هل ستطيح أمريكا بـ"أردوغان" كما أطاحت بـ"صدام"؟

هل ستطيح أمريكا بـ
السبت ٢٠ أغسطس ٢٠١٦ - ٠٤:٥٣ بتوقيت غرينتش

أمريكا …وما أدراك ما هي أمريكا؟ صاحبة فضيلة الرذائل، الكاذبة الصادقة، العدو الحليف، ورغم أن أمرها هذا لا ينكره أحد، إلا أن الجميع لا يزال يتزاحم للتشبث في ذيل ثوبها، وأن كانوا على يقين أنهم “حتما” منذرون إلى ركلة قوية منها تودي بهم تباعا إلى أسفل السافلين، وتاريخ أمريكا مع العرب يشهد بصدق هذا، فهو تاريخ حافل بالمكائد والفخاخ، والطريق بينهما مليء بالألغام والشراك، ورغم أن سقوط العرب في هذه الفخاخ هو سقوط مرير وأليم لا نهوض بعده؛ إلا أنه لا ضير من تكراره مرات ومرات وكأن شيئا لم يحدث تارة من غباء، وتارة من حاجة، ودائما من ضعف.

إن أحداث الخليج (الفارسي)عام 1990 ليست بالبعيدة المنسية؛ تلك المصيبة التي دكت رؤوس العرب دكا من المحيط الى الخليج (الفارسي)، والتي أفضت الى أسوأ التداعيات على البلاد العربية وشعوبها قاطبة حتى يومنا هذا، هذا الفخ الذي خططه وأخرجه ونفذه العم سام في الخليج (الفارسي)، فلم يكن ”صدام” ليجرأ على دخول الكويتيين أنيكون قد تلقى الضوء الأخضر من أمريكا، التي بعثت بسفيرتها ” أيبريل غلاسبي” عن قصد إلى بغداد لإبلاغ ”صدام” بأسلوب ملتوي رسالة مفادها :”أن الولايات المتحدة لا تمانع اجتياحه للكويت، على اعتبار أنه شأن داخلي ليس لأمريكا أي دور فيه”، فما أن سمع ” صدام” هذا حتى بلع الطعم سريعا، فوجه جيشه مباشرة شطر دولة الكويت واجتاحها في ليلة سوداء ظلماء، ليس على الكويتيين فحسب؛ بل وعليه وعلى الأمة العربية جميعها، (متناسيا دور أمريكا في تأجيج نار الحرب بينه وبين ايران في زمن قريب، وتزويد الطرفين بالسلاح طوال فترة الحرب حتى تتوازن القوى العسكرية بينهما أو تتقارب، لضمان استمرار الحرب بينهما كل تلك السنوات، حتى خرج كلا الطرفين من الحرب أضعف بكثير مما كان عليه قبل دخوله)، ثم تقف أمريكا موقف المنقذ والمدافع عن الحقوق والحريات التي لا تتوانى عن إغاثة المظلوم من الظالم، فيوجه الرئيس الأمريكي “بوش” بارجاته الحربية المؤججة بالجنود والطائرات والعتاد بمشاركة 30 حليفا دوليا إلى منطقة الخليج الفارسي، ويرسي قواعده العسكرية فيها، للإطاحة بـ“صدام” ونظامه، ليعلم الأخير “متأخرا” بأنه وقيع مكيدة شيطانية دبرتها له أمريكا بكل دهاء، وسقط  فيها هو بكل سهولة وسذاجة، وبدلا من أن يتراجع سريعا عن موقفه فيسد الباب في وجه المخططات الأمريكية ويفشلها؛ أخذته العزة بالكفر وتشبث بموقفه أكثر؛ لينتهي بما انتهى إليه؛ ويهوي بالعراق والمنطقة إلى هاوية لا قرار لها، لا زلنا نهوي فيها الى يومنا هذا.
لقد أعادت أمريكا كرتها مرة أخرى مع حليف قوي آخر لها في المنطقة وهي تركيا، عندما أعطى ”أوباما” لـ”أردوغان” ذات الضوء الأخضر “المقيت” لإسقاط الطائرة الروسية على الحدود السورية، موهما اياه أن أمريكا لن تتركه وحيدا أمام أي ردعسكري أو سياسي روسي، لتقفبعد ذلك موقف المتفرج دونما أدنى تدخل منها، وهي ترى”الدب القطبي” روسيا تضيق الخناق وتشد الوثائق حول عنق تركيا، مرحبة بكل تصعيد روسي تجاه تركيا، وقد ظهر هذا جليا عندما طلب “أردوغان” تفعيل المادة الخامسة في ميثاق حلف الناتو والذي ينص على: ”أن تقف دول الناتو صفا واحدا في مجابهة أي عدوان خارجي يتعرض اليه أي عضو من أعضائه”،  لكن “باراك أوراما” رفض تفعيلها، ولم يكتفي الموقف الأمريكي بهذا الحد فقط، فقد أصدر ”أوباما” أمرا بسحب بطاريات صواريخ “الباتيريوت” التركية المتواجدة على الحدود التركية، في الوقت الذي كانت الطائرات الروسية تتعرض فيها للأتراك على الحدود السورية التركية؛ وما أن تنبه “أردوغان” إلى النوايا الأمريكية الخبيثة تجاه تركيا، وأيقن بعظم الفخ الذي نصبته له أمريكا من أجل احداث وقيعة روسية تركية، لاستنزاف القوى العسكرية  لكلا الطرفين والتخلص منهما مجتمعتين؛ حتى التف ” أردوغان” على المخطط الأمريكي مباشرة،وتراجع خطوة الى الخلف، متخليا عن سياسة ”البغال” التي انتهجها “صدام” سابقا، فأعاد العلاقات الروسية التركية المباشرة دون علم أو وساطة من الولايات المتحدة الأمريكية، من خلال مكالمة هاتفية أجراها مع نظيره الروسي “بوتين”، وتقديم اعتذارا لروسيا عن ضربطائرتها العسكرية، ليكون بهذا قد أفشل المخطط الأمريكي بجره نحو حرب عسكرية مع روسياسيكون هو الخاسر فيها لا محال، (كما فعلت مع صدام في الكويت).
ولأن الولايات المتحدة الأمريكية لا تنفك تكيد المكائد، وتحدث الوقائع بالدول داخليا وخارجيا؛ لذا كانت صاحبة اليد العليا في محاولة الانقلاب التركي مؤخرا، فهي أما ان تكون قد رتبت له أو أشرفت عليه لا ثالث لهما، كمحاولة جديدة منها للتخلص من “أردوغان”، الذي توجه نحو روسيا متجاوزا أمريكا خلفه، ولهذا فإن الولايات المتحدة لن تهدأ مضاجعها حتى تطيح بالرئيس التركي بأي طريقة وبأي ثمن، فهي على يقين تام بأهمية تركيا في المنطقة وفي الأحداث الراهنة، وبالدور المهم الذي تلعبه تركيا في السورية ومواجهة تنظيم داعش، وتحول “أردوغان” نحو روسيا هو ليس بالأمر السهل الذي يمر مرور الكرام عند الولايات المتحدة، بل هو أمر جلل ومحضور، ولهذا كانت الراعي الرسمي للانقلاب التركي، وستكون حتما الراعي الرسمي أيضا لكثير من الفوضى والخطط المستقبلية على تركيا، بغض النظر عن التصريحات الرسمية التي تصدر عنها والتي تبدو فيها حمامة للسلام؛ وراعي للديموقراطية؛ وإلا لماذا أقدمت تركيا على قطع التيار الكهربائي عن ”قاعدة أنجرليك” القاعدة العسكرية الجوية الأمريكية في تركيا لإفشال محاولة الانقلاب مباشرة؟ ولماذا يعتقل الجيش التركي الجنرال “بكر أرجان فان” رئيس القاعدة بعد ساعات من الانقلاب؟ إن لم تكن تركيا على علم بأنالانقلاب يدار من أمريكا وليس من تركيا، بيد أن سفير الولايات المتحدة لدى تركيا ”جون باس″ التقى مرات عديدة بزعيم محاولة الانقلاب ”أكين أوزتورك” و “بكر أرجان” قبل بدء الانقلاب، بحجة مناقشة كيفية التعاون مع الأكراد في سوريا والعراق.
ان الازمة التركية الامريكية في تصاعد ملحوظ، ومؤشر الخلافات بينهما لا ينبأ بخير أبدا، تحديدا بعد أن خرجت الاتهامات بينهما إلى العلن، حيث إتهم ”أردوغان” الجنرال الأمريكي ”جوزيف فوتيل” أكبر قائد عسكري في المنطقة،بمناصرة الانقابيين الذين حاولوا الإطاحة به منذ أسبوعين، بعد أن صرح الأخير يوم الخميس الماضي قائلا :” بالتأكيد كانت تربطنا علاقات مع الكثير من قادة الجيش الأتراك، وأنا قلق تجاه علاقة البلدين اذا استمرت تركيا بسياسة الاعتقالات التي تنتهجها بعد محاولة الانقلاب”، ليرد عليه ”أردوغان” يوم الجمعة قائلا : ”ليس الأمر متروكا لك لتأخذ مثل هذا القرار، من أنت؟ أحفظ مكانك، انت تنحاز للإنقلابيين بدلا من أن تشكر تركيا لتغلبها على الانقلاب”، فيرد عليه “فوتيل” قائلا : ”انه أمر مؤسف حقا، وعار من الصحة”.
* سامية أنور دنون ــ رأي اليوم

4-1