بين تفجيرات القاع وتفجيرات إسطنبول

بين تفجيرات القاع وتفجيرات إسطنبول
الخميس ٣٠ يونيو ٢٠١٦ - ٠٧:١٣ بتوقيت غرينتش

قتل نحو 50 شخصا جرح ما يقارب 300 اخرين، اصابة اكثر من 40 منهم حرجة، في الهجمات الانتحارية التي استهدفت مطار اسطنبول مساء الثلاثاء، وتشير القرائن، كما يرى الامريكيون والاتراك، الى ان “داعش” هي الجهة التي تقف وراء هذه الهجمات الارهابية، الامر الذي اثار العديد من علامات الاستفهام حول الاسباب التي جعلت “داعش” تنقلب على تركيا، بعد ان كانت معبرا امنا، ومنذ خمس سنوات، لاغلب مقاتليها القادمين من اكثر من 80 بلدا من بلدان العالم.

تفجيرات مماثلة ولكن بدرجة اقل دموية شهدها الاردن مؤخرا، وتبنتها “داعش” مباشرة، واثارت هذه التفجيرات تساؤلات كما اثارتها التفجيرات في تركيا، حول الاسباب التي جعلت “داعش” يستهدف الاردن، فيما المعروف ان هذا البلد ساهم منذ اليوم الاول على اضعاف الجيش السوري، وانخراطه في التحالف الامريكي الرامي الى اسقاط النظام في سوريا.

تفجيرات اكثر دموية وعنفا من تفجيرات تركيا والاردن تشهدها سوريا بشكل يومي ومنذ سنوات، وتتبناها “داعش” والجماعات التكفيرية دائما، الا انها لم تثر اي علامات استفهام، والسبب هو معاداة “داعش” والتحالف العربي التركي للحكومة السورية، لذلك ليس هناك من يتساءل او يستغرب من حمامات الدم “الداعشية” هذه.

اذا ابتعدنا عن الجغرافيا المحيطة بسوريا، فاننا لن نبتعد من تفجيرات “داعش” التي ستلاحقنا، حتى في ليبيا ومصر والصومال واليمن والكويت والسعودية وتونس ونيجيريا ومالي وباكستان وافغانستان والهند واندونيسيا وجنوب شرق اسيا وروسيا وامريكا واوروبا، كل هذه الدول، وبعضها لا تخفي رضاها عن ممارسات “داعش” في سوريا والعراق فحسب، بل حتى تدعمها بشكل مباشر وغير مباشر، تتخذ موقفا رسميا موحدا من “داعش”، وتعتبرها خطرا يهدد امنها واستقرارها وكذلك امن واستقرار العالم، وتشارك في تحالفات عسكرية هدفها المزعوم القضاء على “داعش”، ولا تجد بين مسؤولي هذه الدول من يبرر ل”داعش” جرائمها، فجميعها يعرف ان “داعش” تنظيم ارهابي تكفيري لايؤمن بالاخر ولا يرى له الحق في الحياة، ويتمدد في الكثير من مناطق العالم وخاصة العالمين العربي والاسلامي، بذريعة رفع شعارات اسلامية “اممية” لا تعترف بالحدود والدول.

هناك استثناء غريب بين كل هذه الدول التي استهدفتها “داعش”، وهذا الاستثناء هو لبنان، رغم انه البلد الاكثر تاثرا بما يحدث في سوريا، ورغم انه اكثر الساحات المتوقعة ان تكون هدفا ل”داعش” بعد سوريا، وذلك لاسباب جغرافية وديمغرافية وسياسية واجتماعية وعسكرية واقتصادية ودينية ومذهبية معروفة، وهذا الاستثناء سببه وجود احزاب وشخصيات سياسية لبنانية، تفكر بشكل غريب لم يسبقها اليه ولا حتى سياسي واحد في كل الدول والقارات التي اشرنا اليها والتي ابتليت ب”داعش”، فهذه الاحزاب والشخصيات اللبنانية، ترى ان “داعش” لا تشكل اي خطر على لبنان، اذا ما لزم اللبنانيون بيوتهم، واغمضوا عيونهم، وصموا اذانهم، ازاء ما يجري في سوريا، ولم يحركوا ساكنا حتى لو سقطت سوريا باكملها  بيد “داعش”، لانه حتى في هذه الحالة سوف تحترم “داعش” حدود وسيادة لبنان وعيشه المشترك ولا تتعرض لمسيحييه ولا شيعته ولا سنته ولا علوييه!!، وان كل ما يشهده لبنان من تفجيرات، واخرها تفجيرات بلدة القاع المسيحية، ووفقا لهذه “النخبة ” السياسية، سببه ذهاب حزب الله لمحاربة “داعش” في سوريا، وعدم انتظارها في لبنان.

لا يمكننا فهم هذا الاستثناء في تبرير تفجيرات “داعش” في لبنان لدى هذه “النخبة” السياسية، رغم انه تبرير، ونعتقد جازمين، انه غير مقنع حتى لمن يكرره من هذه النخب لضعفه وهوانه، لذا هناك من يرى ان هذه “النخبة” السياسية مضطرة لتكرار هذا “الهذيان” لاسباب خارجة عن ارادتها، فهي تكرر ما يقال لها، والا اي عاقل لا يدري ان اليمن وليبيا ومصر ومالي ونيجيريا واندونيسيا وغيرها من البلدان، التي استهدفتها “داعش” بتفجيراتها الارهابية، لم ترسل حتى جندي واحد لمقاتلة “داعش” في سوريا، بل ان تركيا والاردن والسعودية، التي استهدفتها “داعش” بتفجيرات دموية اكثر من مرة، كانت في الخندق المعادي للحكومة السورية، وهو ذات الخندق الذي تتخندق فيه “داعش”، ولكن يبدو ان “داعش” التي تحاول “النخبة” السياسية اللبنانية تلك، مداراتها والتغاضي عنها، لا تعترف بعدو ولا  بصديق ولا بجميل، فالكل لديها سواء، ولا نعتقد ان مسيحيي العراق الذين اقتلعتهم “داعش” من وطنهم، كانوا يعدون العدة للقضاء على “داعش” في سوريا، او ان الايزديين الذين سبت “داعش” نساءهم وقتلت رجالهم واستعبدت اطفالهم، كانوا يشاركون في قتال “داعش” في سوريا.

على هذه “النخبة” السياسة اللبنانية، ان تتوقف قليلا امام اليوم الاسود الذي شهدته بلدة القاع، وان تنظر الى ما جرى بموضوعية وبروح وطنية، بعيدا عن الاملاءات الخارجية والمصالح الساسية والمادية الضيقة، فالذي جرى يؤكد صوابية القرار الوطني والشجاع الذي اتخذته قيادة حزب الله، في مواجهة “داعش” والتكفيريين في سوريا، ودفنهم هناك وعدم السماح لهم بالسيطرة على سوريا والانتقال منها الى لبنان، وهذا القرار، الذي يعكس حكمة ودراية وفراسة قيادة حزب الله، هو الذي حمى وسيحمي كل مكونات الشعب اللبناني، وهذه الحقيقة ستعترف بها يوما حتى هذه “النخبة”، التي تبرر ل”داعش” جرائمها ضد اللبنانيين، ومثل هذا اليوم ليس ببعيد.

* شفقنا