأ عليكم السلام ورحمة الله وبركاته(أعيان الشيعة للعاملي: ج1، ص533).

واخيرا ترك الإمام علي بن ابي طالب عليه السلام تراثه في الدنيا ولکنه ليس من النوع الذي يترکه الناس، لان ما استحصل عليه من الاموال من الصفراء والبيضاء والتي کانت تقع في يده لايمر عليه الليل حتی وهي صدقة في سبيل الله.. ان علي بن ابي طالب خلف تراثا ضخما من الفکر والاخلاق والمثل العليا.. فتحية اجلال واکبار لروحك الطاهرة الزکية يوم ولادتك ويوم شهادتك ويوم تبعث حيا، وانت الحي تُرزق، لم تمت ابدا لان الشهداء احياء يولدون يوم يستشهدون..

2-210