"الطفُولة الذبيحة" وفضائيات الفوضى التكفيرية (1)

الخميس ٢٥ أغسطس ٢٠١٦ - ٠٩:١٣ بتوقيت غرينتش

الطفولة تعني البراءة والعصمة والعفوية، وليس من حق أحد امتهانها أو هضمها أو قتلها لأغراض واهداف سياسية وعقائدية واعلامية، او حتى انتقامية.

بيد ان التاريخ الحديث كما القديم يحدثنا عن انتهاكات فظيعة للطفولة باتت ترقى احيانا الى مستوى جرائم الحرب والإبادة الجماعية، ولاشك بأن المجازر السعودية الارهابية على ابناء الشعب اليمني الأعزل وفيهم كم هائل من الاطفال والرضع والاحداث، تشكل وصمة عار في جبين ادعياء حقوق الانسان في الغرب، لن تزول مهما طال الزمان، نظرا لسكوتهم المخزي والمطبق أمام جرائم آل سعود والوهابية الحاقدة في وضح النهار.
وازاء ذلك فإن شعورنا المتزايد بالقلق والخطر في آن، من انتهاك الطفولة حقّا وحرمة وخطا احمر، يجعلنا ننظر بعين ملؤها الادانة والاستنكار والازدراء الى الإستغلال الإعلامي الرخيص الذي دأبت وسائل الإعلام الغربية والفضائيات الطائفية والتكفيرية والفوضوية ولاسيما منابر البترودولار الخليجية منها على تجييره خدمة للنفخ في كور الفتنة والإقتتال واسالة المزيد من بحور الدم في العالم الاسلامي.
الغرب المتصهين اثبتت ممارساته في هذا الإتجاه ابتذالا حقيرا ونقضا صريحا يخالف بمقياس 180 درجة مدعياته لحماية الطفولة والنظريات القانونية والاجتماعية التي يختلق سنويا كل جديد منها دون توقف للظهور بمظهر المتبني بلا منافس لحق الطفل في العيش الوديع الهادئ وتوفير جميع مقومات الحصانة والحماية له للتمتع بمرحلته العُمْريّة هذه بعيدا عن اي عُسف وحَجْر وقمع على مستوى العائلة، قبل المدرسة والحي فالمجتمع .
من الواضح أن جرائم الذبح التي ترتكبها عصابات "داعش والنصرة" و"جيش الشام" و"الجيش الحر" و"نورالدين زنكي" بحق الناس الآمنين في سوريا والتي طاولت مئات الاطفال، وتجلت بشكل فاضح في التنكيل بالطفل الفلسطيني (عبد الله عيسى ـ 12 عاما) قبل ذبحه بسكين أعمى معرضين اياه لتعذيب مفرط تقشعر منه الأبدان.. أقول ان هذه الجرائم يتعامل الإعلام الغربي معها بازدواجية تعبر عن عقيدة منافقة يعتنقها الغربيون ويسقطونها على جميع سلوكياتهم وقراراتهم في السياسة والإعلام والثقافة والابعاد الاخرى.
الطفل الفلسطيني عبد الله عيسى الذي شاهده العالم اجمع كان مريضا وقيل عن إصابته بمرض الطلاسيميا، وكان نزيل احدى المستشفيات في مدينة حلب السورية، وانتزع بالقوة من المشفى لكي ينفذ التكفيريون فيه حكم الإعدام انتقاما لمصرع أحد زعمائهم ـ وطبعا بلا محاكمة ـ وهولم يُحترم حتى في (تحقيق أُمنيته الأخيرة) بقتله رميا بالرصاص، عوضا عن الذبح، فتجاهل القساة طلبه قائلين له: "ما في قَـوّاص" أي "لا قتل بالرصاص بل ذبحاً، نحن أبشع من داعش، وهات السكين ياولد" وأوسعوه اهانةً وشماتة، والتقطوا معه عشرات الصور التذكارية وكأنه قائد عسكري كبير، وذلك قبل ان يفصلوا رأسه عن جسده..!!!؟
ولكن حينما أرودت قناة "البي بي سي" خبره على موقعها في شبكة الانترنت وضعت صورة هذا المشهد الشهير مع حجب الطفل عبد الله عيسى من المشهد مع انه كان بطل هذه التراجيديا ألاليمة .
    وهنا تتضح الضحالة الاعلامية البريطانية التي حذفت (الطفولة الذبيحة) وحرمتها حتى من حقها في عرض مظلوميتها أمام العالم، واذا عُرف السبب بطُل العجب. وهو ببساطة أن عصابة الذبح آنفة الذكر تابعة لما يسمى بـ "الجيش الحر" المدعوم والممول من قبل حكومة اميركا ومخابرات الـ "سي آي أيه"، وبالتالي فقد عمد التحالف الغربي، الى (نحر الطفل الفلسطيني عبد الله) مرتين، إذا لم نقل ثلاث مرات، باعتباره فلسطينيا اغتصبت "اسرائيل" المجرمة ارضه وداره ووطنه وشرّدته وملايين من امثاله الى المنافي، واخيرا لقي وجه ربه مذبوحا مظلوما على ايدي التكفيريين من مرتزقة الصهاينة !!!
   ترى كم من الظلامات يجب ان يتحمل المسلمون والعرب وهم يستدرجون بوعي او دون وعي الى ماكنة القضم الإمبريالية الرأسمالية الصهيوغربية وهي تواصل تنفيذ جزئيات مخطط "الفوضى الهدامة"، وتجعلنا نقتل بعضنا بعضا، في حين يتبادل تجار الحروب الدوليون أنخاب الفرح والبهجة والسخرية بنا، نتيجة للكوارث والنكبات والالام التي اصابت أمتنا وبايدي أبنائها.
وهل هناك أمتع من هذا المشهد للأميركيين والاوروبيين والإسرائيليين وقد احكموا دسائسهم لإشعال الفتن والحروب في بلداننا الامنة المسالمة، بل وينظروننا نتناحر ونتقاتل ونتنازع باسم الله والقرآن والدين الاسلامي الحنيف، ونرى على الهواء مباشرة كيف يتم ذبح طفولتنا، وهم يصوروننا ضحايا ودمارا وخيبات وأشلاء ورؤوسا وجثثا، ويتلذذون ـ وهم في موضع الشماتة والتشفي والاستهزاء ـ عندما يجدوننا نُهرع اليهم و نلتمسهم المساعدة والغوث والنجدة مع اننا نحن الذين خربنا بيوتنا بأنفسنا!!!؟..

يتبع...

* حميد حلمي زادة

2-205