العلاقات السعودية "الاسرائيلية" من تحت الطاولة الى التحالف الاستراتيجي (جزء 1)

العلاقات السعودية
الأحد ٣١ يوليو ٢٠١٦ - ٠٣:١٠ بتوقيت غرينتش

على قاعدة تقاطع المصالح الاستراتيجية على مستوى المنطقة وفي كافة الملفات تتقدم العلاقات السعودية الاسرائيلية بسرعة كبيرة باتجاه اقامة تحالف استراتيجي صهيو-وهابي. التطور الملحوظ يدفعنا الى التساؤل: ماذا يخطط الطرفان في السر والعلن، وما هي الاهداف المشتركة التي يسعى الطرفان الى تحقيقها من وراء الذهاب الى التحالف الاستراتيجي؟ والسؤال الاهم، هل المشروع الصهيو-وهابي قابل للنجاح؟

في هذا الجزء من البحث القصير، ينبغي في البداية الوقوف عند حقيقة لأهميتها التاريخية والجغرافية وارتباطها بما يجري في المنطقة اليوم.

من المعروف ان مؤسس الصهيونية "ثيودور هيرتزل" قال ان حدود "اسرائيل الكبرى" تمتد من النيل الى الفرات، لكن قليلون يعرفون تفاصيل "خطة عوديد يينون Oded Yinon Plan" كخطة استراتيجية ل"إسرائيل" التي نشرها باللغة العبرية في شهر شباط/فبراير 1982 وترجمها الى الانجليزية الكاتب والاستاذ الجامعي الراحل "اسرائيل شاحاك"، صاحب الكتاب الشهير "اسرار مكشوفة".

من الواضح ان "عوديد يينون" كان صاحب رؤية وعنده بُعد نظر. ومن الواضح ايضاً، انه استند في خطته على ثلاثة عوامل رئيسية: استبداد الانظمة وانعدام العدالة الاجتماعية والظلم الذي تعاني منه الاقليات الدينية والعرقية.

تقوم خطة عوديد يينون على اثارة حروب مذهبية وعرقية تؤدي الى تشظي المحيط الجغرافي للكيان الصهيوني. مصر التي وصفها بالجثة الهامدة لا تشكل خطراً حقيقياً على الجبهة الغربية ل"إسرائيل" الا ان تفتيتها الى مجموعة كيانات (دولة قبطية وعدة دويلات ضعيفة واستعادة احتلال شبه جزيرة سيناء) يجعل دول شمال افريقيا والسودان مرشحين طبيعيين للتقسيم. وبما ان الجبهة الشرقية تشكل الخطر الحقيقي على امن "اسرائيل"، يجب ان تكون اولوية "اسرائيل" تقسيم لبنان الى خمسة اقاليم لتكون بمثابة نموذج للعالم العربي، وتقسيم سوريا الى اربع دول (دولة علوية على الساحل ودولة سنية في منطقة حلب ودولة سنية اخرى في دمشق تكون معادية لدولة حلب وكيان للدروز في منطقة حوران وشمال الاردن وربما في "جولاننا" وفقا للتسمية التي اطلقها عوديد يينون على الجولان المحتل، وتقسيم العراق الى ثلاثة كيانات عرقية ومذهبية – دولة كردية في الشمال ودولة للسنة ودولة للشيعة. تقسيم المحيط الجغرافي ل"اسرائيل" الى كيانات طائفية وعرقية صغيرة وضعيفة وكيانات وكيلة تضمن امن "اسرائيل" وتؤكد تفوقها. كان عوديد يينون يدرك ان تغييرات جيوبوليتيكية حادة لا تمر الا بحروب داخلية، لكن من المؤكد لم يخطر بباله امكانية حصول هذا التجمع الهائل للحثالات التكفيرية بتحريض وتمويل عربي شرعته فتاوى الفاشية الاسلاموية (الوهابية). اقتراح جنرال "التطبيع" السعودي انور عشقي بتقسيم العراق الى ثلاثة كيانات طائفية وعرقية، يندرج في اطار التحضير لبلقنة المنطقة بأكملها بدءاً من العراق وسوريا وليس لبنان كما في خطة "يينون".

بعد فشل صدام في عدوانه الظالم اسقاط النظام الاسلامي في ايران، وبسبب الانجازات الهائلة للجمهورية الاسلامية على كافة المستويات العسكرية والعلمية، رغم الحصار والمقاطعة واغتيال العلماء ودعمها اللامحدود للمقاومة، صار تدمير الجمهورية الاسلامية اولوية اسرائيلية، كما هي اولوية سعودية كما قال الامير المُلقب بالصهيوسعودي تركي الفيصل خلال مشاركته مؤتمر تنظيم "مجاهدي خلق" الارهابي المعروف بعلاقاته الوطيدة بالموساد الاسرائيلي.

رغم محاولات ايران مد يد الاخوة الاسلامية والجيرة لكل دول المنطقة بلا استثناء على قاعدة "العدو الوحيد هو العدو الصهيوني"، الا ان تلك المحاولات اصطدمت بجدار حديدي من العداء والعدوانية وتغذية الصراعات المذهبية لجر ايران الى نزاعات لا تخدم سوى "اسرائيل". في المقابل، وظفت السعودية كل الاعلام الحاقد والفاجر، ووظفت رجال دين لا يردعهم وازع اخلاقي او ديني او انساني لاصدار فتاوى الذبح وقطع الرؤوس وانتهاك المقدسات الاسلامية والمسيحية. فضلا عن ذلك، سبق وان ساهمت بسخاء في تمويل حرب صدام على الجمهورية الاسلامية، وطلبت من الامريكيين ضرب ايران لاسقاط النظام الاسلامي، وبلغت الاسرائيليين بفتح مطاراتها واجوائها امام الطائرات الاسرائيلية لضرب ايرن، وتفوقت على "اسرائيل" في معارضتها الاتفاق النووي، وشجعت الاسرائيليين على شن حرب تموز وحرضتهم على الاستمرار في الحرب حتى القضاء على حزب الله، ولا يجوز استبعاد التمويل كما تؤكد مصادر امريكية واوروبية. الاجتياح الارهابي للعراق بتمويل سعودي، والحرب على سوريا بتمويل سعودي، والعدوان الظالم على اليمن بقيادة سعودية، كلها في سياق استخدام الدين وقوداً للحروب الداخلية لإنجاح "خطة عوديد يينون"، فعندما يتبادل السعوديون والاسرائيليون رسائل الود والاعجاب، ويطلقون العنان لتصريحاتهم حول المصالح المشتركة، ينبغي ان ندرك بان التفاهم على الامور الاستراتيجية بين راعية الارهاب التكفيري ودولة الارهاب قد دخل مرحلة متقدمة لا سيما تحديد العدو المشترك – محور المقاومة وعلى رأسه ايران كما اكد انور عشقي نيابة عن حكام المملكة "ان ايران عدو مشترك للمملكة واسرائيل."

اليوم، بعد سنوات من المفاوضات السرية، "اسرائيل" من خلف الستار تقود "محور الاعتدال العربي" (محور الشر) في الحرب على العدو المشترك (محور المقاومة) من طهران الى الضاحية الجنوبية.

* رضا حرب – المركز الدولي للدراسات الامنية والجيوسياسية