العتوب أو شعب دلمون وصراع الوجود

العتوب أو شعب دلمون وصراع الوجود
الأربعاء ٢٠ يوليو ٢٠١٦ - ٠٥:٤٢ بتوقيت غرينتش

هناك فرق كبير بين الصراع على الوطن والهوية والعقيدة، والصراع على ادارة البلد وطريقة ممارسة السلطة.. ففي الثانية يبقى الحل في اطار تغيير الممارسات وتهذيب السلوكيات وإقرار بعض التشريعات او حتى تغيير نمط او تركيبة السلطة السياسية واعادة ترتيبها.

أما في الحالة الاولى فان المصطلح والمفردة السياسية يعجزان عن اداء المفهوم وبيانه لنستعين بالمفردات الفلسفية والعقائدية والانطولوجية.. وهنا تدخل معادلة اخرى على خط العلاقة: إما أنت أو أنا.. وإما أنا أو الآخر ولكل منا مشروعه ورؤيته ووجوده.. وهنا ما يصطلح عليه بالصراع الوجودي.

في الصراع الوجودي لا تتسع الارض لمشروعين متناقضين (مثلا في فلسطين المحتلة مشروع احتلال صهيوني ومشروع تحرري مقاوم) وهذا لا يعني بالطبع الغاء المقاومة للوجود اليهودي (بالمعنى الديني) كما ان اليهود موجودون ـ كمواطنين ـ في ايران قائدة جبهة ومشروع المقاومة في المنطقة، وكما ان العربي الفلسطيني موجود في "اسرائيل" المحتلة نفسها وفي منظومة الاحتلال السياسية.. لكن ان يجتمع المحتل والمقاوم كمشروعين متناقضين في ارض واحدة فهو من قبيل اجتماع نقيضين!

بهذه المقدمة اعرج على مآلات الوضع في البحرين الصامدة، في البحرين المحتلة من قبل العتوب منذ قرنين ونصف القرن، ومن قبل السعودية منذ مارس 2011.. في البحرين التي حولت السلطة الخليفية صراعها مع الشعب من السياسي الى الوجودي، مستهدفة اهل البلاد الاصليين في وجودهم وعقيدتهم وهويتهم، لتتحول البحرين الى فلسطين اخرى يهّجر اهلها ويستوطنها المجنسون!

وکما یبدو ان عملیة كسر العظم هي افضل مما یمكن ان یوصف به الصراع الدائر بین السلطة الطائفیة ومرتزقتها من المجنسین والانظمة الرجعیة الخلیجیة من جهة، وبین الشعب البحریني الاصیل والاعزل والمسالم من جهة اخری.

فسیاسة التصعید الممنهج والاستهداف الطائفي التي یتبعها نظام آل خلیفة العتوبي دخلت مرحلة متقدمة في مواجهة سكان البلاد الاصلیین الذین یشكل اتباع مذهب اهل البیت علیهم السلام غالبیتهم المطلقة.

ولعل آخر هذه السیاسة الهوجاء هو قرار السلطة الخلیفیة بحلّ جمعیة الوفاق الوطني الاسلامیة، اكبر منظمات المجتمع المدني البحریني.. الامر الذي انتقده حتی اسیاد النظام البحریني وداعمیه الاساسیین في واشنطن ولندن، فضلا عن المؤسسات الحقوقیة والانسانیة الدولیة.

هذه الخطوة التصعیدیة التي اقدمت علیها السلطات الى جانب قرارها بمحاكمة العلماء والجهاء والناشطين، لم تمر دون ردّ فعل من قبل الشعب وقیادته العلمائیة، فقد اعلن كبار علماء البحرین یوم امس الاثنین ممثلین بآیة الله الشیخ عیسی قاسم والسید عبد الله الغریفي والشیخ عبد الحسین الستري والشیخ محمد صالح الربیعي وفي بیان مشترك: "اننا كمكون اساسي واصیل من مكونات هذا الشعب باتت قناعتنا كبیرة باننا مستهدفون في وجودنا وهویتنا ومعتقداتنا وشعائرنا وفرائضنا".. واضافوا: "لذا فاننا نطالب بوفق الاستهداف".

واذا كان هذا البیان العلمائي قد اكد سیاسة آل خلیفة العتوب في الاستهداف الطائفي الممنهج.. فانه حذرهم بشكل ضمني من الردّ والمواجهة وغصب الشعب، الذي لن یقبل مطلقا بان یزیحه الدخلاء او المجنسون وجرذان الصحراء الناهبین والغزاة.. یزیحوه عن ارضه ویصادروا تاریخه الذي یمتد الی الآلاف السنین.

استهداف الشيخ عيسى قاسم أم استهداف عقيدة؟

الشيخ الثمانيني عيسى احمد قاسم من ابرز علماء الدين في البحرين.. ايقونة لا تنحسر شهرتها في حدود الجزيرة الصغيرة التي تغلي هذه الايام على الضفة الجنوبية للخليج الفارسي.. بل هو شخصية لها علاقاتها وامتداداتها خارج الجغرافية الوطنية.. في السعودية والعراق ولبنان وايران واوروبا وغيرها من البلدان، وذلك بحكم ارتباطاته التاريخية والمرجعية ومكانته الاجتماعية والدينية.

واية الله الشيخ عيسى قاسم شخصية مؤسسة على صعيدين.. مؤسسة على صعيد بناء الدولة من خلال عضويتها في المجلس التاسيسي وكتابة الدستور ومن ثم الجمعية الوطنية قبل ان يحلها ال خليفة في عام 1975.. فهو سياسي وحقوقي من الاباء المؤسسين للاستقلال...
وهو شخصية مؤسسة على صعيد العمل الديني والاجتماعي والارشادي يحمل خبرة عشرات السنين من الدعوة والنشاط في البحرين.. فهو مؤسس جمعيات ومدارس ومنتديات في مقدمتها جمعية التوعية الاسلامية والمجلس العلمائي.

لذلك فان استهداف الشيخ عيسى قاسم يعني استهداف الاصلاء من شعب البحرين واستهداف تاريخ الحركة الوطنية والاسلامية في مملكة دلمون المعاصرة، ولن تكون سهلة وبسيطة على السلطة التي لا تنتمي تاريخيا ونفسيا وفكريا لغالبية شعب البحرين، كما لا يجب التهاون معها.

اذاً هو صراع وجود او هكذا ارادها العتوب الخليفيون في مواجهة شعب دلمون ونسوا ان.."البادئ أظلم"!

بقلم: علاء الرضائي